Telegram Group Search
(16) فقه الاعتكاف

تابع الكلام على مبطلات الاعتكاف

[[وهل يصحُّ للمعتَكِفِ أنْ يَخرُجَ لقُرْبة من القُرَب: كشهودِ جنازةٍ، أو عيادةِ مريضٍ؟]]

في المسألةِ قولانِ لأهلِ العلمِ، أرجحُهُما: أنَّه يجوزُ لهُ ذلكَ؛ لما يلي:
1 – ما روي عن عليّ رضي الله عنه أنَّه قال: المُعتَكِفُ يعودُ المريض ويشهدُ الجنازةَ والجمعةَ. أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة بسند صحيح.

2 – ما ذكره ابن عبد البر في «التمهيد»، و«الاستذكار» عن سعيد بن جُبير أنَّه قال: اعتَكَفتُ في مسجدِ الحَيِّ، فأَرسَلَ إليَّ عمرُو بنُ حُرَيثٍ يَدعُوني -وهو أميرٌ على الكوفةِ- فلم آتِه، فعَادَ فلم آتِه، ثم عاد فلم آتِه، ثم عاد فأتيتُهُ، فقال: ما يَمنَعُكَ أنْ تأتِينَا؟ قلتُ: إنِّي كنتُ معتَكِفًا، فقال: ومَا عليكَ؟ إنَّ المعتَكِفَ يَشهدُ الجمعةَ، ويعودُ المريضَ، ويَمشِي مع الجنازةِ، ويُجيبُ الإمامَ.
قال ابن عبد البر: وبهذا كان يُفتِي سعيدُ بنُ جُبيرٍ.

كتبه/ إمام بن علي الأثري
(17) فقه الاعتكاف

تابع الكلام على مبطلات الاعتكاف

[[وهل يصحُّ للمعتَكِفِ أنْ يشترط ذلكَ عندَ دخولِ الاعتكافِ؟]]
اختلف العلماءُ في ذلكَ على قولين، أرجحُهُما: أنَّه يَصحُّ لهُ أنْ يشتَرِطَ؛ لورودِهِ عن جماعةٍ من التابعينَ، كإبراهيمَ النَّخَعي، وعطاءٍ، وقتادةَ.

ومعنى الاشتراطِ: أنْ يقولَ: استَثني من اعتكافِي عيادةَ مريضٍ، أو شهودَ جنازةٍ، ونحوَ ذلكَ.

[[فائدة]]: مع القولِ بجوازِ الاشتراطِ في بعضِ الأمورِ إلَّا أنَّ الأولى عدمه، إلا إذا كان المريضُ من أقاربِه الذين تعتبرُ عدمُ عيادتِهِم قطيعةَ رَحْمٍ، فهنا يَستثني، وكذا شهودُ جنازتَهُ.

كتبه/ إمام بن علي الأثري
(18) فقه الاعتكاف

تابع الكلام على مبطلات الاعتكاف

[[تنبيهات]]:
[[التنبيه الأول]]: لو اشتَرَط الخروجَ للبيعِ والشراءِ، أو الإجارةِ، أو التكسُّبِ بالصناعةِ، ونحوِ ذلكَ، فلا يصحُّ؛ لمنافاتِهِ لمقصودِ الاعتكافِ، وهو لزومُ المسجدِ لطاعةِ اللهِ تعالى.

[[التنبيه الثاني]]: بعضُ الموظفِّين يَرغبُ في الاعتكافِ، فيشترطُ الخروجَ للدوامِ، وهذا منافٍ لمقصودِ الاعتكاف، كما تقدَّم، والأولى لمثلِ هؤلاءِ أداءُ الواجباتِ عليهم ومتى انتَهَتْ أعمالُهُم جلسُوا في المسجد حسبَ الاستطاعةِ.

‌‌[[التنبيه الثالث]]: بعضُ الشبابِ يعتَكِفُ بغيرِ إذنِ وليِّهِ، وقد يكون الأبُ أو الأمُّ في حاجةٍ له ومع ذلكَ يعتَكِفُ دونَ رِضَاهُم، وهذا خطأٌ كبيرٌ، والواجبُ على الابنِ أن يستَأذِنَ والدَيهِ في الاعتكافِ، فإنْ أَذِنَا لهُ فحَسَنٌ، وإلَّا فلا يجوزُ لهُ أن يعتَكِفَ بغيرِ رضاهُمَا.

كتبه/ إمام بن علي الأثري
(19) فقه الاعتكاف

[[المُبطِلُ الثاني من مُبطِلاتِ الاعتكافِ: الجماع]].
الوطءُ في الفَرْجِ مُفسِدٌ للاعتكافِ، بدلالةِ القرآنِ، والسُّنةِ، وآثارِ الصحابةِ، والإجماعِ.

[[أمَّا دليل القرآن]]: فقولُه تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187].
قال قتادة: كان الناسُ إذا اعتَكَفُوا يَخرجُ أحدُهُم فيُباشِرُ أهلَهُ، ثم يَرجعُ إلى المسجدِ، فنَهَاهُمُ اللهُ تعالى عن ذلكَ. «تفسير الطبري».

[[وأمَّا دليل السُّنة]]: فحديثُ عائشةَ رضي الله عنها المتقدِّم: كان النبيُّ ﷺ لا يَدخُلُ البيتَ إلَّا لحاجةٍ إذا كان مُعتَكِفًا.

[[وأمَّا آثار الصحابة]]: فقال ابن عباس: إذا جامَعَ المعتَكِفَ بَطَل اعتكافُهُ. أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة.

[[وأمَّا الإجماع]]: فقال ابن المنذر: «وأجمَعُوا على أنَّ مَن جامَعَ امرأتَهُ وهو معتَكِفٌ عامدًا لذلكَ في فَرْجِهَا أنَّه يَفسُدُ اعتكافُه».

كتبه/ إمام بن علي الأثري
(20) فقه الاعتكاف

[[المُبطِلُ الثالثُ من مُبطِلاتِ الاعتكافِ: الإنزال بالمباشرة دون الفَرْج]]:
وهذا مُفسِدُ للاعتكافِ، وهو قولُ أئمةِ المذاهبِ الأربعةِ.
لحديثِ عائشةَ رضي الله عنها المتقدِّم: كان النبيُّ ﷺ لا يَدخُلُ البيتَ إلَّا لحاجةٍ إذا كان مُعتَكِفًا.
ولأنَّ بالإنزالِ يَتَحقَّقُ بِه ما يَتَحقَّقُ بالجماعِ.

كتبه/ إمام بن علي الأثري
(21) فقه الاعتكاف

[[المُبطِلُ الرابعُ من مُبطِلاتِ الاعتكافِ: إنزالُ المنيِّ بالاستمناءِ]]:
فلو استَمْنَى المعتَكِفُ فَسَد اعتكافُه؛ لأنَّه إنزالٌ بالمباشرةِ.

وممَّا ينبغي أن يُعلَمَ: أنَّ الاستمناءَ محرَّمٌ، وقد دلَّ على تحريمِهِ ما يلي:
1 - قولُه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُون﴾.
وجه الدلالة: أنَّ اللهَ تعالى أَوجَبَ على المسلمِ أنْ يَحفَظَ فَرْجَهُ إلَّا من زوجتِهِ أو ما ملكتْ يمينُهُ، فإذا تَجاوَزَ زوجتَهُ وما ملَكَ يمينُهُ إلى غيرِهِمَا، فإنَّه من العَادِين.

2 – قوله ﷺ: «يا معشرَ الشبابِ، مَنِ استطاعَ مِنكُمُ الباءةَ فَليَتَزوَّجْ؛ فإنَّهُ أَغضُّ للبصرِ، وأَحصَنُ للفَرْجِ، ومَن لم يَستَطِعْ فعليهِ بالصومِ؛ فإنَّهُ لهُ وِجَاءٌ»
وجه الدلالة: أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَرهُ ﷺ بالصيامِ عندَ عدمِ القدرةِ على النكاحِ، ولو كان الاستمناءُ جائزًا؛ لأرشَدَ إليهِ النبيُّ ﷺ.

[[وإنَّما حثَّ النبيُّ ﷺ على الصيامِ لمَن لا يَستطيعُ مُؤَنَ النكاحِ، لأمرين:
[[أحدُهُما]]: أنَّ الصيامَ يُورِثُ التقوى. كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
[[الثاني]]: أنَّ شهوةَ النكاحِ تابعةٌ لشهوةِ الأكلِ، تَقْوَى بقوتِهِ وتَضعُفُ بضَعْفِهِ.

[[تنبيه]]: لو احتَلَم المعتَكِفُ لم يَفسُدِ اعتكافُهُ؛ لأنَّ النائمَ مرفوعٌ عنهُ القَلَمُ. وهذا باتفاقِ الأئمةِ الأربعةِ.

كتبه/ إمام بن علي الأثري
(22) فقه الاعتكاف

[[المُبطِلُ الخامسُ من مُبطِلاتِ الاعتكافِ: تناول المُسكِرات]]:
إذا تناوَلَ المعتَكِفُ شيئًا من المُسكِراتِ بَطَل اعتكافُهُ؛ لأنَّ النيَّةَ تَنعدِمُ مع السُّكرِ.

ولأنَّه منهيٌّ عن قُربانِ الصلاةِ حالَ السُّكرِ؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾، ويَلزَمُ من نَهْيهِ عن قُربانِ الصلاةِ نَهْيهُ عن قُربانِ مواضعِ الصلاةِ، وهي المساجدُ.

كتبه/ إمام بن علي الأثري
(23) فقه الاعتكاف

[[المُبطِلُ السادسُ من مُبطِلاتِ الاعتكافِ: الرِّدَّة]]:
إذا ارتَدَّ المعتَكِفُ بَطَل اعتكافُهُ؛ لأنَّ اللهَ تعالى يقولُ: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾، فالردَّةُ تُبطلُ جميعَ العباداتِ، ومنها: الاعتكافُ.

ولأنَّ الكافر ليس من أهل العبادات؛ قال تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ﴾ الآية.
وجه الدلالة: أنَّه إذا كان الكفارُ لا تُقبَلُ منهم النفقاتُ لكُفرِهِم -مع أنَّ نفعَهَا مُتعدٍّ-، فالعباداتُ المحضةُ من بابِ أولى.

كتبه/ إمام بن علي الأثري
(24) فقه الاعتكاف

[[المُبطِلُ السابعُ من مُبطِلاتِ الاعتكافِ: قطع نيَّة الاعتكاف]]:
إذا نَوَى المعتَكِفُ الخروجَ من المسجدِ بَطَل اعتكافُهُ ولو لم يَخرُجْ؛ لأنَّ الاعتكافَ لزومُ المسجدِ لطاعةِ اللهِ تعالى بنيَّةٍ، فإذا قَطَع النيَّةَ بَطَل الاعتكافُ.

[[شروط المبطلات السابقة للاعتكاف]]:
اشترط الفقهاء لبطلانِ الاعتكافِ بما سبق شروطًا، وهي:
1 - أنْ يكونَ عالمًا.
2 – أنْ يكونَ ذاكرًا.
3 - أنْ يكونَ مختارًا.

وبِناءً على ذلكَ: إذا كان جاهلًا بأنَّ الذي فَعَلَهُ من مُبطلاتِ الاعتكافِ، لم يَبطُلْ اعتكافُهُ.
وكذلك لو فَعَل شيئًا من ذلكَ ناسيًا، لم يَبطُلْ اعتكافُهُ.
وكذلك لو فَعَل شيئًا من ذلكَ مكرهًا، لم يَبطُلْ اعتكافُهُ.

قال الله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، والجاهلُ والناسي والمُكرَهُ لم يَتَعمَّدْ قلبُهُ فِعْلَ المُبطلِ.

وقال تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾، فدلَّتِ الآيةُ على رَفْعِ المؤاخذةِ عن الناسي والجاهلِ.

وقال ﷺ: «رُفِعَ عن أمَّتي الخطأُ والنسيانُ وما استُكرِهُوا عليهِ». أخرجه ابن حبان، وصحَّحه الحافظ ابن رجب.

كتبه/ إمام بن علي الأثري
(25) فقه الاعتكاف

تابع الكلام على مبطلات الاعتكاف

[[مسألة: إذا طَرَأ الحيضُ على المرأةِ المعتَكِفةِ فهل يَبطُلُ اعتكافُهَا؟]]
والجواب: إذا حاضَتِ المعتَكِفةُ حَرُم بقاؤُهَا في المسجدِ؛ لِمَا تقدَّم من الأدلةِ على حُرمةِ دخولِ الحائضِ المسجدَ.

[[وهل يَبطلُ اعتكافُهَا إذا خَرَجَتْ من المسجدِ؟]]
في المسألةِ قولانِ لأهلِ العلمِ، أرجحُهُما: أنَّه لا يَبطلُ اعتكافُهَا؛ لأنَّ خروجَهَا لأجلِ الحيضِ في معنى الخروجِ لحاجةِ الإنسانِ، فيكونُ مُستَثنى.

[[ويُستفادُ من ذلكَ]]: أنَّه إذا طَهُرَتْ من الحيضِ فلها أنْ تَرجِعَ إلى المعتَكَفِ وتُكمِلُ اعتكافَهَا.

كتبه/ إمام بن علي الأثري
(26) فقه الاعتكاف

تابع الكلام على مبطلات الاعتكاف

[[مسألة أخرى]]: إذا أُغمِيَ على المعتَكِفِ، هل يَبطلُ اعتكافُه؟
في المسألةِ قولانِ لأهلِ العلمِ، أرجحُهُما: أنَّه لا يَبطلُ اعتكافُه؛ لأنَّه مثلُ النومِ.

[[مسألة أخرى]]: مَن فَعَل كبيرةً من كبائرِ الذنوبِ -كالغيبةِ والنميمةِ- لا يَبطلُ اعتكافُهُ، لكنْ يَنقُصُ أجرُهُ لارتكابِه لهذهِ المعصيةِ.

قال البَهاء المقدسيُّ في «العُدَّة شرح العمدة»: «ويَجتنبُ [يعني: المعتكف] الجدالَ والمراءَ والسِّبابَ والفُحشَ، فإنَّ ذلكَ مكروهٌ في غيرِ الاعتكافِ، ففي الاعتكافِ أولى، ولا يَبطلُ الاعتكافُ بشيءٍ من ذلكَ؛ لأنَّه لمَّا لم يَبطُلْ بمباحِ الكلامِ لم يَبطُلْ بمحظورِهِ، وإنَّما استُحِبَّ ذلكَ؛ ليكونَ مُشتغلًا بِمَا اعتَكَف لأجلِهِ من طاعةِ اللهِ سبحانَهُ، واجتنابِ معاصيهِ، فيُحقِّقُ ما اعتَكَف لأجلِهِ».

وبهذا ينتهي الكلام على مبطلات الاعتكاف.

كتبه/ إمام بن علي الأثري
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
ما حكم مجادلة الوالدين؟
الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى
2024/03/29 07:19:35
Back to Top
HTML Embed Code: