Telegram Group Search
أتاك [الشيطان] يا ابن آدم من كل وجه غير أنه لم يأتك من "فوقك" لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله، قاله قتادة عند تفسير قوله تعالى: {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم...} ولم يقل من فوقهم!

نسأل الله الكريم أن يرحمنا برحمته التي وسعت كل شيء.
◉ الاعتكاف النبوي!

من المفيد لمن أراد الاعتكاف في هذه العشر الفضيلة أو جزء منها أن يقرأ ما سطره الإمام ابن القيم عن هديه ﷺ في الاعتكاف وذلك في زاد المعاد، فهو القدوة ﷺ في هديه وفعله وقوله وجميع أحواله، وقد جمعتها لكم في ملف واحد هنا، تقبل الله منا ومنكم صالح القول والعمل.

👇👇
الجامع في أدعية الكتاب والسنة.

أدعية الكتاب والسنة أفضل ما يتحراه العبد ويدعو به، وذلك لما فيها من البركة والنور والخير والشمول، فقد شملت خير الدنيا والآخرة، قال ابن تيمية: (وَيَنْبَغِي لِلْخَلْقِ أَنْ يَدْعُوا بِالْأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا رَيْبَ فِي فَضْلِهِ وَحُسْنِهِ وَأَنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا). انظر : مجموع الفتاوى ( ٣٤٦/١)

ومن أفضل الكتب التي اعتنت بجمع أدعية الكتاب والسنة؛ كتاب الجامع في الأدعية النبوية لفضيلة الشيخ الدكتور عبداللطيف التويجري، فقد رتّبه مؤلفه ترتيبًا بديعًا، وحرص غاية الحرص على تحرّي الألفاظ النبوية الصحيحة، وراجع في ذلك أصول ومخطوطات حتى يتثبت من اللفظ ويُثبته.

جميل أن يكون مصاحبًا لك في هذه العشر المباركة. اقرأه بتأمل وحضور قلب، وستحمد العاقبة بإذن الله..


وهذا ملف (bdf) لكتاب الجامع في أدعية الكتاب والسنة، يسرني أن أضعه بين أيديكم.
👇🏼👇🏼
‏◉ دعوات عظيمة تُنسى في الغالب، فحافظ عليها في هذه الليالي العظيمة:

‏١. «اللَّهُمَّ إِنِّي ‌ظَلَمْتُ ‌نَفْسِي ‌ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
‏٢. ﴿‌رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَيَّ مِنۡ خَيۡرٖ فَقِير﴾.
‏٣. ﴿‌رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ‌﴾.
‏٤. «اللَّهُمَّ ‌اهْدِنِي ‌وَسَدِّدْنِي».
‏٥. اللَّهُمَّ آتِنِي الْحِكْمَةَ، الَّتِي مَنْ أُوتِيَهَا فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا.
‏٦. «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ‌خَطِيئَتِي ‌وَجَهْلِي، ‌وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجِدِّي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي». 
‏٧.  «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ ‌مِنَ ‌الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ».
‏٨. اللَّهُمَّ ثَبِّتْنِي بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ. 
‏٩. اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي.
‏١٠. اللهم إني أسألك العفو والعافية، واليقين في الآخرة والأولى.
‏◉ اعتكاف المرأة!

‏يجوز للمرأة أن تعتكف في المسجد في رمضان إن أمنت الفتنة؛ فالاعتكاف سنة للرجال والنساء، وقد كانت أمهات المؤمنين رضي الله عنهن يعتكفن مع النبي ﷺ في حياته، واعتكفن بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.

‏روى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ.

‏قال في "عون المعبود": (فِيهِ دَلِيل على أَنَّ النِّسَاء كَالرِّجَالِ فِي الاعْتِكَاف).

‏قال ابن قدامة في "المغني" (4/464):

‏(وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَكِفَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ.
‏وَلا يُشْتَرَطُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ؛ لأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
‏وَلَيْسَ لَهَا الاعْتِكَافُ فِي بَيْتِهَا؛ لقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}.
‏وَلأَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ اسْتَأْذَنَّهُ فِي الاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَذِنَ لَهُنَّ).
‏◉ كيف تغتنم ليلة سبع وعشرين؟

‏ ١. اطرق أبواب السماء: فإنها ليلة عظيمة، وأكثر من الدعاء بخشوع ويقين، وألِحَّ في مسألتك، فما خاب عبدٌ طرق باب ربه ورجاه.

‏ ٢. قُمْ ليلك بخشوع وابتهال: فساعة في القيام تزن أعمارًا كثيرة، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، كيف وقد قال ﷺ: «مَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه». [متفق عليه] وليلة السابع والعشرين من أرجى ليالي القدر عند جمعٍ من العلماء.

‏٣. اجعل القرآن أنيسًا لقلبك: رتّل بخشوع وتدبر، ففي كل حرف بركة ونور، وأحيِ قلبك بآيات الرحمة والرجاء، واستشعر أن كل وعدٍ فيه حق، وكل وعيدٍ صدق، واجعل تلاوتك مناجاة صادقة، وقراءة مُخلصة.

‏٤. اضرب بسهم الصدقة في هذه الليلة: فالصدقة قد تفتح لك أبوابًا من الخير لا يعلمها إلا الله، يقول ﷺ: «الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ». [الترمذي].
‏ولا تحقرنَّ من العطاء شيئًا؛ فدينار تنفقه، أو وجبة تتصدق بها، قد تكون سببًا لرحمة تنزل، وكرب يُفرَّج.

‏ ٥. أطلِق لسانك بذكر الله: اجعل لسانك رطبًا بالتهليل والتسبيح والاستغفار، فالذكر حياة للقلوب.
‏لا تدع ساعة تمر دون أن تملأها بتسبيحة تُرفع، أو استغفار يُمحى به ذنب، وخُصَّ نفسك بصيَغ الأذكار الجامعة، فهي كنوز من الخير تُثقل الميزان، وتفتح أبواب الرضوان.

‏ ٦. طهّر قلبك وصفِّ سريرتك: أزل عن قلبك ثقل العداوات، وألقِ عن كاهلك أوزار الضغائن، فلعل دعوةً من قلبٍ صافٍ في هذه الليلة تغيّر مصيرك، فالصفاء الداخلي لا يُجمّل حياتك فحسب، بل يفتح لك أبوابًا من المغفرة والقبول: {وَلْيَعْفُوا۟ وَلْيَصْفَحُوٓا۟ ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22].

أخيرًا…إنها ليلة عظيمة قد تُغيّر مسارك وتكتب سعادتك، فأقبل عليها بقلب يملؤه الرجاء، ونفسٍ تفيض بالإخلاص والتقوى، تقبل اللهُ منا ومنك، ووفقك وأعانك وسددك.
حكم تخفيف الأنوار لتحصيل الخشوع في الصلاة؟

روى الخلال في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص(٨١) عن محمد بن إبراهيم عن قوم يجتمعون فيقرأ لهم القارئ قراءة حزينة، وربما أطفأوا السُّرُج، فقال [قال لي أحمد]: إن كان يقرأ قراءة أبي موسى فلا بأس”.

فتأمل كيف علَّق الإمام أحمد الأمر بخشوع القراءة وعدم تكلفها، ولم ير بأسًا في إطفاء السُّرج.

وقد ذكر أبو نُعيم في حلية الأولياء (١٠٤/٩) قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَصْقَلَةَ، قال: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدِ ابْنِ أُخْتِ الشَّافِعِي يَقُولُ: قَالَتْ أُمِّي: «رُبَّمَا قدمنا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثِينَ مَرَّةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ الْمِصْبَاحَ إِلَى بَيْنَ يَدَيِ الشَّافِعِيِّ وَكَانَ يَسْتَلْقِي، وَيَتَفَكَّرُ ثُمَّ ينَادِي: يَا جَارِيَةُ هَلُمِّي الْمِصْبَاحَ! فَتُقَدِّمُهُ وَيكْتَبُ مَا يَكْتُبُ ثُمَّ يَقُولُ ارْفَعِيهِ، فَقُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ: «مَا أَرَادَ بِرَدِّ الْمِصْبَاحِ» قال: (الظُّلْمَةُ أَجْلَى لِلْقَلْبِ!).

فانظر كيف جعل الإمام الشافعي للظلمة أثرًا في صفاء الفكر وجلاء القلب، فكيف إذا كان ذلك في مقام الصلاة والمناجاة؟! وتخفيف الضوء ليس غايةً في ذاته، لكنه وسيلة تعين على جمع القلب وإبعاده عن شواغل الحس، ليكون الحضور أتم والخشوع أعمق.

وتخفيف الإضاءة أثناء الصلاة إن كان ذلك أدعى لسكينة النفوس وحضور القلوب فلا حرج فيه، حيثُ يكون المسلم أحوج ما يكون إلى لحظة صفاء يتخفف فيها من شواغل الحس والضوضاء، وذلك يكون في المكان الذي للإنسان فيه ولاية أو انفراد، في مصلحة تقدر، وأحوال تعتبر.

فاللهم اجعل لنا نورًا في قلوبنا، وخشوعًا يورثنا حلاوة المناجاة، ومغفرةً تكتبُ لنا بها القبول والرضوان.
المسك الذي يطيبُ به الوداع!

ها هو شهرك يتهيأ للرحيل، وأيامه المباركة توشك أن تُطوى، فمن أحسن فيه فليواصل إحسانه، ومن قصَّر فليجعل ختامه جبرًا لما فات، فإنَّ الأعمال بالخواتيم.

وإنَّ الاستغفار غيث القلوب، وبلسم الأرواح، يمحو الذنوب حتى لا يبقى لها أثر، ويجبر ما تخلَّل العمل من نقص أو زلل، يقول الحسن البصري: (أكثروا من الاستغفار، فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة)، ويقول لقمان الحكيم لابنه: (يا بني، عوِّد لسانك الاستغفار، فإن لله ساعاتٍ لا يُرَد فيها سائل).

وهكذا ينبغي أن يُختَم شهر رمضان بالاستغفار، فهو المسك الذي يطيب به الوداع، وقد كان عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى يكتب إلى الأمصار يأمرهم بختم رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر، فإنَّ الفطر طُهرةٌ للصائم من اللَّغو والرفث، والاستغفار يرقَّع ما تخرَّق من الصيام بالغفلة والتقصير، وكان يقول في كتابه إليه: «قولوا كما قال أبوكم آدم عليه السلام: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، وقولوا كما قال نوح عليه السلام: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، وكما قال موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} وكما قال ذو النون عليه السلام: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}».

فيا من أقبل على الله في هذا الشهر، وذاق حلاوة الطاعة، لا تجعل ختامه إلا بما يليق بجلاله، فالأيام الراحلة تشهد، والساعات الأخيرة تُكتب، فاستودعه عملًا صالحًا يسبقك إلى يوم العرض الأكبر، وودعه بتوبة نصوح، واستغفار يفتح لك به أبواب الرضوان، والعتق من النيران، أعاده اللهُ علينا وعليكم أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، ونحنُ في صحة وعافية، وأمن وإيمان.

وداعًا لشهر كان للقلب أنسَهُ
فيا ليتَهُ دومًا علينا يعوّدُ!
◉ لماذا نُخرج زكاة الفطر؟!

حين يوشك رمضان على الرحيل، ويَهبُّ نسيم العيد مفعمًا بالفرح، يجيء وقت زكاة الفطر، كأنها قطرة نقية تُغسل بها أرواح الصائمين، وتمتد بها يد الرحمة إلى الفقراء والمساكين.

إنها رسالة وصال بين أطياف المجتمع، وهمسة عطاء، وطُهر يسكبه المرء على صيامه، لتُجبر بها زلاته، وتُزين بها عباداته، فكما أن الماء يغسل الجسد من أدرانه، فإنَّ هذه الزكاة تغسل الصيام من شوائبه، وتُرقِّع ما قد يكون شُقَّ في نسيجه من لغو أو رفث.

يقول ابن عباس رضي الله عنهما: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطُعمةً للمساكين» [أبو داود وابن ماجه]

هنا تبرز حكمة التشريع، وإظهار ركن مهم من أركان التكافل، ليكون العيد عيدًا للجميع، لا يتخلف عنه أحد بسبب حاجة أو فقر، فهي درس بديع في بناء المجتمعات على أساس المودة والتراحم، وجسر يعبر فيه الأغنياء إلى قلوب الفقراء، وها هو العيد يقترب، والقلوب تتهيأ لاستقباله، فليكن إخراج زكاة فطرك بنفس طيبة، وقطرة تروي نبتة الخير في نفسك، فطِب بها نفسًا، جعلها الله طهرةً لقلبك، ونورًا لصحيفتك، وبركةً في رزقك، ورحمةً تمتد إليك يوم تلقاه، وسببًا لأن تنال عيدًا يملؤه السرور في الدنيا، وجناتٍ عرضها السماوات والأرض في الآخرة.
عيدكم مبارك، جعله اللهُ عيدًا تتجدد به قلوبكم بالسعادة والنور، وتُزهر به أوقاتكم بالرضا والسرور، وكل عام وأنتم في نِعَمٍ لا تزول، وفرحٍ لا يحول.
◉ العيد السعيد الذي نريد!

العيدُ ليس مجرّدَ يوم تَتَزَيَّنُ فيهِ الأجسادُ بالثيابِ الجديدةِ، وتَمتَلِئُ الموائدُ بألوانِ الطيّباتِ، بل هوَ فرحةُ القلوب، ونقاءُ النفوسِ من الأحقادِ، وامتدادُ الأيدي بالخيرِ والعطاءِ.

العيدُ السعيد هوَ عيدُ من أقبلَ على اللهِ بصفاءِ قلبِه، وسلامة صدرِهِ، ورحمَتِهِ لإخوانِهِ، فالعيد ليس يومًا للحزن والجمود، وهو ليس مناسبةً عابرة، بل هو موسمٌ لإظهار السرور والسعادة حتى قال الحافظ ابن حجر: (إظهارُ السُّرورِ في الأعيادِ من شعائرِ الدِّين). [فتح الباري٤٤٣/٢].


وقد روى البخاري في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَالنَّبِيُّ ﷺ عِنْدَهَا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى، وَعِنْدَهَا قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَعَازَفَتِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ مَرَّتَيْنِ! فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ! إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ".

فليعلمِ العالَمُ كله أنَّ دينَنا ليسَ دينَ الكآبةِ والحزنِ، بل هوَ دينُ الفَرَحِ والبَهجَةِ، فافرَحُوا مَعَ أَهلِيكُم، وأظهِرُوا سُرورَكم، ولتَكُن بيوتُكُم مَليئَةً بِالحُبِّ.. وهذا اليوم تُضاءُ فيهِ القلوبُ قبلَ البيوتِ، وتصفو فيهِ الأرواحُ قبلَ الثيابِ، ويكونُ زادُهُ التقوى، وسِمتُهُ العفوُ والمحبّةُ والعطاء، فطوبى لِمَن جعلهُ عيدًا للروحِ قبلَ الجسد، وللنفسِ قبلَ المظهَر.

كل عام وأنتم إلى الله أقرب.
غرسُ الفضائل أو تيه الإهمال!

«والصبي أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌوَهُوَ قَابِلٌ لِكُلِّ مَا نُقِشَ وَمَائِلٌ إِلَى كُلِّ مَا يُمَالُ بِهِ إِلَيْهِ، فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وشاركه في ثوابه أبوه وَكُلُّ مُعَلِّمٍ لَهُ وَمُؤَدِّبٍ، وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِلَشَقِيَ وَهَلَكَ، وَكَانَ الْوِزْرُ في رقبة القيم عليه والوالي له».

|| الغزالي، إحياء علوم الدين (٧٢:٣).

حقًّا…الأجيال أمانة، والناشئة وديعة في أعناق المربين، يُنقَش في صفحات قلوبهم الطاهرة ما يُخطه الآباء والمُعلمون من الخير أو الشر، فإن أحسنوا الغرس= أينعت لهم حدائق الفضائل، وإن أساءوا السقاية، جفت الأغصان وأجدبت الثمار.

قلوبهم في بداياتها جوهرةٌ لم تُصقل، فإن طُبع عليها نور الهداية، أشرقت صفحتها، وإن غشيتها غبرة الإهمال، ران عليها الصدأ وتلاشى رونقها.

وهنا تتجلى عِظَم المسؤولية، فالصغيرُ بذرة المستقبل، وحاملُ رسالة الأمة، فإن نشأ على الخير، سعد وأسعد، وإن أُهمل ضلَّ وأضلَّ، وكان ثُلمة في بنيان المجتمع.

فيا كلَّ مُربٍّ، ويا كلَّ والد، إنما تُشكِّل الأيدي الصغيرة اليوم قادة الغد، وإن ما تُودِعه في هذه القلوب الطرية؛ ستجده في غد الأمة مجسدًا في أخلاقها وصلاحها، ونهضتها، فاحرص على الغرس، فإنَّ الزرع يُثمر ولو بعد حين.
في مساءٍ يعبق بنور العلم وتجلله هيبة الوقار والمعرفة، زرتُ في أيام العيد ومعي بعض طلبة العلم الكرام معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ في داره العامرة.

ما إن وطئت أقدامُنا مجلسه حتى تنسَّمنا أريج التواضع في محيَّاه، ورأينا في حسن استقباله وسمو أخلاقه صورةً مشرقةً للعالِم الذي جمع بين العلم والرفق، وبين الجد والسماحة.

كان الشيخُ متواضعًا متقاربًا، يؤنس الجليس، ويرحب بالضيف، رغم أنه كان مجلس معايدة ومحادثة في بهجة العيد، إلا إنه كان عامرًا بالنفع، زاخرًا بالعلم والعطاء، لم يكن مجرد لقاءٍ عابرٍ للمجاملة، بل كان ميدانًا تُبسط فيه المسائل، وتُثار فيه الفوائد، وتُروى فيه العقول؛ وهذا إن دلَّ، فإنما يدل على محبة الشيخ للعلم وأهله، وحرصه على نشر الفائدة حتى في لحظات الأنس والمودة، فيكون معه حيثما كان، مُعلِّمًا ومُرشِدًا، يبذل العلم كما يبذل التحيّة، فتغدو مجالسه رياضًا للعقول، ومواسم خيرٍ لطالب الفائدة.

خرجنا من مجلسه ونحن نحمل من العلم ما يُضيء دروبنا، ومن الأدب ما يُقوِّم سلوكنا، ومن التواضع ما يُلهم نفوسنا، فجزاه الله عن العلم وأهله خير الجزاء، وأمدَّ في عمره على طاعته.
في قوله تعالى: ﴿ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون﴾.

فسَّر ابن عباس رضي الله عنهما الألم هنا: بـ(الوجع) وجاء في تفسير الإمام الطبري لهذه الآية أن المعنى: أي لا تضعفوا في طلب القوم، فإنكم إن تكونوا تتوجعون، فإنهم يتوجعون كما تتوجعون، وترجون من الله -من الأجر والثواب- ما لا يرجون.
2025/06/14 09:13:49
Back to Top
HTML Embed Code: