Telegram Group Search
الأصل في أسماء كتب التراث المسجوعة أنها ليست مجرد تقفية باردةٍ مُتكلّفة في الفواصل؛ بل كثيرٌ منها عبقريّ حَسَنٌ تنطوي تحته خبايا الكتاب، وفهمها من تمام فهمه.
التهنئات اللطيفة والدعوات الحسنة للناس في شتى المناسبات المتعاقبة؛ من محاسن الأخلاق والشيم، وانتهازها شدٌّ لأواصر الإخاء بمتين العصم، وهو عمل بعموم ﴿وَقولوا لِلنّاسِ حُسنًا﴾.

وردُّ هذه التحايا والتهنئات بمثلها أو بأحسن منها دماثةُ وسماحة، وأبئِس بتعمد تجاهلها من جفاءٍ مذموم؛ ويكفيك أن نهج سبيل الكلمة المستطابة إرشادٌ من الله وتسديد؛ ﴿وَهُدوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَولِ وَهُدوا إِلى صِراطِ الحَميدِ﴾.
لأحمد شوقي:

دنياك من عاداتها
ألّا تكون لأعزلِ

أو للغبيّ وإن تعلّل
بالزمان المقبلِ

جُعِلَت لحُرّ يُبتلى
في ذي الحياة ويبتلي

يُرمى ويرمي في جهاد
العيش غيرَ مغفّلِ

مستجمعٍ كالليث إن
يُجهل عليه يَجهلِ

وفي أخرى:

ثِق بما شئت من زمانك إلا
صُحبةَ العيش، أو جوارَ السلامَةْ
للشريف الرضي:

قِفْ موقفَ الشكِّ؛ لا يأسٌ، ولا طمعُ
‏وغالِطِ العيشَ؛ لا صبرٌ، ولا جزَعُ

‏وخادعِ القلبَ؛ لا يُودِ الغليلُ به
‏إنْ كان قلبٌ على الماضينَ يَنخدِعُ

‏وكاذِبِ النفسَ؛ يَمتَدّ الرجاءُ لها
‏إنّ الرجاءَ بصدقِ النفسِ ينقطعُ
رُوي عن أبي مسعود الأصبهاني أنه قال: "لم نزل نسمع شيوخنا يذكرون أشياء في الحفظ -يعني: مما يعين عليه- فأجمعوا أنه ليسَ شيء أبلغ فيه إلا كثرة النظر". يعني كثرة قراءة الكتب.
وأبو مسعود هذا من كبار حفاظ الأمة، وأقروه على حفظه وهو شاب أمرد له ثمان عشرة سنة، وكان أحمد بن حنبل معجبا به ويقدمه ولا يساوي به أحدًا في الحفظ.

ورُوي عن البخاري -وهو غني عن ذكر شأوه في الحفظ- أنه سئل عن جدوى البلاذُِر؛ وهو الكاجو تُعصر ساقه ويظنون عصارتها مفيدةً للذاكرة؛ فأرشدهم إلى إدامة النظر في الكتب.

وهذان الحافظان لم يبلغا ما بلغاه إلا بأن كانت هجّيراهم ما ذكراه من الانكباب على المطالعة بعد فضل الله .. فإذا تأبّى عليك حفظ شيء؛ فاستعض عنه بتَكرار قراءته المرة بعد المرة، وليكن ذلك دأبُك، ولا يثبطنك نفار الحفظ بادئَ الأمر عن ذلك فالأمر يستعصي ثم يرجع هيّنًا، واصبر على ما تحاول؛ فإنه ما أدرك المأمولَ مثلُ صبورِ.
اخشَ مهزولَ الكلام ومرذولَه كخشية نصول السهام، بل أشدّ خشية؛ "فإن المعنى الحقير الفاسد، والدنيّ الساقط، يُعشّش في القلب ثم يبيض ثم يفرّخ، فإذا ضرب بجرانه، ومكّن لعروقه؛ استفحل الفساد وبزل، وتمكّن الجهلُ وقَرَح، وعند ذلك يقوى داؤه ويمتنع دواؤه .. لأنّ اللفظ الهجين الردي، والمستكره الغبيّ؛ أعلق باللسان وآلف للسمع وأشد التحامًا بالقلب من اللفظ النبيه الشريف، والمعنى الكريم الرفيع.

ولو جالستَ الجهال والنوكى، والسخفاء والحمقى شهرًا فقط؛ لم تنقَ من أوضار كلامهم وخبال معانيهم .. ولو بمجالسة أهل البيان والعقل دهرا؛ لأن الفساد أسرع إلى الناس وأشد التحامًا بالطبائع".

فانتخل لقلبك ما يعيه، وانتخب لأذنك ما تسمعه، فليس بينك وبين تسخيم ذوقك وتوهين بيانك أكثر من ترك التَّخَير.
الحمد لله تنشّقنا نسيمَ شهر الرحمة وأظلنا وَارِفُه! أعاننا الله على صيام أيّامه والصبرِ على رمضائها، وذَلَّلَ لنا إحياءَ لياليه وجعلنا من عتقائها، وبارك لنا في مقدمه، وبشرنا بنفحات القبول عند مُختتمه.
الحمد لله على بلوغ ذروة الشهر الكريم؛ لا كَبَتْ أعمالُكم عن مِرقاة القبول، ولا حادت عن ظُلَل مضاعفة الأجور، وكل عام وأسبابُ هنائكم ممدودة، وأيام أفراحكم منضودة، وجعل الله عيدكم عيدَ يُمنٍ وبركات.
فيكِ القوافي ومن عينيكِ أرويها
يا غُرة الغيدِ .. ها روحي؛ فهنّيها

أنتِ التفاتةُ عيدي إن أطلّ أيا
من افتديتُها بالدنيا وما فيها .. ♥️

وكلّ عامٍ وأنتِ: ديمةٌ هطلت
على حياتيَ فاخضرّت نواحيها
لامرأة أسديّة:

بنفسيَ من أهوى وأرعى وصالَه
وتُنقض مني بالمغيبِ وثائِقُهْ

حبيبٌ أبى إلا اطّراحي وبِغضتي
وفضّله عندي على الناس خالِقُهْ
يروى فيما يروى من أحاديث الشعراء أن البحتري قال عن نفسه: "كنت في حداثتي أروم الشعر، وكنت أرجع فيه إلى طبع سليم، ولم أكن وقفت له على تسهيل مأخذ ووجوه اقتضاب، حتى قصدت أبا تمام وانقطعت إليه واتكلت في تعريفه عليه، فكان أول ما قال لي: يا أبا عبادة تخير الأوقات، وأنت قليل الهموم صفر من الغموم، واعلم أن العادة في الأوقات، إذا قصد الإنسان تأليف شيء أو حفظه أن يختار وقت السحر".

وهذا من أبي تمّام حُسن طوية وتمام سجية وخُلُق عال؛ إذ لم يضن على تلميذه بما يفعله في خاصة نفسه ويستعين به على افتعال شعره، فله من بائية:

يا خاطبًا مدحي إليه بجوده
ولقد خطبت قليلة الخُطّاب

خذها ابنة الفكر المهذّب في الدجى
والليل أسود رقعة الجلبابِ

فهو يمتدح قصيدته بأنها وليدة الأفكار المهذبة في هدأة الليل البهيم.

وكان محمود شاكر إذا استبهم عليه نفاذ الرأي: عدل بأفكاره إلى جنح الليل؛ لأنه أحصن لها وأجمع، يقول: "فإذا كان الليلُ، وهدأتِ النائرةُ، وأوى الناسُ إلى مضاجِعهم، واستكنت عقاربُ الحياةِ في أجحارِها، تفلتُّ من مكاني إلى غرفتي أُسدِلُ ستائرها وأغلِّقُ أبوابها ونوافذها، وأصنعُ لنفسي ليلًا مع الليل، وسكونا مع السكون، ثم أقعد متحفزا متجمعًا خاشِعًا أملأ عيني من ظلام أسود، ثم أدعُ أفكاري وعواطفي وأحلامي تتعارف بينها ساعة من زمان، حتى إذا ماجت النفس موجها بين المد والجزر، ثم قرَّت وسكنت، وعاد تيارها المتدفق رهوًا ساجيًا كسعادة الطفولة، دلفت إلى مكتبي أستعين الله على البلاء".
"إنك سائلي عمن تعاشره وتُخلص إليه، وتشتمل بسرك وعلانيتك عليه. وليس أحد أقمن بذاك منك إلا مَن إذا لم تكن لنفسك كان لك، وإذا كنت لنفسك كان معك؛ يجلو صدأ جهلك بعلمه، ويحسم مادة غيك برشده، وينفي عنك غش صدرك بنصحه، اصحب من إن قُلتَ صدقك، وإن سكتّ عذرك، وإن بذلت شكرك، وإن منعت سلم لك.

ولا تستبعدنّ وقوع من هذا نعته في البشر، وابدأ بنفسك وكن على ذاك؛ تجده على ذاك، ويجدك هو على ذاك .. وإنك لآخذ من الغرور بمجامعه إذا أحببتَ أن يكون غيرك لك، ولم تحب أن تكون أنت لغيرك".
ليس وقتٌ أحرى بربط الجأش وتقوية العزائم من هذا الوقت، فلا تأسَوا، ولا تجزعوا ﴿وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾.

ولا يذهبّن بكم الحزن كل مذهب، فإنما كان ما كان ﴿لِيَعلَمَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمينَ ۝ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَمحَقَ الكافِرينَ﴾.

وإيّاكم أن يتملك الإياسُ من قلوبكم، وأن يقعد بكم الشعور بالعجز حيثُ أنتَم، فإنه وإن قصرت الأيادي عن غرس الخناجر؛ لم تخرس عن الدعاء الحناجر .. والدعاء ما الدعاء! وهل نسيتم ﴿إِذ تَستَغيثونَ رَبَّكُم فَاستَجابَ لَكُم﴾؟!

فيا رب إليك لا إلى غيرك المفزع، وبك لا بسواك الأمن، ومنك لا من عَداك النصرة .. اللهم اقطع دابر اليهود واستأصل شأفتهم وفرق كلمتهم، واقصم قامتهم وعجل بدمارهم؛ اللهم شردهم في البلاد، واجعلهم عبرة للحاضر والباد، وأهلكهم بما أهلكت به ثمود وعاد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، إنك لهم لبالمرصاد.
رأيتُ فيما يرى اليقظانُ أُمَّتَنَا
قد سيمت الخسفَ، والتقتيلَ، والسَّبْيَا

فرُحتُ أطلبُ نومًا -غاب أيسرُه
عني- كراهةَ أن أَسْتَتْمِمَ الرُّؤْيَا

قال المفسّرُ لي: ذي بدعةٌ حَدَثَتْ ..
أمُسْلِمٌ يكره الإذلالَ والخِزيا؟!
"هل كلما عصفت بالشعب عاصفةٌ
هوجاء نستصرخ القرطاس والقلما؟!

ما سرّني ومضاء السيف يعوزني
أني ملكت لسانًا نافثا ضَرِما

دمٌ يفور على الأعقاب فائرهُ
مهانةٌ أرتضي كفوًا له الكَلِمَا



يا أمةً لخصوم ضدها احتكمت
كيف ارتضيتِ خصيما ظالما حكما؟!

بالمدفع استشهدي إن كنت ناطقةً
أو رمتِ أن تُسمعي من يشتكي الصمما

وبالمظالم ردي عنك مظلمةً
أو لا .. فأحقر ما في الكون من ظُلما

سلي الحوادث والتاريخ هل عرفا
رأيا وحقا بغير القُوّة احتُرما؟!

لا تطلبي من يد الجبّار مرحمة
ضعي على هامةٍ جبّارةٍ قَدَمَا!"..
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَعينوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرينَ﴾

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر (أي اشتد عليه) فزع إلى الصلاة.

وكان يدعو عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم.

وكان من جملة دعائه على الأحزاب: اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم.

ودعا يوم أُحد: اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق.

وقصّ الله عز وجل في كتابه أنه ﴿قالَ موسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيتَ فِرعَونَ وَمَلَأَهُ زينَةً وَأَموالًا فِي الحَياةِ الدُّنيا رَبَّنا لِيُضِلّوا عَن سَبيلِكَ رَبَّنَا اطمِس عَلى أَموالِهِم وَاشدُد عَلى قُلوبِهِم فَلا يُؤمِنوا حَتّى يَرَوُا العَذابَ الأَليمَ﴾.

وكان من دعاء خبيب بن عدي على المشركين: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق (وفي رواية: ولا تغادر) منهم أحدا.
ربنا، إنّا عبيدك ونواصينا بيدك، وإنّا ضعفاء وأنت القويّ، وإنّا فقراء وأنت الغنيّ، لا حول لنا إلا بك، ولا قوة فينا إلا بك، نشكو إليك قلة حيلتنا، وتكالب الأعداء علينا، وعجزنا عن نصرة إخواننا.

ربنا، ليس بماضٍ فينا إلا حكمك، وليس بمغنٍ عنا شيء إلا عونك، فأيّد إخواننا بنصر من عندك، واكلأهم برعايتك، وأنجهم، والطف بهم، واحفظ عوراتهم، وآمن روعاتهم، واشرح صدورهم، وثبت أقدامهم، وارزقهم السكينة يا لطيف، يا رحيم.
ورد في الصحاح أنّ هرقلَ سأل أبا سفيان بن حرب عن قتالهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأجابه: أن الحرب سِجَال ودُوَل؛ ينال منهم وينالون منه .. فقال هرقل: فكذلك الرُّسل؛ تُبتلى ثم تكون لهم العاقبة.

فأبشروا بعقبى الخير ما تمسّكنا بالرسالة، ونحن الأعلون وإن دالت دولة الأسافل ظاهرًا، فهذه سنة الله مذ برأ الخليقةَ وتدافعَ الحقُّ والباطل.

ولا يعزبنّ عنكم أن المسلمَ مفتّلُ ربطِ الجأش عند النوائب، راسخُ القدم لا تقلّبه الأحزانُ ذات اليمين وذات الشمال؛

"ونفس الحُرّ تثبت للعوادي
وإن كانت ممزّعة الأديمِ

فما تدري الثباتَ سوى الرواسي
ولا تذرو الرياحُ سوى الهشيمِ".

والله غالب على أمره.
2024/03/28 16:02:08
Back to Top
HTML Embed Code: