Telegram Group & Telegram Channel
Forwarded from رَزْنَة (رَزْنَة صَالح)
مدفأةٌ من الضلوع.

الثاني عشر من يناير:
عزيزتي السيدة جوليا يبدو الصباح عتيق هذا النهار، بارد جدًا، حتى أن فصل الشتاء يغفو على أجسادنا الصغيرة دون رحمة، الضباب في هذه المدينة يحتوي كُل شيءٍ دون سابق إنذار، المنازل ترتدي فستان زفاف مطرز بالثلوج، أضعُ القلم بعد كل سطرٍ حتى أتنفس على أناملي لتعود للحياة.
أعلم بأنكِ أكبر مني بالعمر وقتكِ ضيق جدًا، سماؤكِ ليست كهذه السماء التي أبصرها، دعيني أعتذر لكِ قبل الحديث؛ لكون البرد يتسلق جسد الورقة فتصبح رقيقة جدًا لا تتحمل القلم، لذلك سوف يصبح منظرها كئيبًا بعض الشيء..
سيدتي(ج) اليوم وأنا في طريقي إلى المدرسة تعثر قلبي بنظرة فتاة جميلة عينيها جميلتين جدًا، ملابسها دافئة أيضًا، تمتلك وشاح بني على عنقها، راودتني أحلام اليقظة حينها حتى كادت تسقطني أرضًا لولا أني مسكت جسدي الهزيل وعدت لوعيي،
هل تعلمين كم تبدو مرهقة فكرة الوقوع لشخص مثلي؟
فكرت حينها ببدلتي الصغيرة ماذا إن تبللت، يالسيل الحزن الذي أغرق قلبي حينها، مجرد التفكير في الأمرِ يجعلني أرتجف وأسمع وجيب قلبي وهو يركض في مضمارِ أضلعي الهزيلة، كُنت أمشط خصلات شعر التراب في ساحة المدرسة فإذا بيدٍ صغيرة توضع على كتفي، يالدفئها يا سيدة (ج) شعرت بأن جسدي قد عاد للحياة، ابتسمت فانتفضت روحي وخلعت ثوب الحزن من ملامحي.
قالت لي "كيف تجلس في الساحة، ألا تشعر بالبرد؟ "
التهم سؤالها عقلي وقلت لها بأني مُصاب بالحمى والطبيب نصحني بالتعرض للبرد من فترة لأخرى، أعلم بأنكِ تضحكين على حماقتي وتقولين يالهُ من ساذج من قد يُصدق هذه الكذبة المرموقة..
ولكن صدقيني لم أجد نافذة أخرى أهرب من سِهام نظرة الشفقة التي ترميها علي إلا هذا العذر، تدثرت المقاعد بوشاحٍ من صقيعٍ بارد، نهضت بسرعة ولكن ظهري كان قد أقطن ووصلت البرودة إلى مجامع قلبي من كل الجهات،
سألتني إلي أين أنا ذاهب، أخبرتها بأني يجب أن أعود للمنزل،
ماذا عساي أن أقول لها يا عزيزتي، هل أخبرها بأني لا أمتلك منزلًا والشارع هو حضن طفولتي العارية؟
هل أصف لها أضلاع الرصيف دون فراش يدفئني؟
عدت أخيرًا إلى الحارةِ التي أسكن فيها، كنت قد وضعت بعض من الخطب في أحد الممرات، خلعت بدلتي المدرسية وغصت في أغوار عينيها، مُنذ ثلاث سنوات ارتديها دون أن يتغير مقاسها، أعلم بأنهُ بسبب نحول جسدي، ولكنها نعمة فلو كبرت من أين لي ببدلةٍ جديدة؟
أرجو بأن رسالتي لم تكن طويلة ولم تتذمري لكثرة شكواي، إنني فقط أشعرُ بالدفء تحت عمود الإضاءة في الشارع العام لذلك كتبت لكِ دون توقف،
آه يا عزيزتي تبدو الصباحات بعيدة جدًا على من لا يملك سقف يأويه، ثقيل جدًا هذا الصباح، كنت ارتجف لشدة الحمى ولكن يجب أن أذهب إلى المدرسة،
وجدت ذات الفتاة أمام مقصف المدرسة، كُنا ننظر إلى العابرين فإذا بها تصفعني بسؤالٍ جديد، هل تعلمين بأني أكره الأسئلة يا سيدة (ج)؟ وأعلم بأنك لن تسأليني عن السبب،
قالت: ماذا تطمح أن تملك في المستقبل؟، رفعت يدي متحمسًا للإجابة، ولكن خانني قميصي العتيق وفتح ثغرة قبلي، وأشتق دون أن يُراعي ظروفي، قبلت دموعي الأرض، فجأة سمعت صوت بكاء قديم يخرج من حنجرتي، تمنيت لو ارتديت قميص الصباح حينها، نظرت إليها وقلت أطمع بأن اشتري طفولة دافئة وماكينة خياطة جديدة:
سيدتي هل تعلمين بأن فصل الشتاء يؤلمنا كثيرًا نحنُ الذينَ نتخذ الشوارع منازل تأوينا؟
يا للخيبة..
كيف تبدو المنازل دون جدران؟
للفقر لغةٌ لا يفهما إلا من تعلمها بفمٍ أبكم لذلك لا تسأليني عن شيء أرجوكِ، يموت البعض منا يا سيدة (ج) وهو يحاول أن تحتضنه الحياة، نموت قبل أن نصل لطفولتنا، نموت بردًا وجوعًا وقهرًا وفقر..
لا تضحكِ على منظر ثوب هذه الورقة فقد اشتريتها بقيمة طعام الفطور خاصتي.
(رسالةٌ من أمام نافذة أحد الأغنياء الذين يلبسون الفرو دون أن يشعروا بالبرد)

من مارت الصغير.
#رزنة_صالح



tg-me.com/Mess_official/15443
Create:
Last Update:

مدفأةٌ من الضلوع.

الثاني عشر من يناير:
عزيزتي السيدة جوليا يبدو الصباح عتيق هذا النهار، بارد جدًا، حتى أن فصل الشتاء يغفو على أجسادنا الصغيرة دون رحمة، الضباب في هذه المدينة يحتوي كُل شيءٍ دون سابق إنذار، المنازل ترتدي فستان زفاف مطرز بالثلوج، أضعُ القلم بعد كل سطرٍ حتى أتنفس على أناملي لتعود للحياة.
أعلم بأنكِ أكبر مني بالعمر وقتكِ ضيق جدًا، سماؤكِ ليست كهذه السماء التي أبصرها، دعيني أعتذر لكِ قبل الحديث؛ لكون البرد يتسلق جسد الورقة فتصبح رقيقة جدًا لا تتحمل القلم، لذلك سوف يصبح منظرها كئيبًا بعض الشيء..
سيدتي(ج) اليوم وأنا في طريقي إلى المدرسة تعثر قلبي بنظرة فتاة جميلة عينيها جميلتين جدًا، ملابسها دافئة أيضًا، تمتلك وشاح بني على عنقها، راودتني أحلام اليقظة حينها حتى كادت تسقطني أرضًا لولا أني مسكت جسدي الهزيل وعدت لوعيي،
هل تعلمين كم تبدو مرهقة فكرة الوقوع لشخص مثلي؟
فكرت حينها ببدلتي الصغيرة ماذا إن تبللت، يالسيل الحزن الذي أغرق قلبي حينها، مجرد التفكير في الأمرِ يجعلني أرتجف وأسمع وجيب قلبي وهو يركض في مضمارِ أضلعي الهزيلة، كُنت أمشط خصلات شعر التراب في ساحة المدرسة فإذا بيدٍ صغيرة توضع على كتفي، يالدفئها يا سيدة (ج) شعرت بأن جسدي قد عاد للحياة، ابتسمت فانتفضت روحي وخلعت ثوب الحزن من ملامحي.
قالت لي "كيف تجلس في الساحة، ألا تشعر بالبرد؟ "
التهم سؤالها عقلي وقلت لها بأني مُصاب بالحمى والطبيب نصحني بالتعرض للبرد من فترة لأخرى، أعلم بأنكِ تضحكين على حماقتي وتقولين يالهُ من ساذج من قد يُصدق هذه الكذبة المرموقة..
ولكن صدقيني لم أجد نافذة أخرى أهرب من سِهام نظرة الشفقة التي ترميها علي إلا هذا العذر، تدثرت المقاعد بوشاحٍ من صقيعٍ بارد، نهضت بسرعة ولكن ظهري كان قد أقطن ووصلت البرودة إلى مجامع قلبي من كل الجهات،
سألتني إلي أين أنا ذاهب، أخبرتها بأني يجب أن أعود للمنزل،
ماذا عساي أن أقول لها يا عزيزتي، هل أخبرها بأني لا أمتلك منزلًا والشارع هو حضن طفولتي العارية؟
هل أصف لها أضلاع الرصيف دون فراش يدفئني؟
عدت أخيرًا إلى الحارةِ التي أسكن فيها، كنت قد وضعت بعض من الخطب في أحد الممرات، خلعت بدلتي المدرسية وغصت في أغوار عينيها، مُنذ ثلاث سنوات ارتديها دون أن يتغير مقاسها، أعلم بأنهُ بسبب نحول جسدي، ولكنها نعمة فلو كبرت من أين لي ببدلةٍ جديدة؟
أرجو بأن رسالتي لم تكن طويلة ولم تتذمري لكثرة شكواي، إنني فقط أشعرُ بالدفء تحت عمود الإضاءة في الشارع العام لذلك كتبت لكِ دون توقف،
آه يا عزيزتي تبدو الصباحات بعيدة جدًا على من لا يملك سقف يأويه، ثقيل جدًا هذا الصباح، كنت ارتجف لشدة الحمى ولكن يجب أن أذهب إلى المدرسة،
وجدت ذات الفتاة أمام مقصف المدرسة، كُنا ننظر إلى العابرين فإذا بها تصفعني بسؤالٍ جديد، هل تعلمين بأني أكره الأسئلة يا سيدة (ج)؟ وأعلم بأنك لن تسأليني عن السبب،
قالت: ماذا تطمح أن تملك في المستقبل؟، رفعت يدي متحمسًا للإجابة، ولكن خانني قميصي العتيق وفتح ثغرة قبلي، وأشتق دون أن يُراعي ظروفي، قبلت دموعي الأرض، فجأة سمعت صوت بكاء قديم يخرج من حنجرتي، تمنيت لو ارتديت قميص الصباح حينها، نظرت إليها وقلت أطمع بأن اشتري طفولة دافئة وماكينة خياطة جديدة:
سيدتي هل تعلمين بأن فصل الشتاء يؤلمنا كثيرًا نحنُ الذينَ نتخذ الشوارع منازل تأوينا؟
يا للخيبة..
كيف تبدو المنازل دون جدران؟
للفقر لغةٌ لا يفهما إلا من تعلمها بفمٍ أبكم لذلك لا تسأليني عن شيء أرجوكِ، يموت البعض منا يا سيدة (ج) وهو يحاول أن تحتضنه الحياة، نموت قبل أن نصل لطفولتنا، نموت بردًا وجوعًا وقهرًا وفقر..
لا تضحكِ على منظر ثوب هذه الورقة فقد اشتريتها بقيمة طعام الفطور خاصتي.
(رسالةٌ من أمام نافذة أحد الأغنياء الذين يلبسون الفرو دون أن يشعروا بالبرد)

من مارت الصغير.
#رزنة_صالح

BY فَـوضى-Ḿess 🍃


Warning: Undefined variable $i in /var/www/tg-me/post.php on line 280

Share with your friend now:
tg-me.com/Mess_official/15443

View MORE
Open in Telegram


فَـوضى Ḿess Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

What is Telegram Possible Future Strategies?

Cryptoassets enthusiasts use this application for their trade activities, and they may make donations for this cause.If somehow Telegram do run out of money to sustain themselves they will probably introduce some features that will not hinder the rudimentary principle of Telegram but provide users with enhanced and enriched experience. This could be similar to features where characters can be customized in a game which directly do not affect the in-game strategies but add to the experience.

Telegram has exploded as a hub for cybercriminals looking to buy, sell and share stolen data and hacking tools, new research shows, as the messaging app emerges as an alternative to the dark web.An investigation by cyber intelligence group Cyberint, together with the Financial Times, found a ballooning network of hackers sharing data leaks on the popular messaging platform, sometimes in channels with tens of thousands of subscribers, lured by its ease of use and light-touch moderation.فَـوضى Ḿess from us


Telegram فَـوضى-Ḿess 🍃
FROM USA