Telegram Group Search
-

في هذا الحديث تروي عائشةُ
رضي الله عنها لمَّا نزل الوَحيُ على
رسول الله ﷺ في غار حراء لأول مرة،
رجع إليهـا فأخبرها الخبر وقال: "لقد
خشيتُ على نفسي!"؛ أي: مما حدث له
في الغار وخارجه من أمر الوحي
ورؤية الملَك (جبريل) عليه السلام،
ردَّت عليه بلسان الواثقة:
"كلَّا! والله ما يخزيك الله أبدًا"..

كلا لن يحزَن قلبُك، ما دام يحمل الخيرَ
للناس، وما رأيتَه قد يكون فيه خيرٌ لك
فلن يخزيَك الله؛ أي: لن يفضحك ولن
يهينك... ثمَّ عدَّدت له خصـالًا فيه،
لـن يخزيَ الله مَن اتصف بها، وهاته
الخصال هي:

١- تصل الرَّحم: أي تُحسن إلى أقاربك
بالمال، أو بالخدمة، أو بالزيارة،
أو السلام، وغير ذلك.
٢- تصدُق الحَديث: وقد كان معروفًا
في الجاهلية بالصادق الأميـن، وقال له
قومه: "ما جرَّبنا عليك كذبًا قط".

٣- تَحمِل الكَلَّ: أي تتحمَّل مؤونـة الكَلِّ،
وهو الضعيف واليتيـم وذو العيال،
فتُنفِق عليه، وتقوم على حاجتـه.
٤- تَقري الضَّيف: والقِرى هو ما يُقدَّم
للضيف من طعام وشراب، وما يحتاجه
حال وجوده عند مضيفه؛ أي: أنت
تكرم الضيف.

٥- تُعينُ على نَوائبِ الحَقِّ: والنوائب
جمع نائبة، وهي الحادثة أو المصيبة،
وإنما قالت: نوائب الحق؛ لأن النائبةَ قد
تكون في الخير وقد تكون في الشر،
وقال ابن حجر في فتح الباري:
"هي كلمة جامعة لأفراد ما تقـدَّم ولما
لم يتقدَّم".

قال الإمام النووي في شرح مسلم:
"قال العلمـاء: معنى كلام خديجة
رضي الله عنها إنك لا يصيبك مكروه؛
لما جعل اللـه فيك من مكارم الأخلاق
وكرم الشمائل، وذَكَرَت ضروبًا من ذلك،
وفي هذا دلالـة على أنَّ مكارم الأخلاق
وخصال الخير سببُ السـلامة من
مصارع السوء".


»» فمَن أراد أن يوفِّقـه الله تعالى،
وييسِّـر له أسبابَ النجاح، ويفتح له
قلوب الخَلق، فليلزم هاته الخصـال.

»» وهذا ما شهدت به حكيمة قريش
أمُّ المؤمنيـن خديجة بنتُ خويلد
لرسول الله ﷺ، وقد صَدَقَت فراستُها
رضي الله عنها.

-
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
-
' الاطمئنان في الصلاة.. الركن الغائب '

عن أنسٍ رضي الله عنه، قالَ:
إنِّي لا آلُو أن أُصَلِّيَ بكُم كما رَأَيتُ
النَّبـيَّ ﷺ يُصَلِّي بِنَا. قَالَ ثَابِتٌ:
كانَ أنَسُ بنُ مَالِكٍ يَصنَعُ شَيئًا لَم أرَكُم
تَصنَعُونَهُ؛ كانَ إذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكوعِ
قامَ حَتَّى يَقولَ القائِلُ: قد نَسيَ، وبَينَ
السَّجدَتَينِ حَتَّى يَقولَ القائِلُ: قد نَسيَ.

- مُتَّفَقٌ عَلَيهِ -
-

في هذا الأثرِ يَقولُ أنسُ بنُ مالكٍ
رَضيَ اللهُ عنه لأصحابِه مِن التابعينَ:
«إنِّي لا آلُـو أن أُصَلِّيَ بكُم»، أي: إنِّي
لا أُقصِّـرُ أن أُصلِّيَ بكم مِثلَما رَأَيتُ
النبيَّ ﷺ يُصلِّي بلْ أجتَهِدُ أن أُصلِّيَ
بكم بالهَيئةِ التي كان رسولُ اللهِ ﷺ
يُصلِّي بها، وإنَّمـا قال هذا ليَحُثَّ
السامعيـنَ على الاهتِمامِ وحِفظِ
ما يَأتي به، ويُحقِّقَ عندَهم المُراقَبةَ
لاتِّباعِ أفعالِ رَسولِ اللهِ ﷺ.

قال ثابتٌ البُنَانيُّ -وهو مِن التَّابعين
والرَّاوي عن أنَسٍ-: كان أنسٌ رَضيَ اللهُ
عنه يَصنَعُ شيئًا لم أرَكُم تَفعلونَه، وهو
أنَّه كان يقِفُ طَويلًا بعدَ قيـامِه مِن
الرُّكوعِ، حتَّى يظُنَّ مَن يَراه أنَّه نَسيَ
ولم يَتعمَّـدِ الوقوفَ كلَّ هذه المدَّةِ،
ويَفعَلُ كذلك فيما بين السَّجدتينِ.

وفيه إشعارٌ بأنَّ مَن خاطَبَهم ثابتٌ
كانوا لا يُطيلون الوقوفَ بعدَ الرَّفعِ مِن
الرُّكوعِ وبين السَّجدتينِ، ولذا خصَّ
ذِكرَ الطُّمأنينةِ والاعتدالِ في الرُّكوعِ
والسُّجودِ دونَ سـائرِ الأركانِ، ولذلك
قال لهم: كانَ أنَسُ بنُ مالكٍ يَصنَعُ شيئًا
لم أرَكُم تَصنَعونَه.

فلو جلس أحدُنا يتأمل في صلاةِ
المسلمين لوجد أنَّ كلَّهم يأتي بمعظم
الأركان المطلوبـة في الصلاة؛ كتكبيرةِ
الإحرام والقيام والركوع والسجود،
ولكن في الوقتِ ذاته كثيرٌ من
المصليـن يُخِلُّ بركنٍ عظيم لا تصح
الصلاة إلا بالإتيـان به؛ وهو ركن
الاطمئنان، بالرَّغم من أنَّ هذا الركنَ
يصاحبُ معظمَ الأركان الأخرى..

↵ بمعنى أنه لا بد من الاطمئنان في
القيامِ والركوع والسـجود والجلوس.


والمراد مِنَ الاطمئنانِ في الصلاة:
السُّكون بقَدْرِ الذِّكر الواجب، فلا يكون
المصلي مطمئنًا إلا إذا اطمئنَّ في
الرُّكوع بِقَدْرِ ما يقول: "سبحان ربِّي
العظيم" مرَّة واحدة، وفي الاعتدال
منه بقَدْرِ ما يقول: "ربَّنا ولك الحمدُ"،
وفي السُّجود بقَدْرِ ما يقول: "سبحان
رَبِّـي الأعلى"، وفي الجلوس بقَدرِ
ما يقول: "رَبِّ اغفِـر لي"، وهكذا.

قال ابنُ حجر الهيتمي
في "تحفـة المحتاج":
"وضابطُها أن تسكُنَ وتستقِرَّ أعضاؤُه".


وقال الشافعي وأحمد وإسحاق:
من لا يقيم صلبَه في الركوعِ والسجود
فصلاتُه فاسدة، لحديث النبي ﷺ:
"لا تجزئ صلاةٌ لا يقيمُ الرجلُ فيها
صلبَه في الركوع والسجود".
[ فتح الباري لابن رجب ]

-
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
-
' ..واستجيبوا لأمر الله ورسوله '

عَن أَبي وائِلٍ قالَ:
لَمَّا قَدِمَ سَهلُ بنُ حُنَيفٍ مِن صِفِّينَ
أتَيناهُ نَستَخبِرُهُ، فَقالَ: اتَّهِموا الرَّأْيَ؛
فَلقَد رَأَيتُني يَومَ أبي جَندَلٍ ولَو
أستَطيعُ أن أرُدَّ عَلى رَسولِ اللهِ ﷺ
أمرَهُ، لَرَدَدتُ، واللَّهُ ورَسـولُهُ أعلَمُ،
وما وضَعنا أسيافَنا عَلى عَواتِقِنا لأمرٍ
يُفظِعُنا، إلَّا أسهَلنَ بِنا إلى أمرٍ نَعرِفُهُ
قَبلَ هذا الأمرِ، ما نَسُدُّ مِنها خُصمًا
إلَّا انفَجَرَ عَلَينـا خُصمٌ، ما نَدري كَيفَ
نَأْتي لَهُ.

صحيح البخاري ٤١٨٩
-

وقعَتِ الفِتنةُ الكُبرى بين المُسلِمينَ بعدَ
مَقتَلِ الخَليفةِ الرَّاشِدِ عُثمانَ بنِ عفَّانَ
رَضيَ اللهُ عنه، واختَلَفَ المُسلِمونَ
طلَبِ القِصاصِ مِن قَتَلةِ عُثمـانَ، ودخَلَ
أهلُ الفِتَنِ وأشعَلوا الشَّرَرَ بينَ النَّاسِ،
وانتَهَتِ الفِتنةُ بالتَّصالُحِ بين المُسلِمينَ،
ولكن بعدَ أن خسِرَ المُسلِمونَ دِماءً
كَثيرةً لخيارِ أصحابِ رَسولِ اللهِ ﷺ.


وفي هذا الحَديثِ يَحكي التَّابِعيُّ
أبو وائِلٍ شَقيقُ بنُ سَلَمةَ أنَّه لَمَّا جاء
سَـهلُ بنُ حُنَيفٍ رَضيَ اللهُ عنه مِن
وَقعةِ صِفِّينَ -الَّتي كانت بينَ عَلِيٍّ
ومُعاويةَ رَضيَ اللهُ عنهما سَنةَ ستٍّ
وثَلاثينَ منَ الهِجرةِ- جاؤُوه يَسـأَلونه
عن خبَرِ النَّاسِ، وقد كان يُتَّهَمُ
بالتَّقصيرِ في القِتالِ يومَ صِفِّينَ، فقال
لهم سُهَيلٌ:

«اتَّهِمـوا الرَّأيَ»، أيِ: اتَّهِموا رَأيَكم في
هذا القِتالِ، ولا تَأخُذوا به؛ بل عُدُّوه
خَطأً في مُقابِلِ دِينِكم؛ فالدِّيـنُ يَأمُرُ
بالصُّلحِ والإصلاحِ بينَ المُسلِمينَ، وأنتم
تَكرَهونَ هذا الصُّلحَ، وترَونَ أنَّ
المَصلَحةَ في القِتالِ، فاعلَموا أنَّ رَأْيَكم
هذا خَطـأٌ، والصَّوابَ هو ما أمَرَ به اللهُ
ورَسـولُه؛ فإنِّي لا أُقصِّرُ في الجِهادِ،
وما كنتُ مُقصِّرًا وقْتَ الحاجةِ، وإنَّما
تُقاتِلونَ اليومَ إخوانَكم في الإسـلامِ
باجتِهادٍ اجتَهَدتُموه، وكان خِطابُه هذا
لمَن لم يَرضَ مِن أصحابِ عَليٍّ
رَضيَ اللهُ عنه بقَبولِ عَليٍّ التَّحكيمَ..

ثمَّ استَشهَدَ سَهلُ بنُ حُنَيفٍ رَضيَ اللهُ
عنه بما وقَعَ لهم يومَ أَبي جَنـدَلٍ،
ويَقصِدُ به يومَ صُلحِ الحُدَيبيَـةِ في
العامِ السَّادِسِ منَ الهِجرةِ، وأبو جَندَلٍ
هو العَاصِي بنُ سُهَيـلٍ رَضيَ اللهُ عنهما،
ونسَبَ سَهـلٌ رَضيَ اللهُ عنه يومَ
الحُدَيبيَةِ إلى أبي جَندَلٍ رَضيَ اللهُ عنه
لأنَّه جاء إلى النَّبـيِّ ﷺ يومَ الحُدَيبيَةِ
مِن مكَّةَ مُسلِمًا، وهو يَجُرُّ قُيودَه، وكان
قد عُذِّبَ في اللهِ..

فقال أبُوه سُهَيلٌ -وذلك قبلَ أن يُسلِمَ:
يا مُحمَّدُ، أوَّلُ ما أُقاضيكَ عليه، فرَدَّ
النَّبـيُّ ﷺ عليه أبا جَندَلٍ، وكان ردُّه
أشَقَّ على المُسلِمينَ مِن سائرِ ما جَرى
عليهم، ويَذكُرُ سَهلٌ أنَّه في هذا اليومِ
رَأى في نفسِه مِن الحَميَّةِ للحقِّ،
والرَّغبةِ في القِتالِ في سَـبيلِ اللهِ،
بحيث لو قدَرَ على مُخالَفةِ حُكمِ
رَسولِ اللهِ ﷺ لَقاتَلَ قِتالًا لا مَزيدَ عليه
ولكنَّ اللهَ ورَسولَه أعلَمُ بما فيه
المَصلَحةُ، فترَكَ ﷺ القِتالَ إبقـاءً على
المُسلِمينَ، وصَونًا للدِّماءِ، واليومَ
أتوَقَّفُ عنه أيضًا لمَصلَحةِ المُسلِميـنَ.

ثمَّ قال: «وما وَضَعنا أسيافَنا على
عَواتِقِنا» في اللهِ «لأمرٍ يُفظِعُنا» أي:
يشُقُّ علينا «إلَّا أسهَلنَ بِنا»، أي: إلَّا
أوصَلنَنا إلى حلٍّ نَرضاه، ونَرتاحُ إليه،
«قبلَ هذا الأمرِ»، يَعني أمرَ الفِتنةِ
الواقِعةِ بينَ المُسلِمينَ باختِلافِ عَليٍّ
ومُعاويةَ؛ فإنَّ السَّـيفَ لم يَأْتِ لهذا
الاختِلافِ؛ فإنَّها مُشكِلةٌ لِمَا فيها مِن
قَتلِ المُسلِمينَ..

«ما نسُـدُّ منها» أي: منَ الفِتنةِ «خُصمًا
إلَّا انفَجَرَ علينا خُصمٌ»، أي: ناحيةٌ
وطَرَفٌ، «ما نَدري كيف نَأْتي له!»؛ أي:
كيف نسُدُّه، يُريدُ أنَّهم أرادوا سدَّ جانبِ
الاختِلافِ بين عَليٍّ ومُعاويةَ رَضيَ اللهُ
عنهما بالتَّحكيمِ، فانفَجَرَ الاختِلافُ في
أعوانِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ
عنه نفسِـه، حيث خرَجَ عليه الخَوارِجُ.

»» فتأمل ذلك الأصل العظيم، في
تجربـة صحابي جليل، تقول لنا:
لا تثقوا كثيرًا بآرائكم، بل متى بدا لكم
أمر الشرع، ولم يبلغه الرأي، ولم يفهمه
العقل؛ فاتهموا هذا الرأي: أنه أخطأ،
واتهموا ذلك العقل: أنه جَهِل!!


-
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
-
مِن كبائر الذنوب: عدم التَّنزُّه من البَول
وهو شعار النَّصارى

عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قالَ:
مَرَّ النَّبيُّ ﷺ بحائِطٍ مِن حيطانِ
المَدينةِ، أو مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوتَ إنسانَينِ
يُعَذَّبانِ في قُبورِهِما، فَقالَ النَّبيُّ ﷺ:
يُعَذَّبانِ، وما يُعَذَّبانِ في كَبيـرٍ ثُمَّ قالَ:
بَلَى، كانَ أحَدُهُما لا يَسـتَتِرُ مِن بَولِهِ،
وكانَ الآخَرُ يَمشي بالنَّميمةِ.
ثُمَّ دَعا بجَريدةٍ، فَكَسَرَها كِسرَتَيـنِ،
فَوَضَعَ عَلى كُلِّ قَبرٍ مِنهُما كِسرةً،
فَقيلَ لَهُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلتَ هَذا؟
قالَ: لَعَلَّهُ أن يُخَفَّفَ عَنهُما ما لَم تَيبَسا
أو: إلى أن يَيبَسا.

متفق عليه واللفظ للبخاري
-

القَبرُ هو أوَّلُ مَنازِل الآخِرَةِ، والعذابُ
والنَّعيمُ فيه حَقٌّ، وقد بيَّنَ النبيُّ ﷺ
بَعضَ الأعمالِ المُوجِبـةِ لعَذابِ القَبرِ،
كما في هذا الحَديثِ، حيثُ يَروي
عبدُ اللهِ بنُ عبَّـاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما:


أنَّ النبيَّ ﷺ مَرَّ على حائطٍ من حِيطَانِ
المَدينةِ أو مَكَّةَ، والحائِطُ: هو البُستانُ
إذا كان له سُورٌ، فسَمِعَ صَوتَ إنسـانَين
مَيِّتينِ يُعذَّبانِ في قُبورِهما، فقال
النبـيُّ ﷺ: «يُعَذَّبانِ، وما يُعذَّبانِ في
كَبيرٍ»، يعني: لا يُعذَّبـان في أمرٍ كَبيرٍ
في نَظرِكم، وإن كان هو في الحقيقـةِ
كَبِيرًا عندَ اللهِ تعالَى؛ ولذلك قال ﷺ:
«بَلَى»، أي: إنَّه كَبيرٌ في الحقيقةِ!

ثم أوضَحَ النبيُّ ﷺ سَببَ عَذابِهما،
وهو أنَّ أحدَهما كان لا يَستُرُ جَسَـدَه
ولا ثيابَه مِن مُماسَّـةِ البَولِ، والآخَرَ كان
يَمشي بالنَّمِيمةِ بين الناسِ، فيَنقُلُ كَلامَ
غيرِه بقَصدِ الإضرارِ وإيقاعِ الخِلافِ
والوَقيعةِ بين الناسِ.

ثُمَّ دَعَا ﷺ بِجَرِيدةٍ نخلٍ، فكَسَـرها
نِصفَين، ووَضَع على قَبرِ كلِّ واحدٍ
منهما جُزءًا منها، فسَـأَلَه الصَّحابةِ:
لِمَ فعَلتَ هذا؟ فأخبَرَهم أنَّه فَعَلَ ذلك
لعلَّ اللهَ تعالَى أن يُخَفِّفَ عنهما العذابَ
إلى أن يَجِفَّ الجَرِيدُ الذي وَضَعه ﷺ
على قَبرَيهما.

قيل: إنَّه خصَّ الجَريدَ بذلك لأنَّه بَطيءُ
الجَفافِ. وقيل: هو مَحمولٌ على أنَّه
دَعـا لهما بالتَّخفيفِ مُدَّةَ بَقاءِ النَّداوةِ،
لا أنَّ في الجَريدةِ معنًى يَخُصُّه، ولا أنَّ
في الرَّطبِ معنًى ليس في اليابـسِ.
وقيل: إنَّ المعنى فيه: أنَّه يُسبِّحُ ما دام
رَطبًا، فيَحصُلُ التَّخفيفُ ببَركةِ
التَّسبيحِ. ◂ وهذا الفعل خاص به ﷺ.

وقال رسـول الله ﷺ: «استنزهوا من
البول فإن عامة عذاب القبر من البول»
[ رواه الدار قطني ]


فيجب على الإنسان أن يتنزه من بوله
وما يصيب فخذيه وساقيه منه وذلك
بغسله وإزالة أثره من بدنه أو ثوبه أو
مكان صلاته ولأن عدم التنزه من البول
يلزم منه بطلان الصلاة، قال الذهبي:
"ثم إن من لم يتحرز من البول في
بدنه وثيابه فصلاته غير مقبولة".

والاستنزاه من البول يكون بأمرين:
الأول: أن يتحرز الإنسـان من رشاش
البول أن يصيبه أو يصيب ثيابه وذلك
بأن يتبول في مكان رخو من الأرض
ولا يتبول في مكان صلب فيرجع عليه
رذاذ البول على جسـمه أو ثيابه.

الثاني: أنه إذا أصابه البول يجب عليه
أن يبادر إلى غسـله وإزالته.

-
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
-
أقوى الناس دينًا أعظمهم غَيرة

عنِ المُغيرةِ، قالَ سَعدُ بنُ عُبادةَ:
لَو رَأَيتُ رَجُلًا مع امرَأَتي لَضَرَبتُهُ
بالسَّيفِ غيرَ مصفَحٍ، فَبَلَغَ ذلكَ
رَسـولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَ:
أتَعجَبونَ مِن غَيرةِ سَعدٍ، واللَّهِ لَأَنا
أغيَرُ مِنهُ، واللَّهُ أغيَرُ مِنِّي..

ــــ متفق عليه ــــ
-

أصلُ الدِّين الغَيرة، ومن لا غَيرة له
لا دِين له؛ فالغَيرة تَحمي القلب
فتحمي له الجوارح، فتدفع السُوء
والفواحش، وعدمُ الغَيرة تُميتُ القلب،
فتموت له الجوارح.


يقول سَعدُ بنُ عُبادةَ رضي الله عنه
لِشِدَّةِ غَيرَتِه: إنَّه لو رَأَى رجلًا مع امرأتِه
لضَرَبه بالسَّيفِ غيرَ مُصَفِّحٍ، أي: غيرَ
ضارِبٍ بِصَفحِ السَّيفِ وهو جانِبُـه، بل
يَضرِبه بِحَدِّه، فالذي يَضربُ بالحَدِّ
يقصد القَتل بخِلافِ الذي يَضربُ
بعرضِ السَّيفِ فإنَّه بقصد التأديب،
ومُرادُه: أنَّه لن يَنتظِرَ إلى حينِ حُضورِ
شُهودٍ يُقام بهم الحَدُّ.

فبَلَغ ذلك رسولَ الله ﷺ فقال:
«أَتَعجَبونَ مِن غَيرةِ سَعدٍ، واللهِ لَأنا
أَغيَرُ منه، واللهُ أغيَرُ منِّي»، فبيَّن ﷺ
أنَّ عِقابَه لِمَن قَذَف زوجتَه بغيرِ شُهودٍ
-وذلك قَبلَ نُزولِ آيةِ اللِّعَانِ- وبيَّن أنَّ
اللهَ تعالى الَّذِي شَرَع هذا الحُكم هو
أشدُّ غَيرةً على مَحارِمِه من النبيِّ ﷺ
ومِن سَعدٍ.

قال ابن القيم رحمه الله:
"والدين كله في هذه الغيرة، بل هي
الدين، وما جاهد مؤمـن نفسه وعدوه
ولا أمر بمعروف ولا نهى عن منكر إلا
بهذه الغيرة".
"روضة المحبين صـ٢٩٤"


-
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
-

مِن أسباب الهلاك:

عن عَمرو بن عَوفٍ المُزَنيّ، قالَ:
أنَّ رَسـولَ اللهِ ﷺ قالَ:
« فَوَاللهِ ما الفَقرَ أَخشَى عَلَيكُم، ولَكِنِّي
أَخشَى عَلَيكُم أَن تُبسَطَ الدُّنيَا عَلَيكُم،
كَما بُسِطَت عَلى مَن كانَ قَبلَكُم،
فَتَنافَسوها كَما تَنافَسوها، وتُهلِكَكُم كَما
أَهلَكَتهُم ».

ـــ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ـــ
-

الفَقرُ والغِنى مِحنَتانِ مِنَ اللهِ تَعالى،
وبَليَّتانِ يَبلو بهما أخيارَ عِبـادِه؛ لِيَظهَرَ
صَبرُ الصَّابِريـنَ، وشُكرُ الشَّاكِرينَ، وقد
كان ﷺ يَستَعيذُ مِنَ الفَقرِ، ويُحذِّرُ مِن
فِتنةِ الغِنى والمالِ.


وفي هذا الحَديثِ يَروي عَمرُو بنُ
عَوفٍ المُزَنـيُّ رضي الله عنه أنَّ
رَسـولَ اللهِ ﷺ أقسَمَ لهم قائِلًا:
«فوَاللهِ لا الفَقرَ أخشى عليكم، ولكِن
أخشى عليكم أن تُبسَطَ عليكمُ الدُّنيا»،

والمُرادُ به الغِنى وكَثرةُ المالِ، كما
بُسِطَـت على مَن كان مِنَ الأُمَمِ التي
قَبلكم، فتَتَسابَقوا إلى تَحصيلِها،
فتُؤدِّيَ إلى هَلاكِكم؛ بسَبَبِ التَّنازُعِ
عليها، والرُّكونِ إليها، والاشتِغـالِ بها
عنِ الآخِرةِ،
كمـا حدَثَ مع الأُمَمِ مِن قبلِكم.

وفي هذا إنذارٌ بما سيَقَعُ، وقد وَقَعَ ما
أخبَرَ ﷺ؛ إذ فُتِحتِ الدُّنيا بعدَه
وبُسِطت، وحَصَلَ التَّحاسُدُ والتَّقاتُلُ
وما هو مَعروفٌ ممَّا يَشهَـدُ بمِصداقِ
خَبَرِه ﷺ.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
الناس كلما ازدادوا في الرفاهية، وكلما
انفتحوا على النـاس انفتحت عليهم
الشرور، إنَّ الرفاهيـة هي التي تدمِّر
الإنسان؛ لٲن الإنسان إذا نظـر إلى
الرفاهية وتنعيم جسده غَفل عن تنعيم
قلبـه، وصار أكبر همِّه أن ينعِّم هذا
الجسد الذي مآله إلى الديدان والنتن.
وهذا هو البلاء، وهذا هو الذي ضر
الناس اليوم.
[ شرح رياض الصالحين ]


"ربِّ اجعلها في أيدينـا ولا تجعلها
في قلوبنـا.."
-
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
-
أفضل زمان تؤدى فيه العمرة؟

عن قَتادةُ، قالَ: سَأَلتُ أنَسـًا رضي الله
عنه: كَمِ اعتَمَرَ النبيُّ ﷺ؟ قالَ: أربَعٌ:
عُمرةُ الحُدَيبيةِ في ذِي القَعدةِ حَيثُ
صَدَّهُ المُشرِكونَ، وعُمرةٌ مِنَ العامِ
المُقبِلِ في ذِي القَعـدةِ حَيثُ صالَحَهُم،
وعُمرةُ الجِعِرَّانةِ إذ قَسَـمَ غَنيمةَ -أُرَاهُ-
حُنَيـنٍ. قُلتُ: كَم حَجَّ؟ قالَ: واحِدةً.

صحيح البخاري ١٧٧٨
-

في هذا الحَديثِ أنَّ التابعيَّ قَتادةَ بنَ
دِعامةَ قد سَألَ الصَّحابيَّ أنسَ بنَ مالكٍ
رَضيَ اللهُ عنه عن عدَدِ عُمُراتِ
النبيِّ ﷺ، فأجابَ: أنَّه ﷺ اعتمَرَ أربعَ
عُمُراتٍ؛ العمرةُ الأُولى: عُمرةُ الحُدَيبِيةِ
في ذي القَعدةِ سَنةَ سِتٍّ مِن الهِجرةِ،
حيثُ صَدَّهُ المُشركونَ، ولم يَصِلِ
النبـيُّ ﷺ ولا أصحابُه إلى البيتِ
الحرامِ، فتَحلَّلُوا، وحُسِبَت لهم عُمرةً.

والعمرةُ الثانيةُ: عُمرةُ القَضاءِ، حيث
تَصالَحَ وتوافَقَ النبيُّ ﷺ مع المشركينَ
أن يَرجِعَ مِن الحُدَيبيَـةِ ويَرجِعَ العامَ
المقبِلَ، فكانت في ذي القَعدةِ مِن
السَّنةِ السَّابعةِ مِن الهِجرةِ، وتُسـمَّى
أيضًا عُمرةَ القضيَّـةِ، وإنَّما سُمِّيَت بعُمرةِ
القَضاءِ والقَضيَّـةِ؛ لأنَّه ﷺ قاضَى
قُريشًا فيها، لا أنَّها وَقَعَت قَضاءً عن
العُمـرةِ التي صُدَّ عنها؛ إذ لو كان كذلك
لَكانَتا عُمرةً واحدةً.

والعُمرةُ الثالثةُ: عُمرةُ الجِعِرَّانةِ، وهي
مَوضعٌ بيـن مكَّةَ والطَّائفِ، وكان
النبيُّ ﷺ نزَلَها حِينما كان راجعًا إلى
المدينةِ مِن غَزوةِ حُنَيـنٍ، حيثُ قَسَمَ
غنائمَ حُنَينٍ -وهو وادٍ بينه وبيـن مكَّةَ
ثَلاثةُ أميالٍ-، ثمَّ أحرَمَ منها، ودخَلَ
مكَّةَ لَيلًا، وأدَّى مَناسِـكَ العُمرةِ، ثمَّ عاد
إلى الجِعرانةِ، فأصبَحَ بها كبائتٍ،
فسُمِّيت عُمرةَ الجِعِرَّانةِ، وكان ذلك في
السَّنةِ الثَّامنة مِن الهِجرةِ.

وأمَّا العمرةُ الرَّابعـةُ وهي العُمرةُ التي
كانت مع حَجَّتِهِ -حَجَّةِ الوَداعِ- في
السَّنةِ العاشرةِ مِن الهجـرةِ، وقد كان
قارنًا بينهما.
وكذلِك سأَلَ قَتادةُ أنسًا رَضيَ اللهُ عنه:
كم مرَّةٍ حجَّ النبيُّ ﷺ؟ فأجابَهُ
رَضيَ اللهُ عنه بأنَّه ﷺ لم يَحُجَّ إلَّا مرَّةً
واحِدةً، وذلك في العامِ العاشرِ مِن
الهِجرةِ، وهي المَعروفةُ بحَجَّةِ الوداعِ.

قال النووي:
قال العلماء: وإنما اعتمر النبي ﷺ هذه
العُمَر في ذي القعـدة لفضيلة هذا الشهر
ولمخالفة الجاهليـة في ذلك فإنهم
كانوا يرونه (أي الإعتمـار في ذي
القعـدة) من أفجر الفجور كما سبق
ففعله ﷺ مرات في هذه الأشهر ليكون
أبلغ في بيان جوازه فيها وأبلغ في
إبطال ما كانت الجاهليـة عليه،
والله أعلم.
[ شرح مسـلم (٨/٢٣٥) ]


وقد اختلف العلمـاء في المفاضلة
بين العمرة في رمضان والعمرة في
ذي القَعدة على قولين:
القول الأول: ذهب الجمهور إلى أن
العمرة في رمضـان أفضل منها في
ذي القعَدة لاجتماع شرف الزمان
وشرف المكان.
القول الثاني: أن العمـرة في شهر
ذي القَعدة أفضل لأن عمر النبي ﷺ
كلها في ذي القعدة وما كان الله ليختار
لنبيـه إلا الأفضل والأكمل.

وإن رغبت في عمرة ذي القعدة،
فاجعلها في أولـه؛ (لأنه في آخره يكثر
الحُجَّاج، وأيضًا قد يصعب دخول مكة
دون تصريح الحج).

-
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
2024/05/15 10:13:31
Back to Top
HTML Embed Code: