Telegram Group Search
يمتازُ اليومُ الجميل بكونه يبدأ من فجأةً هكذا من حديثٍ مع صديقٍ أو من فنجانِ قهوةٍ معدٍ بحب..

تأتي اللحظاتُ بعدها متدافعةً فرحة، كخروج الطلاب للفسحة، ثمَّ تهدأ كآخر طالبٍ يهبط درجاتُ السلم، بتروٍ تبدأ تلحظ جمالَ الأحاديثِ المحكية، بتروٍ تلحظُ أن عملك الذي طالما كرهته، كان ممتعاً صامتاً وهادئاً وأنه دونَ إداركٍ منك أورثك الصمت أورثك الحكمة.

في بداية اليوم الجميل تكشفُ النعمُ غطائها لا بالحرمان بل بالعرفان.. تخبركَ كم هي بقربك دوماً لكنها كأنفك الذي تراه دوماً لكنك لا تلحظه.

اليومُ كانَ يوماً جميلاً امتدّ من البارحةِ حتى الساعة.. بهدوءٍ وتروٍ كجدةٍ حكيمة، كان يملي علي قصصاً وحكايا ويسمح لي بأن أُرىٰ بحب، يسمحُ لي بأن أتكلم دون تخطيطٍ وتوضيح، ثمَّ أفهم..

كانَ الله حاضراً في كل تفاصيله، يسره ورحمته ونوره ومحبته، كان الله قبلهم وبعدهم وكانوا هم رسلاً رحيمين.

متىٰ يبدأ اليوم الجميلُ إذاً؟ حين يكشفُ لك مالا تلحظه طوالَ الأيام السيئة حين تستنارُ حكمتك..

إذاً اليومُ ليس جميلاً. كل الأيام جميلة، لكنك ربما لم تفرك عينيك جيداً.

-محمد قاضي
[بضعُ لقيمات]

أوّاه كيفَ كان يكتب، جلسَ يفكَّرُ ملياً كيف كان يستحضر غصن الشجر فيراه يداً تنادي أن هلمَّ كن شجرة، كيف كان يرى البحر تيهه والمنارة في الأفق بصيرته التي تبحثُ عنه..

أوّاه ينده كان يرىٰ مالم يُرىٰ، ولأنه فقد مالم يُرى كان لا أحدَ يُدرك حزنه..

كانت حياته عبارةٌ عن ملاحظات عن نفسه، كان يشاهد نفسه أثناء حديث الآخر، يلتقطُ من الحديثِ أشياءَ غير مهمة -من وجهة نظر قائلها- ثم يحورها ويشكلها لتصبحَ مرآة تعكسُ روحه ونفسه. وبهذا كان يعيشُ وحيداً متفرداً، ومهما رأىٰ من الناس كان لا يرىٰ سوىٰ انعكاسه بهم، وكلُّ مادون ذلك كانَ أشبه بمعلومة ماذا كان عشاؤك البارحة.

لم يكن للبشر فقط هذه الميزة، فقد كتب مراراً كيف يرى نفسه في الشجر والقمر والبحر والنجوم والأرض، حتى الحيوانات والحشرات، ولم يكن يدركُ تماماً أفارغٌ هو أم ممتلئ أم كانَ كما كل شيء جامعاً للضدين؟

كانت الأشياء تذوبُ تماماً فيه، وصفه أحدهم يوماً أنه المثال الحقيقي للحرية، كان شخصاً يشبهُ حرية مجسدة، تستطيع أن تكون معه ماكنت، وهو يسدل الغطاء عليك ويحميك، كنتَ تشعر أثناء حديثك له بأنك تتكلم باسمك، تفعلُ ما تفعلُ بناء على حقيقتك، لا تستطيعُ معه أن تكون كاذباً أو منافقاً لأنه لا يتشبثُ بشيء ليدافع عنه، فتجدُ نفسك أمامه في ورطةٍ شديدة، لأنه يسهلُ عليه كشفُ أغوارك من أول لقاءٍ يدور بينكما ولهذا بالتحديد، كان يصعبُ للمنافقين أن يبقوا معه طويلاً، وحدهم الصادقين والواضحين مع أنفسهم كانوا يرونه متنفساً ومساحةً خضراء شاسعة، بعيدةً تماماً عن ضجيج العالم.

كان فريداً وكانَ يدرك فرادته، ويصونها بألاَّ يعتنق شيئاً، مجرداً من كل شيء، فارغاً من كل شيء، مليئاً به كان كالدنيا والآخرة، كالنار والجنة، كان كسردية الحياة، يضعُ الله والشيطان في نصٍ واحد، لأنه كان يدركُ عظمة ذلك وحقيقته، وأن إنكارَ وجودِ شيء هو في الأصل إنكارٌ لضده، وبهذا كان لا يرى خيراً بمعنى الخير ولا شراً بمعنى الشر، كان يرى بكل وضوح ماكان يحصل دونَ أن ينكهه كسمكة نيئة، إن أنت شويتها صارت لذيذة تؤكل وإن أكلتها نيئة صارت دنيئة تبصق، لكنه لم يكن ليصطاد السمكة كان أكثر حكمة من ذلك لأنه كان يراها كيف تسبح وتكبر وتدور وتتراقص في الموج، وبهذا كان يشبع!
بعيداً تماماً عن أي ساحة مكتفياً بذاته. لأنها الكل.

حسناً ماذا كان يريد؟ لا شيء
كان يريدُ العيش وحسب، وإن أخبره أحدهم أن مُت الآن لفعل دون تردد، لا لأنه يائسٌ منها بقدرِ ماهوَ منسجمٌ تماماً في دستورها الذي ينصُّ على فناءٍ وحياة.

لقد فهمَ ببساطة كل شيء، ابتلع لقيماتِ الحياة بشراهةٍ ودون توفير، فعاشَ كلَّ ما يمكن عيشه، وهو الآن مدركٌ تماماً أن كل ماسيأتي كان قد حصل على ردة فعله مسبقاً، كممثلِ قرأ المشهد كاملاً ثم هو الآن يقومِ بتمثيله، ربما يتأثر قليلاً لأن هذا ماتحتمه عليه طبيعته، لكنه لن ينهار من فرط الحزن، ولن يجنَّ من فرط السعادة، ولن ينتشيَ ويطرب. سيكون كل شيء بقدرٍ لا بأس به، ليستطيع أن يكمل.

-محمد قاضي
أعتقد أنه من المغري إذا كانت الأداة الوحيدة التي تمتلكها هي المطرقة أن تتعامل مع كل شيء كما لو كان مسماراً.

-إبراهام ماسلو
- " لم اكن احب القهوة ، لقد قمت بطلبها يوميا فقط من اجل رؤيتك"
📺 Moving 2023 ( Ep10)
‏وإني لأطيل العجب من كل من يدعي أنه يحب من نظرة واحدة, ولا أكاد أصدقه ، ولا أجعل حبه إلا ضرباً من الشهوة ، وما لصق بأحشائي حب قط إلا مع الزمن الطويل و بعد ملازمة الشخص لي دهراً وأخذي معه في كل جد وهزل.

ابن حزم الأندلسي
تقول عبلة الرويني عن زوجها أمل دنقل: «كان قليل الإفصاحِ عن مشاعِره، بينما كنتُ شديدةَ الإفصاحِ عنها، والتعبير بكافة الأشكال،
-رغم محاولات المكابرة-

أنا التي أطلب لقاءه، وأنا التي أبحثُ عنه، وأنا التي تُعلِنُ مشاعرها واضحةً في كُلّ لحظة.

ورغم ذلك، ظلّ إلى سنواتٍ يبحث عن تأكيدٍ دائم، ويقين وراحة واطمئنان لا ينتهي، لقد ظلّ هذا الشعورُ داخله بانعدامِ ثقته في العالم يُحَرِكُ مواقفه أمام الأشياءِ والأشخاص، أن ظهرهُ لا بُدّ وأن يكُون للحائطِ دائمًا.

وقد كان يُدرِكُ جيدًا طبيعةَ قلبِه، ولهذا لم يفتحهُ إلا لأشخاصٍ يستحيلُ عليهم إيلامُه، لقد كان يمتلكُ قلبًا نبيلًا أشدّ رهافةً من أيّ محاولةٍ لإيلامه، ولهذا لم يفتح قلبهُ إلا لقليلين للغاية..

ربما خمسة، أو ثلاثة، أو واحد، وربما كنتُ أنا، وربما لا أحد.»
لكنَّني مستعدّ أن أموت في كلِّ وقت لتصبح الأشياء جيِّدة دفعة واحدة. أموت غدًا إذا شاؤوا، على أن تتحرَّر فلسطين بعد غد، ويصير لكلِّ عائلة بيت، ولكلِّ رجل شغل، ولا يعود هناك فقراء ومرضى وجُياع..

-حنا مينا / حكاية بحار
إنَّه ليس بريئًا، لكنَّه أقرب الناس إلى الله، فهو الكافر المؤمن، المتمرِّد الخاضع، وهو القويّ الذي تحبُّه القوَّة، والمُثقل بالذنب والجدير بالغفران أيضاً.

-حنا مينة/ حكاية بحَّار
الحب الذي لايخفف الوحدة، يضاعفها!

-آلاء حسانين
وَلَستُ بِهَيّابٍ لِمَن لا يَهابُني
وَلَستُ أَرى لِلمَرءِ ما لا يَرى لِيا

فَإِن تَدنُ مِنّي تَدنُ مِنكَ مَوَدَّتي
وَإِن تَنأَ عَنّي تَلقَني عَنكَ نائِيا

كِلانا غَنيٌّ عَن أَخيهِ حَياتَهُ
وَنَحنُ إِذا مِتنا أَشَدُّ تَغانِيا

- الامام الشافعي 🍃
‏ولكن خلافاً لما يفعله المهندس المعماري، غالباً ما ينبذ المؤلف مخططه في سياق إنشاء صرح بالنسبة إلى الكاتب الكتابُ شيءٌ يعاش، تجربةٌ تعاش وليس خطةً تنفذ. وفقا لقوانين ومواصفات.

-هنري ميللر / الكتب في حياتي
تبقىٰ للمرء تجربته الفريدة، فكلما وجدَ نفسه مقهوراً بحاضره الممل الذي لا يجدُ فيه حتى سبباً واحداً للحزن أو الكآبة، عاد إلى ماضيه يستحضره، ينبشُ في خباياه عن تجربةٍ أصيلة، عاشها ولم يحكها، أو ربما لم يحكي إحدىٰ زواياها، يعودُ ليخلقَ سبباً لحزنه أو فرحه، يعودُ لكي يجددَ معنىٰ وجوده هنا..

وأكثر من يستحضر الماضي هم الجدات والفنانون.. لأنهما كلاهما، عاشا حد الزبىٰ من الحاضر، عاشا لكنهما لم يتأملا ملياً بما عاشاه، فترىٰ الجدة تعيد تكرار الحكاية لا انتظاراً لدهشتك بها فهي تدرك أنك سئمت تكرارها، لكنها تعيدها وتعيدها حتى تصلَ لأفضل صياغة، تروي بها قصتها.. كذلك يفعلُ الفنانون.

والكلمةُ اقتصادُ الحكاية.. فكلما ملكَ المرءُ منّا حصيلةً ساميةً من الكلمات كلما زاد سموه.. ف -القديس يرى العالم مقدساً والبطل يرىٰ العالم سلسلة من الانتصارات- كذلك حين ترصّعُ لغتك ترىٰ العالمَ مرصَّعاً..

لهذا أعملُ في نصوصي على احتقار الكلمات الدنيئة، رغم كلِّ ما تحملهُ من فضلٍ في توصيفِ السخط الكائن في أحشائي، إلّا أنني بدونها، أبحثُ عن معنىً أكثر سمواً ورفعة وللبشارةِ أجده!

الجدات والفناونَ حبيسوا نصوصٍ لم تكتمل، نصوصٌ كان يمكن أن تكون أكثر بهاءً لو أنهم وجدوا كلمةً تعبَّر عن سخطهم رغم تقبلهم، عن سئمهم رغم فهمهم المنطقي لفضل مامروا به عليهم، لكنهم لم يجدوا مايقولونه، لم تكن هناكَ كلمةٌ واحدةٌ تكفي لذا ابتكروا الحكاية، الحكايةُ التي تدور وتدور بذهنك، فإما تخرجُ منها مصروعاً أو فاهماً متعب.

سأدون الكثير حتى أصلَ للقليل الأصيل، كمن يقرأ مئةَ كتابٍ ليخرجَ منه بصفحة. سأدونُ لأن الحاضر ممل ورواية الماضي بتكرارٍ عقيم مملةٌ هي الأخرىٰ، سأبحث لا عن حكايتي المناسبة بل عن الكلمة المفقودة، الكلمة التي صنعت الحكاية.. حينها وحسب يكون ماضيَّ حاضري وحاضري ماضيَّ لأنني عشتهما تماماً متأملاً ورعاً.. وحين أصلُ لعمر الجدات لن أروي الحكايات الماضية بل سأدون حياةً جديدة بحثاً عن مفردة جديدة..

حينها لن أكون فناناً ولا جداً بل خالق لغة..

-محمد قاضي
ذلك الحائط كائنٌ حيٌّ. عندما تبدأ الكلمات في الظّهور على الحيطان، على الجير، فوق الأرض، فوق الأشياء الجامدة، عندما تبدأ الأفكار في الظّهور، نُصبح أمام إنسانٍ. يبدأ الحائط في التفكير، فلا يغدو مجرّد جيرٍ، إنّه مثلنَا، لأنّنا نحن أيضًا من حجارةٍ رُسمت على سطحها الأفكار.

-أفونسو كروش/ الحفيدة
Forwarded from أمل دنقل
عيناكِ: لحظتا شروق
أرشفُ قهوتي الصباحية من بنِّهما المحروق
وأقرأ الطالع.

- قصيدة حديث مع أبي موسى الأشعري/ أمل دنقل
وكانت الأحاديث التي تدورُ هكذا مع الناسِ بعمومهم لاتعنيه، لكنها ما إن تَلتفُّ وتدورُ حوله حتى يأخذَ نسقاً من المحبة يتصاعدُ ويتصاعدُ حتى مقدارِ تحمِّل الطرف الذي يقابله، فإن كان من يسمعه محباً له بصدق، سمَعَ واستراح لحديثه، وإن كان من يسمعه محباً دون إخلاص سمَعَ ثمَّ حوَّل الجو من هدوءٍ يصلحُ لتأملات الرهبان إلى ضجيجِ حارةٍ شعبيةٍ مكتظة، وكان يرىٰ هذا الأثر من الأحاديثِ على نفوسِ الناس فيدركُ ماهيتهم ويا للعجب كان يرىٰ الناس من خلال نفسه..

تتمحورُ حياته بجلِّ أنواعها حولَ طريقه الذي يسلكه، وهو في حقيقةِ الأمر لا يدري تماماً عن أي طريقٍ يتحدث، لكنه كان يسيرُ وحسب، متعلقاً بالإشارات التي تأتيه منه، يظنها الناس في غالبِ الأمرِ هلوسة، لكنه في واقع الحال كان يرىٰ بعد أن يتبعها، ذاك السحر الدمثَ الهادئ الذي يُضافُ إلى حياته.. وكأنه فتح باب الجنة، بينما من لم يفهمونه بعد واقفون هناك ينتظرون أن يقولَ لهم أن خلفَ البابِ وحوشاً.

لم يفشل إلا حينما قرر تجاهل نفسه، وللغرابة أنه لم يكن نرجسياً ولا تسمعه يقولُ كلمة "أنا" كثيراً بل كان متواضعاً حليماً بالناس، لكنه يدرِكُ قيمة نفسه لهذا كان يتصرفُ بما يليقُ بها..

يحلُمُ يوماً أن يكتب كتاباً كاملاً عنه عن مذكراته وملاحظاته، لأنه كان يدركُ بشكلٍ غير مباشر، أنه تجسَّد هكذا، بتلك القوة الناعمة، ليعيش حيواتٍ كثيرة في حياةٍ واحدة.. ومن ثمَّ يدونها ويصقلها، ليرىٰ من بعده الطريق بهياً.

يحلُمُ كثيراً جداً كان يستطيع أن يفعلَ أي شيء يطلب منه بجودةٍ متوسطة، وهذا ماكان يشتته أحياناً فهو يريدُ أن يُصلحَ كلَّ شيء، يريدُ أن يفعلَ كل شيء على أتمِّ وجه، فيأخذُ بنفسه كلَّ فترة يتعلَّمُ علماً ما حتى يفوق مستواه المتوسطَ فيه ومن ثم ليعلَّم الناس هذا العلم على طريقته الصحيحة، لأنه كان يرىٰ العالمَ منقوصاً من الناس الحقيقين وكان يحملُ على عاتقه إصلاحَ كلِّ هذا الخلل، وكان يقدرُ إن شاء، لكنه في منتصفُ الطريق وبعدَ أن يرىٰ مايذهبُ من عُمره، يدركُ أن هناكَ ما هوَ أسمىٰ ليتعلمه..
لكنه ربماً في نهايةِ المطاف سيكتبُ كتاباً..

-محمد قاضي
" إنّ الفرد الذي تسيطر عليه شهوته إلى حدٍ أنّه لا يستطيع أن يرى أو يفعل ما تتطلبه مصلحته الحقيقية، يكون في أحطِّ درجاتِ العبوديّة، ولا يكون سيِّد نفسه، أمّا الحرُّ فهو الذي يختار بمحض إرادته أن يعيش بهداية العقل وحده. "

‏— باروخ سبينوزا
Forwarded from 𓆩ْمَلاك𓆪
‏"أحب جميع أشكال العودة، عودة المحب لمحبوبه، العودة للديار، العودة للمنزل، العودة للأهل من بعد اغتراب، العودة للسرير نهاية اليوم "
‏ضروري البني آدم يكون عنده شي يعود له في النهاية
بالحزنِ تتضرجُ النصوص، تتسابقُ على وجنتي قارئها فتتحول لدموع، بالحزنِ يُخلقُ الكون فكاكاً من الوِحدة..

بالحزنِ ابتدأ الخلقُ، هبطِ آدمُ درجاته، بخيبةٍ وقفَ يعمّرُ الأرض، يسقي الحرثَ والحزنُ بادٍ علىٰ محياه، زرع فلم يتملّص من حزنه، بكىٰ فلم يتملَّص من حزنه، تعلَّم، مشىٰ، أكل، ركضَ، هامَ، عشِقَ وهنا توقفَ، قرَّر أن يبددَ حزنه، أن يورِثَ أهليه ماهو مثقلٌ على حملهِ وحده، فأتىٰ باربعٍ آملاً أن يحملو معه وزن الحزن الثقيل، مالم يدركه حينها، أن المرءَ يولدُ مع أحزانه، وأنَّ أولاده الأربعة، حملوا مثله حزنهم في تصرفاتهم، فغرسوا شجراً يبكي، وشمساً تحرق، وورداً يأملُ أن لا يذبل لكنه يفعل، وصار الكونُ يُعرفُ بالحزن، فيُعطي الحزينَ من أسراره ما لا يعطيه لغيره، وتتجلىّٰ على قلبه العطايا كلّما حَزن، تراه يخشعُ فيبكي، يفرحُ فيبكي، يتعبُ فيبكي، فكأنما العبراتُ تلك ماهي إلا قرابينُ تقدَّم ليتقدَّس بها شعورك، وتزيدُ بها حظوظكَ في تخليدٍ لفنٍ أو لموقف، فنصٌّ لم يبكىٰ به أو لأجله أو أثناء كتابته نصٌّ يموت، ودمعةٌ لم تُذرف في وداعِ محبٍّ تنفي حبه..

وها أنا اليومَ أنثرُ دمعي، بعدَ كلِّ موقف، أبكي إذا كذبتُ، إذا خنتُ، إذا كتبتُ، أسقي كوني الصغيرَ في داخلي حتى يلائمَ الكون الكبير خارجه، وأرىٰ بعيونٍ ملؤها الماءُ المالح الحارقُ، كم تجفُّ الروحُ لولا بكاؤها.

وأنا كأبي، وجدي وآدم، تعبٌ وحدي من حملِ هذا العالم، لكني لن آتي بطفلٍ ليحمله معي، ولن أتوسّل البحر والقمرَ كما فعلَ الشعراء من قبلي، لكني أنظرُ لكِ كحزنٍ مرهفٍ حلو، أنظرُ وأقول هنا دمعي سيزهر، هنا تتفتحُ المعارفُ، وتنقضي الحيرةُ هنا وحسب لا أشعرُ أن دمعي يهطلُ، بل يغرسُ، تتفتقُ الجبالُ من جنباته، تتفتحُ الأزهارُ التي لا تذبلُ، ينقضيِ حزنُ أبي وجدي وآدم، وما بكاءُ آدمَ إلا لجنةٍ افتقدها، فهلّا تسدلينَ كتفكِ أبكي عليه؟

-محمد قاضي
2024/06/17 03:54:59
Back to Top
HTML Embed Code: