Telegram Group & Telegram Channel
🔻مسافر إلى ربه : 🔻

العبدُ من حين استقرَّت قدمُه في هذه الدار فهو مسافرٌ إلى ربِّه،

ومدَّة سفره هي عُمره الذي كُتب له.

فالعمر هو مدَّة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربِّه تعالى،
ثُمَّ قد جُعلت الأيام والليالي مراحلَ لسفره، فكلُّ يوم وليلة مرحلةٌ من المراحل،
فلا يزالُ يطويها مرحلةً بعد مرحلةٍ حتَّى ينتهي السفر.
فالكيّس الفطِن هو الذي يجعل كل مرحلة نُصب عينيه،
فيهتم بقطعها سالمًا غانمًا، فإذا قطعها جعل الأخرى نُصب عينيه.

ولا يطول عليه الأمد، فيقسو قلبه، ويمتد أمله، ويحضره التسويفُ والوعد والتأخير والمَطل؛ بل يعدُّ عمرَه تلك

المرحلة الواحدة، فيجتهد في قطعها بخير ما بحضرته.

فإنَّه إذا تيقَّن قِصَرَها وسرعةَ انقضائها هان عليه العمل،

وطوَّعت له نفسُه الانقياد إلى التزود؛ فإذا استقبل المرحلة الأخرى من عمره استقبلها كذلك.

فلا يزالُ هذا دأبه حتَّى يطوي مراحل عمره كلَّها، فيحمد سعيَه، ويبتهج بما أعدَّه ليوم فاقته وحاجته.

فإذا طلع صبح الآخرة، وانقشع ظلام الدنيا، فحينئذٍ يحمد سُراه، وينجلي عنه كَراه.

فما أحسنَ ما يستقبل يومَه، وقد لاحَ صباحُه، واستبانَ فلاحُه!

ثمّ النَّاس في قطع هذه المراحل قسمان:

- فقسم قطعوها مسافرين فيها إلى دار الشقاءِ، فكلَّما قطعوا مرحلةً منها قرُبوا من تلك الدَّار،
وبعُدوا عن ربِّهم وعن دار كرامته.

فقطعوا تلك المراحل بمساخط الرب ومعاداته، ومعاداة رسله وأوليائه ودينه، والسعي في إطفاء نوره،
وإبطال دعوته - دعوةِ الحق - وإقامة دعوة غيرها.

فهؤلاءِ جُعلت أيَّامهم مراحلَ يسافرون فيها إلى الدار التي خُلقوا لها، واستُعملوا بعملها،

فهم مصحوبون فيها
بالشياطين المُوكلة بهم حتى يسوقونهم إلى منازلهم سَوقًا، 

كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم/ ٨٣]؛ أي: تزعجهم إلى المعاصي والكفرِ إزعاجًا، وتسوقهم سَوقًا.

- القسم الثاني: قطعوا تلك المراحل سائرين فيها إلى اللَّه وإلى دار السلام.

 وهم ثلاثة أقسام: ظالمٌ لنفسه، ومقتصِد، وسابقٌ بالخيرات بإذن اللَّه.

وهؤلاء كلهم مستعدون للسير موقنون بالرُّجعى إلى اللَّه،
ولكن متفاوتون ذي في التزود وتعبئة الزاد واختياره، وفي نفسِ السَّير وسرعته وبُطئه.

فالظالم لنفسه مقصِّر في الزاد، غير آخذٍ منه ما يبلّغه المنزل، لا في قَدرِه ولا في صفته؛
بل مفرِّط في زاده الذي ينبغي له أن يتزوَّده. ومع ذلك فهو متزوِّد ما يتأذَّى به في طريقه، ويجد غِبَّ أذاه إذا وصلَ المنزل بحسَب ما تزود من ذلك المؤذي الضارّ.

والمقتصد اقتصر من الزاد على ما يبلِّغه، ولم يشدَّ مع ذلك أحمالَ التجارة الرَّابحة،

ولم يتزود ما يضرُّه. فهو سالم غانم، لكن فاتته المتاجر الرَّابحة، وأنواعُ المكاسب الفاخرة.

والسابق بالخيرات همُّه في تحصيل الأرباح، وشدِّ أحمال التجارات، لعلمه بمقدار الربح الحاصل. فيرى خسرانًا أن يدَّخر شيئًا ممَّا بيده، ولا يتجر فيه،
فيجدُ ربحَه يوم يغتبط التجار بأرباح تجارتهم. فهو كرجل قد علم أنَّ أمامه بلدةً يكسب الدرهم فيها عشرةً إلى سبعمئه وأكثر، وعنده حاصل،

وله خبرة بطريق ذلك البلد، وخبرة بالتجارة، فهو لو أمكنه بيعُ ثيابه وكلّ ما يملك حتَّى يهيئ به تجارةً إلى ذلك البلد لفعل.

فهكذا حال السابق بالخيرات بإذن ربِّه؛ يرى خسرانًا بيَّنًا أن يمرَّ عليه وقتٌ في غير متجر.

ابن القيم ::::::
طريق🔻الهجرتين



tg-me.com/fromwithustoparadise/26949
Create:
Last Update:

🔻مسافر إلى ربه : 🔻

العبدُ من حين استقرَّت قدمُه في هذه الدار فهو مسافرٌ إلى ربِّه،

ومدَّة سفره هي عُمره الذي كُتب له.

فالعمر هو مدَّة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربِّه تعالى،
ثُمَّ قد جُعلت الأيام والليالي مراحلَ لسفره، فكلُّ يوم وليلة مرحلةٌ من المراحل،
فلا يزالُ يطويها مرحلةً بعد مرحلةٍ حتَّى ينتهي السفر.
فالكيّس الفطِن هو الذي يجعل كل مرحلة نُصب عينيه،
فيهتم بقطعها سالمًا غانمًا، فإذا قطعها جعل الأخرى نُصب عينيه.

ولا يطول عليه الأمد، فيقسو قلبه، ويمتد أمله، ويحضره التسويفُ والوعد والتأخير والمَطل؛ بل يعدُّ عمرَه تلك

المرحلة الواحدة، فيجتهد في قطعها بخير ما بحضرته.

فإنَّه إذا تيقَّن قِصَرَها وسرعةَ انقضائها هان عليه العمل،

وطوَّعت له نفسُه الانقياد إلى التزود؛ فإذا استقبل المرحلة الأخرى من عمره استقبلها كذلك.

فلا يزالُ هذا دأبه حتَّى يطوي مراحل عمره كلَّها، فيحمد سعيَه، ويبتهج بما أعدَّه ليوم فاقته وحاجته.

فإذا طلع صبح الآخرة، وانقشع ظلام الدنيا، فحينئذٍ يحمد سُراه، وينجلي عنه كَراه.

فما أحسنَ ما يستقبل يومَه، وقد لاحَ صباحُه، واستبانَ فلاحُه!

ثمّ النَّاس في قطع هذه المراحل قسمان:

- فقسم قطعوها مسافرين فيها إلى دار الشقاءِ، فكلَّما قطعوا مرحلةً منها قرُبوا من تلك الدَّار،
وبعُدوا عن ربِّهم وعن دار كرامته.

فقطعوا تلك المراحل بمساخط الرب ومعاداته، ومعاداة رسله وأوليائه ودينه، والسعي في إطفاء نوره،
وإبطال دعوته - دعوةِ الحق - وإقامة دعوة غيرها.

فهؤلاءِ جُعلت أيَّامهم مراحلَ يسافرون فيها إلى الدار التي خُلقوا لها، واستُعملوا بعملها،

فهم مصحوبون فيها
بالشياطين المُوكلة بهم حتى يسوقونهم إلى منازلهم سَوقًا، 

كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم/ ٨٣]؛ أي: تزعجهم إلى المعاصي والكفرِ إزعاجًا، وتسوقهم سَوقًا.

- القسم الثاني: قطعوا تلك المراحل سائرين فيها إلى اللَّه وإلى دار السلام.

 وهم ثلاثة أقسام: ظالمٌ لنفسه، ومقتصِد، وسابقٌ بالخيرات بإذن اللَّه.

وهؤلاء كلهم مستعدون للسير موقنون بالرُّجعى إلى اللَّه،
ولكن متفاوتون ذي في التزود وتعبئة الزاد واختياره، وفي نفسِ السَّير وسرعته وبُطئه.

فالظالم لنفسه مقصِّر في الزاد، غير آخذٍ منه ما يبلّغه المنزل، لا في قَدرِه ولا في صفته؛
بل مفرِّط في زاده الذي ينبغي له أن يتزوَّده. ومع ذلك فهو متزوِّد ما يتأذَّى به في طريقه، ويجد غِبَّ أذاه إذا وصلَ المنزل بحسَب ما تزود من ذلك المؤذي الضارّ.

والمقتصد اقتصر من الزاد على ما يبلِّغه، ولم يشدَّ مع ذلك أحمالَ التجارة الرَّابحة،

ولم يتزود ما يضرُّه. فهو سالم غانم، لكن فاتته المتاجر الرَّابحة، وأنواعُ المكاسب الفاخرة.

والسابق بالخيرات همُّه في تحصيل الأرباح، وشدِّ أحمال التجارات، لعلمه بمقدار الربح الحاصل. فيرى خسرانًا أن يدَّخر شيئًا ممَّا بيده، ولا يتجر فيه،
فيجدُ ربحَه يوم يغتبط التجار بأرباح تجارتهم. فهو كرجل قد علم أنَّ أمامه بلدةً يكسب الدرهم فيها عشرةً إلى سبعمئه وأكثر، وعنده حاصل،

وله خبرة بطريق ذلك البلد، وخبرة بالتجارة، فهو لو أمكنه بيعُ ثيابه وكلّ ما يملك حتَّى يهيئ به تجارةً إلى ذلك البلد لفعل.

فهكذا حال السابق بالخيرات بإذن ربِّه؛ يرى خسرانًا بيَّنًا أن يمرَّ عليه وقتٌ في غير متجر.

ابن القيم ::::::
طريق🔻الهجرتين

BY .. معنا لطريق الجنة ..


Warning: Undefined variable $i in /var/www/tg-me/post.php on line 280

Share with your friend now:
tg-me.com/fromwithustoparadise/26949

View MORE
Open in Telegram


معنا لطريق الجنة Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

At a time when the Indian stock market is peaking and has rallied immensely compared to global markets, there are companies that have not performed in the last 10 years. These are definitely a minor portion of the market considering there are hundreds of stocks that have turned multibagger since 2020. What went wrong with these stocks? Reasons vary from corporate governance, sectoral weakness, company specific and so on. But the more important question is, are these stocks worth buying?

How to Invest in Bitcoin?

Like a stock, you can buy and hold Bitcoin as an investment. You can even now do so in special retirement accounts called Bitcoin IRAs. No matter where you choose to hold your Bitcoin, people’s philosophies on how to invest it vary: Some buy and hold long term, some buy and aim to sell after a price rally, and others bet on its price decreasing. Bitcoin’s price over time has experienced big price swings, going as low as $5,165 and as high as $28,990 in 2020 alone. “I think in some places, people might be using Bitcoin to pay for things, but the truth is that it’s an asset that looks like it’s going to be increasing in value relatively quickly for some time,” Marquez says. “So why would you sell something that’s going to be worth so much more next year than it is today? The majority of people that hold it are long-term investors.”

معنا لطريق الجنة from us


Telegram .. معنا لطريق الجنة ..
FROM USA