Telegram Group Search
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
🎤
*خطبــة جمعــة بعنــوان :*
*الــصـــــدق.يــنــجـــــــيـــك.tt*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

*عناصــر الخطبــة*
1- الصدق ينجيك
2- الصدق من صفات الانبياء.
3- صور من حياة الصحابة والتابعين .
4- فوائد الصدق .

*الخطبــة.الأولــى.tt*
الحمد لله رب العالمين الحمد لله الذى لم يزل عليا ولم يزل فى علاه سميا قطرة من بحر جوده تملأ الأرض ريا , ونظرة من فيض عطاياه تجعل الكافر وليا , الجنة لمن أطاعه ولو كان عبدا حبشيا والنار لمن عصاه ولو كان سيدا قرشيا فقال تعالى "تلك الجنة التى نورث من عبادنا من كان تقيا " .

ونشهد جميعا أن لا اله الا الله يجزي الصادقين بصدقهم من رحمته وفضله، ويجازي الكاذبين فيُعاقِبهم إن شاء بحكمته وعدله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل خلقه، الصادق الأمين فاللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى اثره الى يوم الدين .

ثم أما بعد - أيها الأحباب :
فان الصدق أصل البر، والكذب أصل الفجور، كما في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدُقُ ويتحرَّى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب؛ فان الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتَب عند الله كذابًا))[رواه البخاري ومسلم].

كما ان الصدق من الأخلاق التي أجمعت الأممُ على مر العصور والأزمان، وفي كل مكان، وفي كل الأديان، على الإشادة به، وعلى اعتباره فضله، وهو خُلق من أخلاق الإسلام الرفيعة، وصفة من صفات عباد الله المتَّقين؛ ولذلك فقد وصف الله نبيَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بأنه جاء بالصدق، وأن أبا بكر وغيره من المسلمين هم الصادقون، قال - تعالى -: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) .

أن التحلي بالصدق كان من أوَّليات دعوتِه - صلى الله عليه وسلم -، كما جاء مصرحًا بذلك في قصة أبي سفيان مع هرقل، وفيها: أن هرقل قال لأبي سفيان: ((فماذا يأمركم؟)) يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو سفيان: ((يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة))[رواه البخاري ومسلم].

كما أن الصدق سمة من سمات الأنبياء والمرسلين، وجميع عباد الله الصالحين، قال -تعالى- عن خليله إبراهيم على نبينا وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا) .

وقال عن إسحاق ويعقوب: (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ) .
وقال عن إسماعيل: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ) .
وقال عن إدريس: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ) .

وقال عن صحابة رسولِه الأخيار: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ).

وقد أنزل الله في شأن الصادقين معه آيات تتلى إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، فقد ثبت عن أنس أن عمه أنس بن النضر لم يشهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -، فشق ذلك على قلبه، وقال: أول مشهد شهده رسولُ الله صلى الله عليه وسلم - غبتُ عنه، أمَا والله، لئن أراني الله مشهدًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليَرَينَّ الله ما أصنع قال: فشهد أحدًا في العام القابل، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا أبا عمر، إلى أين؟ فقال: واهًا لريح الجنة إني أجد ريحَها دون أُحُد، فقاتل حتى قُتِل، فوُجِد في جسده بضع وثمانون ما بين رمية وضربة وطعنة، فقالت أخته الرُّبَيِّع بنت النضر: ما عرفتُ أخي إلا ببنانه، فنزلت هذه الآية: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) .

فالمؤمن لا يكون إلا صادقًا مع ربّه، صادقًا مع نفسِه، صادقًا في تعامُله مع غيره.
المؤمن إيمانا حقيقيا تجده صادقاً مع ربِّه في إيمانه، آمن ظاهرا وباطنا، آمن قلبه واستقامت جوارحه؛ يعلم بأنّ الله وحدَه هو المستحِقّ أن يعبَد دون سِواه، عكس المنافق، آمَن ظاهرًا وكفَر باطنًا، آمَن اللِّسان وكفَر القلب، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِىء بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ . وقال أيضا: ﴿ إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ .
والمؤمن إيمانا حقيقيا لا يخادع لأنه يعلم بأن الله جلّ وعلا عالم بما يضمر وما يخفي، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾

المؤمن إيمانا حقيقيا صادق في دعوتِه إلى الله، يحبُّ الخير لأمّتة ويسعي في سبيل هدايتها وإرشادِها وإخراجها مِن ظلماتِ الجهل إلى نورِ العلم.

والمؤمن إيمانا حقيقيا واضحٌ في منهجه، ظاهرُه وباطنُه سواء؛ ليس هدفُه إبراز شخصه ولا أن يُتحدّث عنه، شعاره: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيك لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّل الْمُسْلِمِينَ ﴾

والمؤمن إيمانا حقيقيا صادق في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فتجده يأمر بالمعروف بصِدق، وينهى عن المنكر بصدق، حريص على إنقاذ العباد من المخالفات الشرعية.

والمؤمن إيمانا حقيقيا صادقُ في أداء الصلاة وإيتاء الزكاة وصومِ رمضان وحجِّ بيت الله الحرام، وفقِ ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الصدق سبب النجاة فى الدنيا والاخرة
يُحكَى أن هاربًا لجأ إلى أحد الصالحين، وقال له: أَخْفِني عن طالبي، فقال له: نَمْ هنا، وألقى عليه حزمة من خوص، فلما جاء طالبوه وسألوا عنه، قال لهم: ها هو ذا تحت الخوص، فظنوا أنه يسخَرُ منهم فتركوه، ونجا ببركة صدق الرجل الصالح.

ويُروَى أن الحجاج بن يوسف خطب يومًا فأطال الخطبة، فقال أحد الحاضرين: الصلاة، فإن الوقت لا ينتظرك، والرب لا يعذرك، فأمر بحبسه، فأتاه قومه وزعموا أن الرجل مجنون، فقال الحجاج: إن أقرَّ بالجنون خلَّصتُه من سجنه، فقال الرجل: لا يسوغ لي أن أجحد نعمة الله التي أنعم بها عليَّ، وأثبت لنفسي صفة الجنون التي نزهني الله عنها، فلما رأى الحجاج صدقه، خلَّى سبيله.
ونرى في سيرة السلف الصالح حرصَهم الشديد على الصدق، فهذا الشيخ عبدالقادر الجيلاني يقول: عقدتُ أمري منذ طفولتي على الصدق، فخرجتُ من مكة إلى بغداد لطلب العلم، فأعطتْني أمي أربعين دينارًا لأستعين بها على معيشتي، وعاهدتْني على الصدق، فلما وصلنا أرضَ همدان، خرج علينا جماعة من اللصوص، فأخذوا القافلة كلها، وقال لي واحدٌ منهم: ما معك؟ قلت: أربعون دينارًا، فظن أني أهزأ، فتركني وسألني آخر، فقلت: 40 دينارًا، فأخذهم مني كبيرهم، فقال لي: ما حملك على الصدق؟ فقلت: عاهدتني أمي على الصدق، فأخاف أن أخون عهدها، فأخذت الخشيةُ رئيسَ اللصوص، فصاح وقال: أنت تخاف أن تخون أمك، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله؟ ثم أمر بردِّ ما أخذوه من القافلة، وقال: أنا تائبٌ على يدك، فقال مَن معه: أنت كبيرنا في قطع الطريق، وأنت اليوم كبيرنا في التوبة، فتابوا جميعًا بسبب الصدق .

وهذا كعب بن مالك رضي الله عنه ورفاقه، صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في عدم مرافقته في غزوة تبوك ولم يختلقوا الأعذار كما فعل المنافقون لما تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة.

يقول كعب بن مالك رضي الله عنه فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ: فَقَالَ لِي: «مَا خَلَّفَكَ، أَلَمْ تَكُنْ قَدْ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ». فَقُلْتُ: بَلَى، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ، لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ، تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، لاَ وَاللَّهِ، مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى، وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ».

لقد وفق الله كعب بن مالك وصاحبيه ــ رضي الله عنهم ــ حينما تميزوا من بين الآخرين بالصدق، ولم يختلقوا أعذارًا وإنما تحدثوا بالصدق فأعقبهم الله تعالى الفلاح كل الفلاح، قال تعالى: ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾.

فما احوجنا فى هذه الايام الى الصدق مع الله ثم مع أنفسنا ومع الناس لان هذا مهم لنا فمن شاب على شئ شاب عليه ومن تربى على الصدق سيعيش على الصدق وسيموت عليه ومن نشأ وتربى على الكذب سيعيش عليه ويموت عليه .
فلقد قال النبى صلى الله عليه وسلم " دع ما يريبك الى ما لايريبك فان الصدق طمأنينة وان الكذب ريبة " ان الصدق يجعلك فى ثقة فى نفسك وكذلك الناس يثقون فيك أما الكذب فسيجعلك فى ريبة اى فى شك مما يجعل الناس يبعدون عنك ولا يثقون فيك .

فهذا منصور ابن عمار يقول
كان لي صديق مسرفا على نفسه، ثم تاب، وكنت أراه كثير العبادة والتهجد، ففقدته أياماً، فقيل لي: هو مريض، فأتيت إلى داره، فخرجت إلي ابنته، فقالت: من تريد؟ قلت: قولي لأبيك: فلان، فاستأذنت لي، ثم دخلت، فوجدته في وسط الدار وهو مضطجع على فراشه، وقد اسود وجهه، وذرفت عيناه، وغلظت شفتاه، فقلت له وأنا خائف منه: يا أخي! أكثر من قول: لا إله إلا الله، ففتح عينيه فنظر إلى بشدة ثم أغمي عليه، ثم أفاق، فقلت له ثانية: أكثر من قول: لا إله إلا الله، ثم قلتها له ثالثة، ففتح عينيه وقال: يا أخي منصور ! هذه كلمة قد حيل بيني وبينها، فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قلت: يا أخي! أين تلك الصلاة؟ أين ذلك الصيام؟ أين التهجد والقيام؟ فقال: كان كل ذلك لغير الله، وكانت توبتي كاذبة، إنما كنت أفعل ذلك ليقال عني، وأذكر به، وكنت أفعل ذلك رياء للناس، فأبى الله إلا أن يطرحه، قال: فكنت إذا خلوت بنفسي أغلقت الأبواب، وأسدلت الستور، وشربت الخمور، وبارزت ربي بالمعاصي، ودمت على تلك مدة من الزمان، فأصابني مرض، وأشرفت على الهلاك

فقلت لابنتي هذه: ناوليني المصحف وأخرجوني إلى وسط الدار في الفناء، قال: فأخذوني إلى وسط الدار في الفناء، ومعي المصحف، فنظرت فيه وقرأت فيه، فقلت: اللهم بحق كلامك هذا في هذا القرآن العظيم إلا شفيتني، وأنا أعاهدك ألا أعود إلى الذنب مرة ثانية، ففرج الله عني، فلما شفيت عدت إلى ما كنت عليه من المعاصي والذنوب، وأنساني الشيطان العهد الذي بيني وبين ربي، فبقيت على ذلك مدة من الزمن، في شهوات ولذات ومعاص، أحارب رب الأرض والسماوات

فمرضت مرة ثانية مرضاً شديداً أشرفت فيه على الموت، فأمرت أهلي وقلت: أخرجوني إلى فناء الدار، وجيئوني بالمصحف، أفعل كما فعلت في المرة الأولى، فقرأت القرآن ثم رفعته إلى صدري وقلت: اللهم بحرمة هذا المصحف الكريم وكلامك إلا ما فرجت عني، قال: فاستجاب الله، لي وفرج عني، وعاهدت الله ألا أرجع إلى الذنب والعصيان مرة ثانية، لكني عدت وتناسيت وتغافلت، فوقعت في هذا المرض الذي تراني فيه الآن، فأمرت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار كعادتي وكما تراني، ثم قلت لهم: ائتوني بالمصحف لأقرأ فيه، فلما فتحت المصحف في هذه المرة، لم أر حرفاً واحداً من كلامه، فعلمت أن جبار السماوات والأرضين قد غضب علي، كم عاهدته وكم تبت وكذبت في توبتي، وكم وكم أمهلني وأعطاني من الفرص الواحدة تلو الأخرى! فعلمت أنه سبحانه قد غضب علي، فرفعت رأسي إلى السماء، وقلت: اللهم فرج عني، يا جبار الأرض والسماء، فسمعت كأن هاتفاً يقول:

تتوب عن الذنوب إذا مرضت
وترجع للذنوب إذا برئت

فكم من كربة نجاك منها
وكم كشف البلاء إذا بليت

أما تخشى بأن تأتي المنايا
وأنت على الخطايا قد دهمت

قال منصور بن عمار : فو الله ما خرجت من عنده إلا وعيني تسكب العبرات، فما وصلت الباب إلا وقيل لي: إنه قد مات، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، - أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا - فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)).

إن للصدق مكانة عظيمة ومنزلة كبيرة بين مكارم الأخلاق، فالصدق مرتبط بالإيمان.

عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، أَنَّهُ قِيلَ للنبي صَلى الله عَلَيه وَسَلم: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قال: فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا؟ فَقَالَ: لا.

ويكفي الصدق شرفاً وفضلاً أن مرتبة الصدِّيقية تأتي في المرتبة الثانية بعد النبوة، قال تعالى: ((وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)) {وَالصِّدِّيقِينَ}هم: الذين كمل تصديقهم بما جاءت به الرسل، فعلموا الحق وصدقوه بيقينهم، وبالقيام به قولا وعملا وحالا ودعوة إلى الله، جعلنا الله وإياكم منهم.

فكونوا من الصادقين تفلحوا
اقول قولى هذا واستغفر الله العظيم لى ولكم .


*الخطبـــة.الثانيـــة.tt*
الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه ونشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ونشهد ان سيدنا محمدا عبده ورسوله الداعى الى رضوانه فاللهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه .
ايها الاحباب :
ان ازمتنا ليست ازمة مالية ولا اقتصادية ولا غيرها بل هى ازمة اخلاقية وهى اننا بحاجة الى الصدق لانه سبيل النجاة فى كل زمان ومكان واذا كنا نتحدث عن سيد الاخلاق فكان معروفا بين أهله وعشيرته بالصادق الامين فلابد ان نتأسى باخلاقه ونسير على نهجه حتى نحشر معه يوم القيامة .

فلسان حال الصادق:
فليتك تحلو والحياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين
وكل الذي فوق التراب تراب

قال ابن القيم رحمه الله: من منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ . منزلة الصادقين، المنزلة التي فرقت بين المؤمنين وبين المنافقين، المنزلة التي فرقت بين أهل النيران وبين أهل الجنان، الصدق الذي صرع الباطل وطرحه، من صال به لم ترد صولته، ومن جال به لم ترد جولته، وهو باب الدخول على الرحمن، قال الله: هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ، وقال: لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ مرتبة الصادقين أدنى من مرتبة النبوة وأعلى من مرتبة الشهداء، قال الله: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا .

اما ثمرات الصدق فهى كثيرة

1- الصدق أصل البر، والكذب أصل الفجور، كما في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدُقُ ويتحرَّى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب؛ فان الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتَب عند الله كذابًا))[رواه البخاري ومسلم].

2- انتفاء صفة النفاق عن الصادقين؛ ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث مَن كُنَّ فيه كان منافقًا: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتُمِن خان))[رواه البخاري ومسلم].

3- تفريج الكربات، وإجابة الدعوات، والنجاة من المُهلِكات، كما يدل على ذلك قصة أصحاب الغار التي أخرجها البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيها أنه قال بعضهم لبعض: ((...إنه والله يا هؤلاء، لا ينجيكم إلا الصدقُ، فليدعُ كلُّ رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه))، فدعا كل واحد منهم ربَّه بما عمِله من عمل صدَق فيه لله، وأخلص له فيه، فكان أن جاء الفرج، ففرج لهم فرجة بعد أخرى، حتى خرجوا من تلك المحنة.

قال الربيع بن سليمان:
صبرٌ جميلٌ ما أسرَعَ الفرجَا
مَن صَدَقَ اللهَ في الأمورِ نَجَا
مَن خشِيَ اللهَ لم ينَلْهُ أذًى
ومَن رجا اللهَ كان حيثُ رَجَا

4- التوفيق لكل خير، كما يدل عليه قصة كعب بن مالك في تخلُّفه عن تبوك، كما في البخاري ومسلم، وفيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب: ((ما خلَّفك؟ ألم تكن قد ابتعتَ ظهرك؟))، قال: قلت: يا رسول الله، إني والله، لو جلستُ عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني سأخرج من سخطِه بعذر، ولقد أُعطيتُ جدلاً - أي: فصاحةً وقوة في الإقناع - ولكني والله، لقد علمت لئن حدثتُك اليوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك عليَّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليَّ فيه - أي: تغضب عليَّ فيه - إني لأرجو فيه عفو الله، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر في حين تخلفت عنك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أمَّا هذا، فقد صدق))، فلما صدق مع الله ومع رسوله، تاب الله عليه، وأنزل فيه وفي صاحبيه آيات تتلى إلى قيام الساعة، فقال - تعالى -: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) إلى قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )[رواه البخاري ومسلم].

5- حسن العاقبة لأهله في الدنيا والآخرة؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الصدقَ يَهدِي إلى البرِّ، وإن البر يَهدِي إلى الجنة))[رواه البخاري ومسلم].

6- أن الصادق يُرزَق صدق الفراسة، فمَن صدقت لهجته، ظهرت حجته، وهذا من سنة الجزاء من جنس العمل؛ فإن الله يثبِّت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، فيُلهِم الصادق حجَّته، ويسدد منطقه، حتى إنه لا يكاد ينطق بشيء يظنه إلا جاء على ما ظنه، كما قال عامر العدواني: \"إني وجدت صدق الحديث طرفًا من الغيب، فاصدقوا\".

7- ثقة الناس بالصادقين، وثناؤهم الحسن عليهم، كما ذكر الله - عز وجل - ذلك عن أنبيائه الكرام: (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ) .
والمراد باللسان الصدق: الثناء الحسن؛ كما فسره ابن عباس.
8- البركة في الكسب، والزيادة في الخير، فعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا - أو قال: حتى يتفرَّقا - فإن صدَقا وبيَّنا، بُورِك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا، مُحِقَتْ بركة بيعهما))[رواه البخاري ومسلم].

تاسعًا: استجلاب مصالح الدنيا والآخرة؛ قال - تعالى -: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ) .

10- راحة الضمير وطمأنينة النفس؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الصدق طمأنينة، والكذب ريبة))[رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح].

11- التوفيق للخاتمة الحسنة؛ لما ثبت في الحديث الذي أخرجه النسائي وغيره عن شداد بن الهاد - رضي الله عنه - أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فآمن به واتَّبعه، ثم قال: أهاجرُ معك؟ فأوصى به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعضَ أصحابه، فلمَّا كانت غزاته، غنم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقَسَمَ وقَسَمَ له، فأعطى أصحابَه ما قَسَمَ له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قَسْمٌ قَسَمَه لك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخذه فجاء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما هذا؟ قال: ((قسمتُه لك))، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أُرمى إلى هاهنا - وأشار إلى حلقه بسهم - فأموت فأدخل الجنة، فقال: ((إن تصدق الله يصدقك))، فلبثوا قليلاً، ثم نهضوا إلى قتال العدوِّ، فأتي به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يُحمَل، قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أهو هو؟))، قالوا: نعم، قال: ((صدق الله فصدقه))، ثم كفَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في جبَّته التي عليه، ثم قدَّمه فصلى عليه، وكان مما ظهر من صلاته: ((اللهم هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك فقُتل شهيدًا، أنا شهيد على ذلك)).

فكونوا من الصادقين تفلحوا فى الدنيا والآخرة واياكم ان تكونوا من الكاذبين فتهلكوا وتكونوا من الخاسرين فى الدنيا والآخرة .

نسأل الله العظيم ان نكون من الصادقين
وان يغفر لنا ذنوبنا واسرافنا فى أمرنا وان يثبت أقدامنا وأن ينصرنا على الكافرين
اللهم احفظ مصر واهلها وسائر بلاد المسلمين .
واقم الصلاة
ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا .

*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولاتبخل على نفسك بهذا الأجر العظيم*
=========================
ـــــــــــــــ🕋 زاد.الــخــطــيــب.tt 🕋ــــــــــــــ
منــبرالحكـمـــةوالمــوعـظــةالحســنـة.tt
رابط القناة تليجرام👈 www.tg-me.com/زاد الخـطــيــب الـــدعـــــوي/com.ZADI2
للإشتراك بشبكة زاد الخطيب الدعوي
ارسل.اسمك.للرقم.tt 712447766
*"#هكذا_نربي_أطفالنا*
*#هكذا_نربي_بناتنا*

*#رسـالة_إلى_الأبـاء_والأمهـات*

*إبعـادُ الطفل عن #القرآن في وقت الدراسـة رسـالة سلبية*
*تستقر في نفسه وعقله أن القرآن مانعٌ من التفوق الدراسـي !!*

*#علمـوا_أولادكـم أن حفظ القرآن والإهتمام بتلاوته يكون طوال العـام.*

*#علمـوا_أولادكم أن القرآن سيكـون سببـًا في تفوقهم بل هو سببٌ رئيسي في فلاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة؛*
*فمن يكن مع الله ، حتمًـا سيكون الله معه*

*#عـلموا_أولادكم أن* *القرآن في كلِ وقتٍ وحـين*
*وليس لوقت الاجـازات والراحة"*

*#علموا_أولادكم أن بداية التفوق الدراسي يكـون بحفظ القرآن الكريم.*

*#علموا_أولادكم أن القرآن وظيفةٌ العمر*
*وأنه مُقدمٌ على الدراسة وأنه ليس الإجازة الصيفية فقط!!*

"*#علموا_أولادكم أن* *الوقت الذي نخصصه للقرآن*
*لا يؤثر على وقت المذاكرة بل هو يزيد كل شيء بركة.*

*#علموا_أولادكم أن أخذ القرآن بركة وأن تركه حسرة.*

*#علموا_أولادكم أن الترنُم بالقرآن ألذُ وأحلى من كل غناء.*

*#علموا_أولادكم أن القلب الذي لا يعمره القرآن"*
*يتربع فيه الشيطان ويرتع.*
*#علموا_أولادكم أن بكل آية يتعلمها خير له من أن* *يكسب ناقة عظيمة السنام _عظيمة الحجم _ أو ما يماثلها قدرًا وثمنًا وأن بكل آية يتعلمها يرتفع بها درجة في الجنة.*



*اللهم اجعلنا وأبناؤنا مِن #أهل_القرآن،📚*
*الذين هم أهلك وخاصتك*.🤲
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
لكيلا تأسوا على ما فاتكم
إعداد حسن الكنزلي

ساهم في النشر؛ تؤجر

محاور الخطبة:
■ مقدمة
■ لا فرص ضائعة عند الله
■ المنع اختيار الله لعبده
■ الفرق بين اختيار العبد لنفسه واختيار الله له
■ التعلق الزائد بالمفقودات ومخاطره النفسية
■ دروس واقعية من الحياة والتجارب
■ كيف نُعدّ أنفسنا لاستقبال قضاء الله برضى ويقين؟
■ خاتمة

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي كتب على عباده الفقد والمنع كما كتب لهم العطاء والمنح، وجعل في كل أمر حكمة، وفي كل قضاء رحمة، وفي كل قدر لطفا خفيّا لا يدركه إلا أولي الألباب.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كتب مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
وأشهد أن محمدا عبدُه ورسولُه، إمام الراضين، وقدوة الصابرين، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على دربهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

■ فإن الله جل جلاله يقول في محكم التنزيل: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍۢ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ(22) لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَآ ءَاتَىٰكُمْ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍۢ فَخُورٍۢ(24)﴾ [الحديد].
وهذه الآية ترسم ملامح "النضج العاطفي الإيماني"، فتعلِّم القلب كيف لا ينهار إذا فاته مطلوب، ولا يتكبر إذا نال مرغوبا؛ بل يبقى مستويا بين المنع والعطاء، بين البلاء والرخاء.
قال الإمام الطبري رحمه الله: "أي لكيلا تحزنوا على ما فاتكم؛ لأنكم تعلمون أنه مقدر، فلا حيلة فيه، ولا تفرحوا فرحَ بطر على ما أعطاكم؛ لأنه أيضا مقدر من الله" [تفسير الطبري 22/566].
فما أعمق هذه التربية القرآنية! تربيةٌ لا تترك النفس فريسة للتعلق المَرَضيّ، ولا أسيرةَ النشوة الكاذبة؛ بل ترفعها لتعلّق بالله؛ لا بالأسباب، بالمعطي؛ لا بالعطاء، بالحكمة؛ لا بالحال.

■ عباد الله، إن من أصول الإيمان: الإيمان بالقضاء والقدر، خيره وشره، حلوه ومرّه؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك»
[رواه الترمذي (2516) وقال: حسن صحيح].
فلا تسرف في الحزن إن فاتك أمر، ولا تعتقد أنك ضيعت الفرصة التي لن تتكرر؛ فالله سبحانه لم يخلقك لتعيش في وهم الندم الدائم؛ بل لترضى بقضائه وتمضي مطمئنا إلى أن كل تأخير أو تفويت هو لحكمة أرادها، وعلم غيب؛ لا تراه عينك.
قال ابن القيم رحمه الله: "لو فتح الله لك باب الغيب؛ لرأيت أن المنع كان هو عين العطاء، وأن ما حزنت لأجله، هو نفسه ما يُسعدك بعد حين" [الفوائد، ص: 97].

أيها المؤمن، من تعلّق قلبه بالله، لم يهتز حين يُحرم، ولم يتضعضع حين يُمنع؛ بل يقول كما قال الفاروق عمر رضي الله عنه: "اللهم إن كنت منعتني ما أحب، فاجعل فيه الخير لي، وارضني به حتى أحبه".

■ أيها الأحبة في الله، كثيرٌ من الناس يرون أن الخير فقط فيما نالوه، وأن الشر فيما فقدوه؛ لكن المؤمن يدرك أن المنع من أعظم صور الرحمة؛ بل إن في المنع أحيانا نجاة من فتنة أو هلكة لا يعلمها إلا الله.
انظروا إلى يوسف عليه السلام، أراد إخوته منعه من الحياة حين ألقوه في الجبّ؛ فكان المنع سببا في أن يصبح عزيز مصر!
وموسى عليه السلام، منع من القصر، فخرج هاربا مطاردا؛ لكنه عاد برسالة من ربه يزلزل بها عرش الطغاة.
وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، منع من البقاء في مكة، فخرج مهاجرا، فتأسست في المدينة أعظم أمة في تاريخ البشرية.
وفي كل هذه الأمثلة، كان المنع من الناس؛ لكنه كان عين العطاء من الله، لأن الله يختار لعبده بحكمته؛ لا بجهل العبد.
قال بعض السلف: "إذا أغلق الله أمامك بابا؛ فاعلم أن رحمته لا تُغلق، وأن الباب المغلق كان يحجز عنك ضررا لا تراه".
قال الشاعر:
ولربَّ أمرٍ تكرههُ النفوسُ لهُ منَ الخيـرِ ارتـقـاءُ
قد يُحرَمُ المرءُ ابتغاءَ سلامةٍ
فيكونُ حرمانُ الإلهِ عطاءُ
فرب منعٍ كان هو سر نجاتك، ورب فواتٍ كان حبل وصالك بالله، ورب أمنيةٍ لم تتحقق، كانت إن تحققت لهلكت بها!

أيها المؤمن، الرضا بحكمة الله، لا يعني الاستسلام للضعف؛ بل يعني القوة في الإيمان، والثقة في التدبير الإلهي، والثبات على الطريق دون التعلق بالنتائج.
قال الإمام ابن عطية في تفسيره: "الراضي هو من يعلم أن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه، فيتلقى المنع كما يتلقى العطاء".
ومن عظيم فقه السلف، ما رُوي عن رابعة العدوية رحمها الله أنها قالت: "كل ما جرى به قلمي في اللوح المحفوظ، فأنا به راضية".
أيها الإخوة، هذا هو الإيمان الراسخ: رضا عند المنع، شكر عند العطاء، توازن بين الفرح والحزن، قلب يوقن أن الله أرحم به من نفسه، وأن ما كتبه له خير، وما صرفه عنه خير، وما أخّره عنه خير.
■ عباد الله، من تأمل في أحوال الخلق، وجد أن كثيرا من معاناتهم إنما تنشأ من ظنهم أنهم يعلمون ما هو الأصلح لهم، وأن ما يريدونه لا بد أن يكون خيرا لهم، ولكنهم ينسون أن علمهم قاصر، وبصيرتهم محدودة، وأهواءهم قد تعميهم عن الحق، أما الله سبحانه وتعالى، فهو العليم الحكيم، لا يقدر لعبده إلا ما فيه الخير، ولو كرهه العبد في ظاهر الأمر.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: (وَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُوا۟ شَيْـًۭٔا وَهُوَ خَيْرٌۭ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّوا۟ شَيْـًۭٔا وَهُوَ شَرٌّۭ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
[البقرة: 216].
قال السعدي رحمه الله في تفسيره: "فليس كل ما يحبه الإنسان يكون فيه مصلحته، ولا كل ما يكرهه يكون فيه مضرته؛ لأن الله يعلم وأنتم لا تعلمون، فرب محبوبٍ يُمنع، ومنعُه هو الخير، ورب مكروهٍ يُقَدَّر، وتقديره هو عين الرحمة".

إن العبد حين يختار؛ يختار بناءً على رغبة أو عاطفة أو عجل، أما الله عز وجل فإنه يختار لعبده ما يصلحه، ويدفع عنه من الشرور ما لا يدركه العبد.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "لو فُتح للعبد بابُ القدر، ورأى كيف يدبّر الله له أموره، لذاب قلبه محبةً وشكرا لله، ولبقي ساجدا لا يرفع رأسه من سجوده أبدا". [مدارج السالكين 2/215].
يقول أحد الحكماء:
رُبَّ أمرٍ تَسْتَثْقِلُهُ النُّفُوسُ
وفي طَيّاتِهِ الخَيرُ العَمِيمُ
فَدَعِ التَّدبيرَ لِمَن بِيَدِهِ الأمْرُ
واطمئنَّ، فإنَّهُ الرَّبُّ الرَّحِيمُ

أيها الإخوة، من رضي باختيار الله، أرضاه الله، ومن اعترض عليه، أضناه، ولن يجد في قلبه راحة، ولا في روحه سكينة، حتى يُسلم وجهه لله، ويقول بقلبه ولسانه: "اللهم اختر لي، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين".

■ أيها الأحبة في الله، من أخطر ما يصيب الإنسان أن يطيل النظر في ما فاته، ويتعلق قلبه بما ضاع منه، ويعيش في أروقة الندم والحسرة، حتى يغيب عنه الحاضر، ولا يرى ما في يده من نعم الله، فيسخط ويضيق صدره، ويُحرم بركة الرضا.
قال تعالى: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ﴾ [الحديد: 23]
أي لكيلا يأسى الإنسان أسًى يقطعه عن السير إلى الله، ولا يحزن حزنا يوصله إلى اليأس من روح الله.
قال الحسن البصري رحمه الله: "لا تأسَ على فائتٍ من الدنيا، فإن ما فاتك منها لم يكن لك، وما أصابك منها لم يكن ليخطئك، ومن رضي عاش مرتاحًا".
فالحزن الزائد على ما فات، إنما هو من ضعف الإيمان بالقدر، ومن سوء الظن بالله. ومنه تتولد القنوط، ثم الاكتئاب، ثم الاعتراض، والعياذ بالله.

أما من عرف ربه، وثق في حكمته، علم أن الفقد إنما هو باب للفتح، وأن في كل فقدٍ منحا مخفية، وفي كل تأخر حكمة مستورة.
جاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم يشكو الحزن والهم، فقال له: "يا هذا، عش مع الله، ودع الدنيا لمن يطلبها، فإن الله لا يختار لك إلا ما هو خير لك، ولو لم تفهمه الآن".

ومن وسائل التعامل مع الفقد، أيها المؤمنون:
- الصبر: وهو أول منازل الرضا، قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ﴾ [البقرة: 155].
- الدعاء: فإنه يفتح أبواب الطمأنينة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إنِّي عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أمتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حُكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك، سمَّيتَ به نفسَك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حزني، وذَهابَ همِّي» [رواه أحمد (3712)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (199)].
- حسن الظن بالله: وهو من أعظم ما يدفع الهم والغم، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله» [رواه مسلم (2877)].

أيها الإخوة، إن التربية الإيمانية تزرع في القلب الرضا والتسليم، وتقلع جذور التعلق بما ليس لك؛ لأن التعلق الزائد هو عبودية خفية، عبودية لرغبة لم تتحقق، أو لحلم لم يكتب له الله أن يكون.
قال ابن عطاء الله السكندري: "من علامة الاعتماد على العمل، نقصان الرجاء عند وجود الزلل، ومن علامة تعلقك بالأسباب، شدة حزنك إذا فاتك منها شيء".

فليكن شعارنا، إخوتي، في هذه الدنيا:
"رضيتُ بما قسمَ الله لي، وفوّضتُ أمري إلى ربي، وسكنتُ إلى اختياره، لا إلى اختياري، فهو أعلم بي من نفسي".

اقول قولي هذا واسنغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين إنه الغفور الرحيم والتواب الحليم!



الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلم ما كان وما يكون، ويختار لعبده ما يصلحه، وإن خفي عليه وجه الخير. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، علَّمنا الرضا، ودلّنا على التسليم لله في السراء والضراء، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن من أعظم أبواب السكينة، وأجلِّ أسباب الطمأنينة: الرضا بحكمة الله، لا سيما في الفقد والمنع، حين تُغلق أبواب، وتُطوى صفحات، وتضيق الدنيا بما رحبت، فيرتفع صوت القرآن في قلب المؤمن: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا۟ بِمَآ ءَاتَىٰكُمْ﴾ [الحديد: 23].

■ عباد الله، إن التأمل في الواقع والتاريخ يُورِثُ المؤمنَ يقينا بأن الله لا يمنع عبده إلا ليعطيه، ولا يحرمه إلا ليُكرمه، ولا يُغلق بابا إلا ليفتح له أبوابا.
انظروا إلى سيرة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: حين حُرِم من دخول مكة في صلح الحديبية، وظن الصحابة أن هذا الصلح فيه ذلٌّ وانكسار، فإذا به فتحٌ مبين. قال تعالى:
﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًۭا﴾ [الفتح: 1].
قال ابن القيم: "كم في المنع من المنح، وفي البلاء من العطاء؛ ولكن القلوب الغافلة لا تُبصر". [الفوائد ص: 140].

وهذا يوسف عليه السلام: بيع عبدا، وأُلقي في غيابة الجب، وسُجن ظلما، حتى ظن الناس أن كل الأبواب أُغلقت عليه، فإذا به يخرج عزيزا لمصر، يُقال له: ﴿ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ﴾ [يوسف: 55].
فسبحان من جعل السجن طريقا إلى المُلك!
وقد حكى أحد الصالحين فقال: "كُنتُ أتمنى الزواج بفلانة، وسعيتُ إليها، فمنعني الله. فجزعت، ثم رزقني الله بعدها بامرأة كانت لي سكنا وعونا في الدين والدنيا، فحمدت الله أن لم يُجب دعائي يوم دعوت".
وكم من عبدٍ ظن أن الفقد نقمة، ثم بمرور الأيام، تبين له أنه أعظم نعمة.
قال الشاعر:
رُبَّ أمرٍ تَنامُ عَينُكَ عنه
وفي طيّاتِهِ نَجاةُ الحيَاةِ
فَلَو كُشِفَ الغيبُ للعبدِ يومًا
لاختارَ ما اختارَهُ مولاهُ

■ إخوة الإيمان، إن الاستعداد لقبول أقدار الله يبدأ من تنمية الإيمان بالقدر. وهو ركنٌ عظيم لا يكتمل إيمان العبد إلا به، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أن تؤمن بالقدر خيره وشره» [رواه مسلم: 8].
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "ما من قضاءٍ يمرّ بي إلا رأيتُ لله فيه نعمةً لا أستطيع عدّها، إمّا في رفعي أو تطهيري أو تنبيهي أو كفِّي عن الدنيا".
ثم بعد الإيمان، التركيز على العمل دون التعلق بالنتائج؛ فإنك مأمور بالسعي، لا بامتلاك الثمرة. قال تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ﴾ [النجم: 39].
وما عدا ذلك: فليس لك، فلا تَحزَن عليه.
واغرس في قلبك هذا اليقين:
أن ما عند الله خير مما نريد، وأننا لا نعلم، وهو يعلم، ولا نُدرك، وهو يُدبر، ولا نُحسن الاختيار، وهو الحكيم العليم.
قال ابن الجوزي: "واللهِ، لو كشف الله الغيب لعبده، لما اختار لنفسه إلا ما اختاره الله له".
دَعِ الأقدارَ تجري في أعِنَّتِها
ولا تَبِتْنَّ إلا خاليَ البالِ
ما بين غَمضةِ عينٍ وانتباهتِها
يُغيّرُ اللهُ من حالٍ إلى حالِ

■ يا عبد الله، إن منعك إنما هو لحكمة، وإن أعطاك فبفضله، فكن عبدا لله في الحالين، وارضَ بما قسمه الله لك، تكن أغنى الناس.

افتح قلبك لحياة إيمانية متزنة؛ ترى الخير في كل حال، ترى العطاء في المنع، والرحمة في البلاء، والتوفيق في الفقد؛ فإن الله أرحم بك من نفسك، وأعلم بحالك منك.

اللهم ارزقنا الرضا بقضائك، والتسليم لأمرك، وحسن الظن بك في كل حين.
اللهم اجعل قلوبنا مطمئنة بذكرك، راضية بحكمتك، ساكنة في قدرك.

هذا، وصلّوا وسلّموا على من علّمنا الرضا، وقدوة المحتسبين، محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ ۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم إنا نسألك قلبا راضيا بقضائك، شاكرا لنعمائك، صابرا على بلائك، مطمئنا بتدبيرك، لا يجزع في الشدة، ولا يبطر في الرخاء.

اللهم ارزقنا الإيمان بحكمتك، والرضا بقدرك، والتسليم لأمرك، والثقة بوعدك، وحسن الظن بك في كل حال.

اللهم اجعل فقدنا رحمة، ومنعك لنا منحة، وابتلاءك رفعة، واصرف عن قلوبنا التعلق بما لم تكتبه لنا، واجعلنا ممن إذا أُعطي شكر، وإذا مُنع رضي، وإذا ابتلي احتسب.

اللهم يا من لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، واختر لنا ولا تخيرنا، فإنك تعلم ولا نعلم، وأنت علام الغيوب.

اللهم اجعلنا ممن يرون الخير في الفقد كما يرونه في العطاء، وممن يقولون عند البلاء: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرًا منها.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
البركة في فضل السعي والحركة
إعداد حسن الكنزلي

ساهم في النشر؛ تؤجر.

محاور الخطبة:
■ فضل السعي والعمل المشروع
■ الأدلة الشرعية على فضل السعي
■ السعي سبب في النجاة من الهَلَكة
■ البركة في السعي الحلال
■ التوازن بين طلب الدنيا والآخرة
■ التحذير من آفات السعي
■ خلاصات عملية وتربوية
■ خاتمة

الحطبة الأولى:
الحمد لله الكريم الوهاب، العزيز الوكيل، البر الرزاق، الذي جعل العمل شرفا، والسعي فضلا، والكسب الحلال عبادة، وبارك في اليد التي تعمل، وجعلها أحبَّ إليه من اليد التي تسأل، وحثَّ على الحركة بعد السكون، وجعل البركة في العمل، والذل في البطالة والكسل، وخلق الإنسان في كبد، وجعل سعيه شتى...
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في كتابه: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15]، وأشهد أن سيدنا محمدا عبدُه ورسولُه، القدوة في السعي، والمثل الأعلى في العمل، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على دربه واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله تعالى؛ فإنها وصية الله للأولين والآخرين، وزاد المسافر، ونور الطريق، وسبب البركة في كل شأن من شؤون الحياة، وأساس كل بركة في الدنيا والآخرة.
أما بعد:

■ فإن شريعة الإسلام جاءت بشرف السعي، وعلوّ منزلة العامل. والسعي
لغة: هو المشي بجدٍّ واجتهاد، وشرعا: التحرك المباح والمشروع طلبا للكسب، أو لتحقيق مصلحة دينية أو دنيوية.

وقد قرن الله السعي بالإيمان؛ فقال سبحانه: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ [الإسراء: 19].

إن العمل لا ينافي التوكل؛ بل هو من تمامه، فقد قيل للحسن البصري: "قومٌ لا يعملون ويقولون نحن المتوكلون"، فقال: "بل هم المتأكلون، المتوكل من ألقى الحبة ثم توكل على الله".

وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لم يعرف التواكل قط، عمل راعيا، ثم تاجرا، ثم محاربا، ثم قائدا، ثم حاكما، ثم مربيا، وكان يقول: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يُتقنه» [رواه البيهقي].
وما من نبي إلا ورعى الغنم أو امتهن حرفة، قال صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم..." [رواه البخاري].

والصحابة رضوان الله عليهم كانوا أهل سعي وجدٍّ:
- فعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، لما هاجر إلى المدينة، قال له الأنصاري: "أُقاسمك مالي"، فقال: "بارك الله لك في مالك، ولكن دلّني على السوق"، فدخل السوق فربح، ثم تزوّج، ثم صار من أغنى الصحابة.
- وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: "إني لأرى الرجل فيعجبني، فإذا قيل: لا صنعة له، سقط من عيني".

وقد قال الإمام مالك رحمه الله: "طلبُ المعاش أفضلُ من الجهاد في سبيل الله، إذا كان المرء محتاجا إليه".
ولله درّ القائل:
لا تَأكُلِ الخُبزَ كَسْلانًا وتَطْلُبُهُ ** خَبزُ الكسولِ من الإذلالِ مُنْعَدِمُ
إنَّ المعيشةَ سَعيٌ لا خُمولَ به ** والخيرُ في السَّعي لا في اليأسِ والعَدَمِ

■ أيها المؤمنون: إن النصوص الشرعية تنضح ببيان فضل السعي والعمل:
- قال تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: 10].
قال ابن كثير رحمه الله: "هذا أمرٌ بالإذن في السعي بعد الصلاة، لا يتنافى مع التقوى والعبادة".
- وقال جل شأنه: ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ [النبأ: 11].
- وقال: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ [المزمل: 20].
- كما ذمَّ الله أهل البطالة والتواكل، فقال: ﴿وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ﴾ [الأعراف: 86].
وقال في وصف أهل النفاق: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾ [النساء: 142].

- وقال صلى الله عليه وسلم: ‹لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خيرٌ له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه» [رواه البخاري ومسلم].
فهذا الحديث الشريف يبيّن أن السعي وإن كان شاقا، خيرٌ من ذلّ السؤال.
- وقال صلى الله عليه وسلم: «ما أكل أحد طعاما خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده» [رواه البخاري].
- وفي صحيح البخاري أيضًا: «كان زكريا نجارا»، وهذا من باب التشريف لا التحقير.

- وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، يعمل في تجارة الأقمشة وهو خليفة المسلمين. وكان الزبير بن العوام تاجرا، وسعد بن أبي وقاص يزرع ويكدّ ويتصدق من عمل يده.

- وكان الإمام الشافعي يقول: "لو لم يُبتلَ المسلم بشيء إلا أن يقوم في النهار يطلب الحلال، لكفاه ذلك ابتلاءً".
وكان الإمام أحمد يقول: "طلبُ الرزق الحلال جهادٌ في سبيل الله".
■ أيها الإخوة المؤمنون، إن من سنن الله الكونية "أن السعي والعمل سبب النجاة من الهلكة، وأن التواكل والكسل سبيل الدمار والفقر"، وهذه حقيقة جلية الآثار في الإسلام:
قال تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى﴾ [النجم: 39-40]، فالسعي هو ميدان الاختبار، وهو مناط الجزاء، وهو الذي تترتب عليه عواقب الدنيا والآخرة.
وكم في الواقع من أناسٍ أهلكهم الكسل، وأوردهم التواكل موارد الذل والهوان! إن البطالة ليست مجرد حالة فردية؛ بل هي مصيبة جماعية، تُورِث الفقر والجريمة، وتُفْسِد الأمن، وتذهب الكرامة، وتضعف الأمة.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
"الكسل يُفْقِر، والعجز يُذِلّ، ولا مال أزين من العقل، ولا فقر أشد من الجهل، ولا وحشة أوحش من العُجْب".
قال الإمام الشافعي رحمه الله: "لو لم يكن من الفقر إلا أنه يُجرّئك على معصية الله، ويُلقِيكَ في الذل، ويَمنَعك من أداء الحقوق، لكان لكافياً".

ومن الأمثلة التاريخية: سقوط الأندلس، لم يكن فقط بسيوف العدو؛ بل بدأ يوم ترك أهلها العمل والاجتهاد، وركنوا إلى الراحة والترف، فأتاهم العدو في ديارهم، وانتُهكت كراماتهم.
وفي المقابل، نجد أن العمل سبب العزة، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة".
قال الشاعر:
لا تحسب المجد تمراً أنت آكلهُ
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصَّبرا

■ أيها المسلمون، إن من نعم الله على عبده العامل، أنه يرزقه البركة، والبركة كما قال الإمام النووي رحمه الله: "زيادة الخير، ودوام النفع، وصلاح الحال".
وليست البركة بالكثرة فقط؛ بل بحسن الأثر، ودوام الخير؛ ولذلك قال عز وجل: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف: 96].
وفي الحديث الصحيح: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعفف يُعِفَّه الله، ومن يستغنِ يُغْنِه الله» [رواه البخاري ومسلم].
وكان صلى الله عليه وسلم يبارك في رزق أصحاب الحرف والتجار إذا صدقوا وأحسنوا، كما قال: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء» [رواه الترمذي].
والله تعالى يبارك للعامل المخلص، ويجعل من القليل كثيرا، ومن الضعيف قويا، كما قال بعض الصالحين: "رب درهم أنفقته في الحلال، كان فيه من الخير والبركة ما لا يكون في ألف درهم من الحرام".
ومـا نـالَ المجـدَ من نامَ الليالي
ولا مَـن ركنَ التـواكلَ في المجـالِ
ولكن من سعى لله دومـًا
بصدقِ النّيةِ وارتقى المعالي

■أيها الأحباب، إن السعي في الدنيا لا يعني الغفلة عن الآخرة؛ بل إن أعظم الناس عملا للدنيا هم الأنبياء، وهم في ذات الوقت أكثر الناس عبادة لله وخشية له.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «نعم المال الصالح للرجل الصالح» [رواه أحمد]، لأن المال الصالح في يد العبد الصالح يكون وسيلة للبذل والإعانة وصلة الأرحام ونفع الأمة.
وقد جاء في الحديث: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها» [رواه أحمد]، وهذا يدل على أن العمل لا يتعارض مع العبادة، بل هو منها.
قال بعض الصالحين: "العبادة ليست فقط صلاة وصيام! ولكنها كل عمل يُبتغى به وجه الله، ولو كان سقيا للدواب، أو كسبا للعيال".
وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا» [رواه البخاري]، أي: بركة في القليل، لا إسرافا ولا ترفا، ولا حرمانا ولا تقتيرا.
ولله در الشاعر إذ قال:
اطلبِ الرزقَ واعملْ لدارِ بقاءٍ
لا دارَ فَناءٍ تذوبُ احتراقا
واجمعْ بين سعيكَ والاتكالِ
فذاكَ هوَ النهجُ، لا الإفراطُ اعتياقا

اقول قولي هذا واسنغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين إنه الغفور الرحيم والتواب الحليم!


الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أمر بالسعي، وجعل فيه البركة والخير، ونهى عن البطالة والتواكل، فقال في كتابه الحكيم: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: 10]. أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على هديه إلى يوم الدين.

أما بعد، عباد الله:
■ فإن السعي لا يكون محمودا إلا إذا سَلِم من آفاته، وطُهِّر من شوائبه. فكم من ساعٍ في الأرض، لكنه سعي فاسد، يجرّ صاحبه إلى الهلاك، لا إلى البركة!
من أعظم هذه الآفات:
- الرياء في العمل والكسب، أن يعمل المرء ليقال: مجتهد، أو غني، أو مميز. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من سمّع سمّع الله به، ومن يُرائي يُرائي الله به» [رواه مسلم].
وقال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ﴾ [الماعون: 4-6].
- ومن الآفات: طلب المال من غير وجهه، كمن يطلبه بالربا أو الرشوة أو الغش، وقد ورد في الحديث: «يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء من أين أخذ المال، أمن حلال أم من حرام» [رواه البخاري].
- أما الغش، فقد قال فيه صلى الله عليه وسلم: «من غش فليس مني» [رواه مسلم]، وهو عام في كل المعاملات، فلا يُبارك في مال نبت على غش وخديعة.
- ومن أخطر الآفات: الربا، الذي قال الله فيه: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: 276]، فالربا يمحق البركة، وإن كثر المال ظاهريا.
وكذلك التعلق بالدنيا والغفلة عن الآخرة، وهو داء قاتل، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم» [رواه البخاري].
قال ابن القيم رحمه الله: «الدنيا جيفة، وطلابها كلاب، إلا من أخذ منها ما يبلغه إلى الله».
قال الشاعر:
وإن نلتَ الغنى من غيرِ دينٍ
فقد نِلتَ الفقـرَ وأنتَ لا تدري
فـرزقُ اللهِ لا يُطلبُ بحـرٍ
ولا يُنالُ بعقلِ أهلِ المكرِ

■ أيها المؤمنون، إليكم بعض الخلاصات العملية التي تُعين على سعي مباركٍ نافع:
- أولا: ابدأ بسؤال نفسك عن نيتك، فالنية الصالحة تُحول العادة إلى عبادة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» [متفق عليه].
فالزارع إذا زرع لِيُطعِم أهله، أو ليتصدق، أو لِيَكفي نفسه، أُجر في كل ذلك.
- ثانيا: اجتهد في تحري الحلال، فإن الحلال مبارك، والحرام ممحوق.
قال ابن المبارك: "لأن أرد درهما من شبهة، أحب إليّ من أن أتصدق بمائة ألف".
- ثالثا: احذر التسويف والتواكل، فإن من آفات السعي أن يقول المرء: "رزقي مكتوب"، ثم يترك السعي.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة".
- رابعا: ربوا أبناءكم على حب العمل لا على انتظار العطاء، فالتربية على الكسب الشريف؛ تخلق أمة عزيزة كريمة، لا تمد يدها لأحد.
قال الحسن البصري رحمه الله: "إن الله جعل الرزق في الغدوّ والرواح، فانظروا أين تغدون وتروحون".
وفي الشعر:
إذا كنتَ ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ
فإن فساد الرأي أن تترددَا
وليس يُنال المجدُ بالكسلِ الذي
يُورثُ نفسًا عاجزةً موقدَا

■ أيها الأحبة أن السعي عبادة، والحركة في طلب الحلال بركة، والتواكل والكسل هلكة، وأن من اجتهد وأخلص، بورك له، ومن غش وظلم، مُحق رزقه.
فلنُحيِ في مجتمعاتنا ثقافة السعي الشريف، ولنربّ أبناءنا على عزّة اليد العليا، ولنعلم أن التوكل الحق لا يكون إلا بعد بذل الأسباب، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا» [رواه الترمذي].
فلا تغدو الطير نائمة في عشها؛ بل تخرج وتسعى، فهلّا سَعينا؟ وهلّا أخلصنا؟ وهلّا التزمنا بما يُرضي الله في طلب أرزاقنا؟
سِرْ في الحياةِ بحزمٍ واعتدالِ
واطلب من الله رزقًا في الحلالِ
فالسعيُ مفتاحُ خيرٍ إن سَمَتْ
نيتُك الطهرَ والصدقَ والوصالِ

اللهم بارك لنا في أرزاقنا، واغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك، واجعل سعينا خالصًا لوجهك، يا أرحم الراحمين.

هذا، وصلوا وسلموا على إمام العاملين، وقدوة المتوكلين، محمد بن عبد الله، من قال الله في شأنه: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ ۚ يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب : 56].
اللهم صل وسلم وبارك على النبي وآله وارضَ عن الخلفاء الراشدين وعن الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعلينا معهم برحمتك وفضلك يا رب العالمين!

اللهم يا واسع الفضل، يا من بيده الرزق والخير، نسألك بركة في السعي، وبركة في الحركة، وبركة في الرزق.
اللهم اجعلنا ممن يسعى في الحلال، ويأكل من الحلال، ويُرضيك في كل حال.
اللهم طهر نياتنا من الرياء، وأعمالنا من الغش، وأموالنا من الربا، وقلوبنا من التعلق بالدنيا، واجعل سعينا كله لك، خالصًا لوجهك الكريم.
اللهم ارزقنا التوكل الحق الذي لا يُضاد السعي، واجعلنا من العاملين لا المتواكلين، ومن المجتهدين لا الكسالى، ووفقنا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا.
اللهم ربِّ أولادنا على حب العمل والكدح الشريف، واغنهم بحلالك، وأبعد عنهم سُبل الحرام، وزيِّنهم بالأمانة والصدق والإخلاص.
اللهم منَّ علينا برزقٍ طيبٍ مبارك، وسعادةٍ في الدنيا والآخرة، واجعل حركتنا في الدنيا سببًا لرفعةٍ عندك في الآخرة، يا أرحم الراحمين.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
كل على ثغرة في صناعة المجد:
إعداد حسن الكنزلي.


محاور الخطبة:
■ المقدمة
■ التنوع في أدوار الصحابة
■ مفهوم "الثغر" في الإسلام
■ أمثلة واقعية معاصرة على الثغور
■ التكامل لا التنافس
■ أهمية الإخلاص في سد الثغور
■ حال الأمة اليوم... وتعدد الثغور
■ دعوة للعمل وتحمل المسؤولية
■ خاتمة

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلق؛ فسوى، والذي قدر؛ فهدى، وأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
وأوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ﴾ [النساء: 131].
وبعد:

■ فإن ديننا ليس دين فردٍ يعتزل، ولا جماعةٍ تنفصل، ولا طبقةٍ تتسلّق؛ بل هو دين الأمة كلها، دين الشمول والتكامل والتوازن، دينٌ جعل لكل مسلم موضعا، ولكل موضعٍ رسالة، ولكل رسالةٍ ثوابا عظيما عند الله سبحانه.
ليس في هذا الدين عبث، ولا في أدواره تفاضل مذموم؛ بل هو تكاملٌ مبارك، وتوزيع رباني للوظائف؛ فمنهم من يُعَلِّم، ومنهم من يُجاهد، ومنهم من يُنفق، ومنهم من يُدبّر، وكلٌّ في مضمار الخدمة لدين الله.
قال تعالى: ﴿وَكُلًّا نُّوَفِّيَهِمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [هود: 111]، وقال جل شأنه: ﴿كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ [الإسراء: 20].
فلا ينبغي لمسلمٍ أن يحتقر دوره، ولا أن يتكبر على دور غيره، فإنما يُوزن الناس عند الله بالنية والإخلاص؛ لا بالمقام والمظهر.
■ أيها الإخوة المؤمنون، تأملوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم أعظم أمةٍ عرفها التاريخ بعد الأنبياء؛ لا لأنهم اجتمعوا على صورة واحدة؛ بل لأنهم اجتمعوا على الحق، وتنوّعت أدوارهم في خدمته:
- هذا خالد بن الوليد -سيف الله المسلول- فتح الله به بلادا، وأرهب به أعداءه، حتى قال فيه عمر: "عجزت النساء أن يلدن مثل خالد".
- وهذا حسان بن ثابت -شاعر الرسول- وقف بثباتٍ في معركة الكلمة، وقال له النبي ﷺ: «اهجُهم وروح القدس معك» [البخاري: 6153].
- وهذا عثمان بن عفان؛ جهّز جيش العسرة بماله، فبلغت نفقته آلافا؛ فقال النبي ﷺ: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» [الترمذي: 3701، وصححه الألباني].
- وهذا أُبي بن كعب؛ رجلٌ من حملة القرآن، أمر النبي ﷺ الصحابة أن يقرأوا عليه القرآن، وقال له: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة» [صحيح مسلم: 799].
- وهذا علي بن أبي طالب؛ لما برز مرحبُ خيبر، قال النبي ﷺ: «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» [البخاري: 3702]، فكان الفتح على يديه.
- وهذا أبو بكر الصديق؛ بذل ماله كله لتحرير بلال وامثاله، وقال فيه النبي ﷺ: «ما نفعني مالُ أحدٍ ما نفعني مال أبي بكر» [الترمذي: 3661، وصححه الألباني].
فكلٌّ منهم على ثغر، وكلٌّ منهم أقام شرع الله من موقعه، وما كان لسيف علي أن يُحرر عبدا، كما لم يكن لمال أبي بكر أن يقتحم الحصون، فكل مقامٍ له رجاله.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "الناس في الأعمال كأعضاء البدن؛ فالرأس لا يغني عن اليد، ولا اليد عن الرِّجل، وكلٌ في موضعه كامل" [مدارج السالكين 2/87].

■ يا أهل الإسلام الثغر في لغة: الموضع الذي يُخشى أن يُهاجم منه العدو، واصطلاحا: كل موضعٍ في الأمة يمكن أن يُؤتى الإسلام من قبله؛ سواء في العلم أو الجهاد أو التربية أو الاقتصاد أو التربية أو الإعلام.
وقد قال ﷺ: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» [البخاري: 893]، فكلٌّ راعٍ على ثغره، وعليه أن يحرسه بإخلاص، ويحميه من الانهيار.
فالأم في بيتها على ثغر، تربي رجال الغد، والمعلّم في مدرسته على ثغر، يصنع الوعي ويؤسس العقيدة، والداعية في منبره على ثغر، يرد الشبهات ويثبت القلوب، والتاجر في سوقه على ثغر، يقيم العدل ويُطعم المحتاجين، والمجاهد على ثغره، يدافع عن الأمة.
ولا تحقرن من المعروف شيئًا، فإن الله لا ينظر إلى الأجسام ولا إلى الصور، وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال، كما قال ﷺ: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم؛ ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» [مسلم: 2564].
قال ابن تيمية رحمه الله: "المؤمن القوي في ثغره، خيرٌ من ألف ضعيف لا يعرف موضعه" [الفتاوى الكبرى 6/11].

أيها الإخوة الأحبة، إذا أقام كل واحدٍ منا نفسه حيث أقامه الله، وسدَّ ثغره بإخلاصٍ وجُهد؛ اجتمعت اللبنات، وبُني سور الأمة، وعاد مجدها كما كان.
فلا تستصغرن دورك، ولا تحقرن ثغرك؛ فإن من ورائك أمة، وإنك مسؤول بين يدي الله.
قال أحد الحكماء:
إذا لم تزد في الأمة شيئًا... كنت أنت الزائدَ فيها.
وقال المتنبي:
وإذا كانت النفوسُ كبارًا ... تعبتْ في مرادِها الأجسامُ
وقال آخر:
ليس الفتى من قال كان أبي ... إن الفتى من قال ها أنا ذا

■ عباد الله، إن من تمام رحمة الله وعدله أن جعل للأمة ثغورا كثيرة؛ لا يحرسها صنفٌ واحد، ولا يقوم عليها نوعٌ دون آخر؛ بل تنوعت الأعمال، وتعددت الساحات؛ ليبقى مجد الأمة محفوظا، وعزتها مصونة.
الأم في بيتها، ليست مجرد ربة منزل؛ بل هي صانعة الأبطال، ومعلمة الأجيال، وقاعدة البناء الحضاري للأمة. على حجرها تربى الصدّيق، وفي حضنها نشأ الفاروق، وبحنانها تشكّلت ملامح العظماء.
الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتَها ** أعددتَ شعباً طيبَ الأعراقِ
فيا من ترين في بيتك عزلةً، اعلمي أنك على ثغرٍ من أعظم الثغور، وأنك بصبرك وتربيتك تصنعين مجدا لا تراه الأعين، ولكن تباركه السماء.
والمعلم في صفه، ذلك الحارس الأمين على العقول، المنقذ من ضلال الجهل، ينحت في الصخر؛ ليبني وعيا، ويرفع أمة.
قال تعالى: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9].
قال عليّ رضي الله عنه: «كفى بالعلم شرفا أن يدعيه من لا يحسنه، ويفرح إذا نُسب إليه» [الجامع لأخلاق الراوي، الخطيب البغدادي].
والعامل في مصنعه أو مزرعته؛ من يكدُّ ويكدح، يحقق للأمة اكتفاءها، ويحفظ لها قرارها الاقتصادي، وهو جندي من جنود البناء الحضاري.
قال ﷺ: «ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده» [رواه البخاري: 2072].
والطبيب في مشفاه، يحرس ثغر الصحة، ويجاهد في صمتٍ؛ لإنقاذ الأرواح، ويقف في وجه الأوبئة كرمحٍ في وجه العدو. كم أنقذ الله به من نفس، وكم كتب له من الأجر!
قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
والتاجر الصادق الأمين، هو مرآة الأخلاق في السوق، وميزان الثقة في المعاملة، ورافد من روافد الإنفاق في سبيل الله.
قال ﷺ: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء» [رواه الترمذي: 1209، وحسنه الألباني].
والداعية والمربي، حارس العقيدة، وصوت الحق، وسراج الهداية، يسدّ ثغرًا لو فُتح على الأمة، لاجتالتها الشياطين.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد، وهي وظيفة الأنبياء" [مدارج السالكين 2/232].
والمجاهد في سبيل الله، والعالم، والكاتب الصادق، كلٌّ منهم على ثغر؛ فذاك يجاهد بالسيف، وهذا بالقلم، وذاك بالعلم، وكلهم يشتركون في سبيل الله، إن خلصت النيّة وصدق العمل.
قال الشاعر:
فقل لمن يدّعي في العلمِ فلسفةً ** حفظت شيئاً وغابت عنك أشياءُ
وفي القتال رجالٌ لم تحمل السيفَ، ** لكنهم قد جاهدوا الأعداءَ

■ أيها المسلمون، من أعظم أسباب ضياع الجهود، وتفتت الطاقات: أن يُنظَر إلى ثغور الأمة بمنظار التنافس لا التكامل، وأن يُقال: "عملي أعظم من عملك"، أو "مهمتي أرفع من مهمتك".
وهذا باطلٌ يناقض مقاصد الشريعة وسنن الله في الخلق.
إن البناء الحضاري المتكامل، لا يقوم بسيف دون قلم، ولا بعلم دون عمل، ولا بجهاد دون تربية، ولا بتربية دون تعليم؛ بل لا بد من تكامل الأدوار.
قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، ولم يقل: "وتنافسوا".
وقال ﷺ: «كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» [رواه مسلم: 223].
فالعبرة في المقصد، والإخلاص، لا في نوع العمل. كل من خرج في ثغرٍ من ثغور الأمة يطلب وجه الله، فهو مجاهد، وهو في الرباط.
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى ** فأول ما يجني عليه اجتهاده
وكلٌ له في نصرة الدين وجهةٌ ** يُؤجر فيها حسبما قد أراده

فيا أهل القرآن، ويا أهل العلم، ويا أرباب الحِرَف، ويا صنّاع الوعي، ويا أرباب البيوت، اعلموا أنكم على ثغورٍ؛ لا يجوز التفريط فيها.

قال تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 84].
بارك الله لنا في القرآن الكريم ونفعنا بما به من الآيات والذكر الحكيم وجعله حجة لنا لا علينا، واستغفروا الله لي ولكم ولسائر المسلمين؛ إنه هو الغفور الرحيم والتواب الحليم!


الخطبة الثانية:
الحمد لله الملك الحق المبين، قيّض لكل زمان رجالا يحفظون دينه ويسدّون ثغور الأمة، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، القائل: «من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا» [رواه البخاري: 2843].
أما بعد:
■ فإن الثغور لا تُسدّ بكثرة العمل ولا بحجم الأثر الظاهري؛ بل بالإخلاص، وحسن النية، وموافقة الشرع.
قال تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود: 7]، ولم يقل: "أكثر عملًا".
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "أخلصه وأصوبه، إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يُقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصًا لم يُقبل" [الزهد الكبير، البيهقي: 1/68].
فمن أخلص في ثغره، أقام الله به الحجة، وبارك أثره، ولو كان في نظر الناس مغمورا.
تأملوا قصة ذلك الصحابي الذي لم يُعرف اسمه، وكان في آخر الصفوف، لا يُذكر بين الأبطال، لكنه صدق الله فيما بايع عليه، فقُتل شهيدا، فرآه النبي ﷺ في الجنة. قال ﷺ: «إن منكم لمن لو أقسم على الله لأبره» [رواه البخاري: 2897].
فليست العبرة بالمناصب ولا الشهرة؛ بل بالصدق مع الله في الموضع الذي وضعك فيه.

■ أيها الإخوة، إن من أسباب ضعف الأمة اليوم: تركُ الثغور، وتبادلُ الاتهامات، والتعلقُ بمن لا يسدّ مكانك، فكلٌّ ينتظر غيره، ولا أحد يقوم بما عليه.
قال الحسن البصري رحمه الله: "ما زال الإسلام عزيزا حتى نشأ فيهم قوم إذا أمروا بالمعروف غضبوا، وإذا نُهوا عن المنكر اغتاظوا" [الزهد، أحمد بن حنبل: ص292].
فيا من تركت الدعوة، أو التعليم، أو التربية، أو الحسبة، بحجة أن غيرك مقصّر، فاعلم أن العدو لا ينتظر، وأن السهام لا ترحم.
ولو أن كلًّا سدّ في الحرب ثغرةً ** لما اختل صفُّ المجدِ أو ضعفَ الذكرُ
والله، لو قام كلٌّ منا بواجبه، لما وُجدت الثغرات، ولا وطئت أقدام الغزاة أوهامنا ومقدساتنا.

■ أخي في الله، اعلم أن مسؤوليتك عظيمة، وأنك موقوفٌ بين يدي الله؛ لا يُسألك عمّا لم تُكلف به؛ ولكن عن دورك الذي أعطاك الله إمكانياته.
قال تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ [هود: 112]، وقال: ﴿قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 105].
فالجنة لا تُنال بالتمنّي ولا بالكلام الجميل؛ بل بالسعي الصادق، والعمل المتقن، والنية الخالصة.
قال أحد السلف: "طلب الجنة بلا عملٍ ذنبٌ من الذنوب" [صفة الصفوة، ابن الجوزي: 1/474].

■ أيها المسلمون، كلنا جنود على ثغور متفرقة... إن أقام كلٌّ منا ثغره، وحفظه، وثبت فيه؛ نصرنا الله وأعزنا، ولو كنا قلة. أما إذا تراجعنا، وتخاذلنا، وتطلع أحدنا لثغر غيره؛ فقد فتحت أبواب الهزيمة، وحلَّ العدو في ديارنا.
إذا غفل الحارسُ، وانكسر السلاحُ ** فلا تسلْ عن النصرِ كيف يُباحُ

نسأل الله أن يستعملنا ولا يستبدلنا، وأن بجعلنا ممن يحسن في موقعه، ويتقن عمله، ويخلص في نيته.

هذا وصلوا وسلموا على من أمر ربنا بالصلاة والسلام عليه؛ فقال:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ ۚ يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب : 56].
اللهم صل وسلم وبارك على النبي وآله وارضَ عن الخلفاء الراشدين وعن الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعلينا معهم برحمتك وفضلك يا رب العالمين!

اللهم أصلح نساءنا وأمهاتنا، وبارك في معلمينا ودعاتنا، وانفع بنا في ميادين العمل والطب والاقتصاد، ووفق قادة الأمة لحفظ الثغور، واهدِ شباب المسلمين للثبات على الجهاد في سبيلك كلٌ في ميدانه.
اللهم اجعلنا من الذين إذا وُكل إليهم الثغر، حفظوه، وإذا عُرض عليهم العمل، أتقنوه، وإذا عملوا ابتغوا به وجهك.
اللهم يا رب الثغور، ومقلّب القلوب، ومصرف الأمور، اجعلنا مفاتيح للخير، سدنة للحق، حُماةً لثغور أمتك في كل ميدان.
اللهم وفّق الأم في بيتها، والمعلم في فصله، والعامل في مصنعه، والطبيب في مستشفاه، والتاجر في سوقه، والداعية في ميدانه، والمجاهد بقلمه وسلاحه.
اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، متقنة في رضاك، مباركة في أثرها، رافعة لدرجاتنا عندك.
اللهم استعملنا في نصرة دينك، ولا تستبدلنا، وبارك لنا في أعمارنا وأوقاتنا وأعمالنا، واجعلنا ممن يصدُق في بيعته، فيُرفع في عليين.
اللهم وحد صفوفنا، واجمع قلوبنا، وسدّ عنا كل ثغر يتربص به عدونا، ولا تجعلنا ممن يتكل على غيره أو يتقاعس عن واجبه.
اللهم اجعلنا ممن إذا عُرض عليه العمل قال: “لبّيك يا رب”، وإذا وُكل إليه الثغر حفظه، وإذا دعوته للجنة سعى لها سعيا حميدا.
2025/05/12 05:56:09
Back to Top
HTML Embed Code: