Telegram Group Search
#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
______
د.راغب السرجاني
[1] انظر: ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص123، والسلاوي: الاستقصا، 2/7.
[2] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 31/80.
[3] القاضي عياض: ترتيب المدارك، 2/64.
[4] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/302.
[5] المقصود هنا فرع من نهر النيجر، ولا علاقة له بالنيل الذي في مصر والسودان، وقد كان يُعرف هذا النهر في ذلك الوقت باسم النيل.
[6] الضحضاح: الماء القليل وقريب القعر يكون في الغدير وغيره. انظر: الجوهري: الصحاح، باب الحاء فصل الضاد 1/385، وابن منظور: لسان العرب، مادة ضحح 2/524، والمعجم الوسيط 1/534.
[7] الغَمْر: الماء الكثير الذي يعلو ويغطي الأماكن. انظر: الجوهري: الصحاح، باب الراء فصل الغين 2/772، وابن منظور: لسان العرب، مادة غمر 5/29، والمعجم الوسيط 2/661.
[8] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 6/183
[9] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص125، وابن الخطيب: أعمال الأعلام، القسم الثالث، ص227، والسلاوي: الاستقصا، 2/8.
[10] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 6/183.
[11] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص125، وما بعدها، والسلاوي: الاستقصا 2/8.
[12] انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة ربط 7/302.
[13] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب فضل رباط يوم في سبيل الله 2735، والترمذي 1664، وأحمد 22923، والبيهقي 17665.
[14] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 7/129.
[15] ابن الأثير: الكامل، 8/331، والبيتان نُسِبَا لأبي محمد بن حامد الكاتب، انظر: السلاوي: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى 2/4.
[16] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/302، 303.
[17] ابن الأثير: الكامل 8/328.
[18] سبق أن ذكرنا أن لمتونة وجدالة كانتا القبيلتين القويتين والكبريين في هذه المنطقة من المغرب الأقصى، ويمكن تقريب الصورة لدى القارئ باستحضاره ما كان بين الأوس والخزرج قبل الإسلام.
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
للاطلاع على الأجزاء السابقة:
*https://www.tg-me.com/اقرأ التاريخ/com.iqra_history*
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
#التاريخ_الإسلامي
#قصة_الأندلس
#التاريخ_الأندلسي
#الفردوس_المفقود
#تاريخ_سِيَر_تراجم_أخبار
#اقرأ_التاريخ
*قصة الأندلس من الفتح حتى السقوط*
الحلقة (94)

*عصر المرابطين*

*يوسف بن تاشفين أمير المسلمين وقائد المرابطين*

*أبو بكر بن عمر اللمتوني* 480هـ=1087م
بعد الشيخ عبد الله بن ياسين يتولَّى الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني زعامة المرابطين في سنة (451هـ=1059م)، وقد جُمعت له الزعامة الدينية والسياسية، فلقد كان من علماء المرابطين، وفي خلال سنتين من زعامته لهذه الجماعة الناشئة يكون قد ظهر في التاريخ ما يُعرف بدويلة المرابطين، وأرضها آنذاك شمال السنغال وجنوب موريتانيا، وهي بعدُ لا تكاد تُرى على خريطة العالم.

*فتنة بين جدالة ولمتونة*
وفي سنة (453هـ=1061م) بعد سنتين من تولِّي الشيخ أبي بكر بن عمر اللمتوني زعامة المرابطين، يَسْمَع بخلاف قد نشب بين جدالة ولمتونة وأصبح فتنة، ومن المؤرخين من يقول: إن الفتنة كانت بين مسوفة ولمتونة. فتوجَّه أبو بكر بن عمر اللمتوني بقسم من المرابطين ليحلَّ الخلاف بين المتصارعين هناك، تاركًا زعامة المرابطين لابن عمِّه يوسف بن تاشفين.

*الدعوة إلى الإسلام*
وبعد أن استطاع أبو بكر بن عمر اللمتوني أن يحلَّ الخلاف ويطفئ نار الفتنة التي اشتعلت، إذا به يتوجه إلى السودان -وهي المناطق الجنوبية للمغرب العربي- ليدعو أهل هذه المناطق إلى الإسلام، ولقد وجد قبائل وثنية لا تعبد الله بالكلية، وجدها تعبد الأشجار والأصنام وغير ذلك، وجد قبائل لم يصل إليها الإسلام قط.

أقبل الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني بسبعة الآلاف الذين معه يُعَلِّمُونهم الإسلام ويُعَرِّفُونهم دين الله، وبصبرٍ شديدٍ ظلَّ أبو بكر بن عمر اللمتوني يدعوهم إلى الإسلام، فدخل منهم جمع كثير وقاومه جمع آخر؛ ذلك أن أهل الباطل المستفيدين من وجود الأصنام لا بُدَّ أن يحافظوا على مصالحهم؛ فالتقى معهم في حروب طويلة.

ظلَّ الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني يتوسَّع في دعوته، ويتنقل من قبيلة إلى قبيلة، وفي سنة 468هـ=1076م وبعد خمس عشرة سنة كاملة من تركه جنوب موريتانيا وهو زعيم على دويلة المرابطين، يعود رحمه الله بعد مهمَّة شاقَّة في سبيل الله تعالى يدعو إلى الله على بصيرة، فيدخل في دين الله مَنْ يدخل، ويحارب مَنْ صدَّ الناس عن دين الله عزَّ وجل حتى يَرُدَّه إلى الدين، أو يَصُدَّه عن صَدِّه.

*لقد كان أبو بكر بن عمر من أعظم قادة المرابطين، وأتقاهم وأكثرهم ورعًا ودينًا، وحبًّا للشهادة في سبيل الله، وساهم في توحيد بلاد المغرب، ونشر الإسلام في الصحارى القاحلة وحدود السنغال والنيجر، وجاهد القبائل الوثنية حتى خضعت وانقادت للإسلام والمسلمين، ودخل من الزنوج أعداد كبيرة في الإسلام، وساهموا في بناء دولة المرابطين الفتيَّة، وشاركوا في الجهاد في بلاد الأندلس، وصنعوا مع إخوانهم المسلمين في دولة المرابطين حضارة متميِّزة*[1].

*يوسف بن تاشفين* "400-500هـ= 1009-1106م".
يصفه الذهبي في سير أعلام النبلاء فيقول: كان ابن تاشفين كثير العفو، مقرّبًا للعلماء، وكان أسمر نحيفًا، خفيف اللحية، دقيق الصوت، سائسًا، حازمًا، يخطب لخليفة العراق[2].

ووصفه ابن الأثير في (الكامل في التاريخ) بقوله: كان حليمًا كريمًا، دَيِّنًا خَيِّرًا، يُحِبُّ أهل العلم والدين، ويحكِّمهم في بلاده، ويبالغ في إكرام العلماء والوقوف عند إشارتهم، وكان إذا وعظه أحدُهم خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبُه لها، وظهر ذلك عليه، وكان يُحِبُّ العفو والصفح عن الذنوب العظام[3].

ولم تكن دولة المرابطين التي تركها الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني في يد ابن عمه يوسف بن تاشفين قد استقرت بعد؛ لذا أوصى أبو بكر خليفته على الدولة بقتال بني يفرن وزناتة ومغراوة؛ وهم القوى الثلاث الرئيسة التي تُناوئ المرابطين[4].

*نظر يوسف بن تاشفين في شمال موريتانيا (المنطقة التي تعلوه) وفي جنوب المغرب العربي فرأى من حال البربر -الذين يعيشون في هذه المنطقة وبالتحديد في سنة (453هـ=1061م) - أمورًا عجيبة؛ منها*:

*قبيلة غمارة*
هي من قبائل البربر وقد وُجِد فيها –قبل أكثر من مائة عام من ذلك الوقت- رجلاً يُدعى حاميم بن من الله يَدَّعي النبوة، والغريب أنه لم يُنكر نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل قال: إنه نبي على دين الإسلام. ثم أخذ يُشرِّع للناس شرعًا جديدًا، وهم يَتَّبِعُونه في ذلك، ويظنُّون أن هذا هو الإسلام[5].

وقد فرض حاميم بن من الله على قبيلته صلاتين فقط في اليوم والليلة؛ إحداها في الشروق والأخرى في الغروب، وبدأ يُؤَلِّف لهم قرآنًا بالبربرية، ووضع عنهم الوضوء، ووضع عنهم الطُّهر من الجنابة، كما وضع عنهم فريضة الحج، وحرَّم عليهم أكل بيض الطيور، وأحلَّ لهم أكل أنثى الخنزير، وأيضًا حرَّم أكل السمك حتى يُذبح[6]، وإنه لخلطٌ وسَفه بَيِّنٌ خاصة حين يَدَّعِي أنَّه من المسلمين، كما أنه من العجب أن يَتَّبِعَه الناس على هذا الأمر، ويعتقدون أن هذا هو الإسلام[7].
*قبيلة برغواطة*
هي قبيلة أخرى من قبائل البربر في تلك المنطقة، على رأسها كان رجل يُدعى صالح بن طريف بن شمعون[8]، وقد ادَّعى-ذلك الذي لم يكن بصالح- النبوة، وفرض على الناس خمس صلوات في الصباح وخمسًا في المساء، وفرض عليهم وضوء المسلمين نفسه، بالإضافة إلى غسل السرة وغسل الخاصرتين، كما حرم عليهم الزواج من بنات أعمامهم، وجوَّز لهم الزواج بأكثر من أربعة، ومع كل هذا فقد كان يَدَّعي أنه من المسلمين[9].

وكان الأمير على برغواطة أيام ظهور المرابطين أبا حفص عبد الله من أحفاد صالح بن طريف، وقد بدأ المرابطون بحربهم في أيام الشيخ عبد الله بن ياسين وقد قُتل الشيخ في حروبهم، فلما مات أوصى المرابطين باستكمال حربهم وبألاَّ يَهِنُوا في حربهم أو يجبنوا، وبمجرَّد أن واراه أبو بكر بن عمر عاد لحرب برغواطة، ولم يتركهم الأمير أبو بكر إلاَّ بعد أن هزمهم شرَّ هزيمة.

*قبيلة زناتة*
كانت قبيلة زناتة من القبائل السنية في المنطقة، وقد تفشَّى فيهم الظلم، فكانوا يسلبون وينهبون مَنْ حولهم، والقوي فيهم يأكل الضعيف، ويجمل حالهم قول السلاوي: «استبد أمراء الأطراف وملوك زناتة بالمغرب كلٌّ بما في يده، وعُدم الوازع، وتصرَّفوا في الرعايا بمقتضى أغراضهم وشهواتهم»[10].

وكذلك كانت الحروب قد بدأت بين المرابطين والزناتيين من أيام عبد الله بن ياسين، وقد استطاع المرابطون فرض سيطرتهم على الكثير من مناطق زناتة في عهد عبد الله بن ياسين أيام يحيى بن عمر وأخيه أبي بكر، وظلَّ أبو بكر على حرب زناتة وبطونها، وفرض سيطرته على أراضيهم بعد موت الشيخ ابن ياسين، وقد أوصى أبو بكر يوسفَ باستكمال حربهم، وألاَّ يتوقَّف عن ذلك.

كان من هذا القبيل الكثير والكثير الذي يكاد يكون قد مرق من الدين بالكلية، وقد كانت هناك قبيلة أخرى تعبد الكبش وتتقرَّب به إلى ربِّ العالمين، وبالتحديد في جنوب المغرب، تلك البلاد التي فتحها عقبة بن نافع ثم موسى بن نصير[11].

*يوسف بن تاشفين وصناعة الدولة*

شقَّ ذلك الوضع كثيرًا على يوسف بن تاشفين -رحمه الله، فأخذ جيشه –الذي كان قد بلغ أربعين ألفًا([12])- وانطلق إلى الشمال وحاربته كل القبائل الأخرى في المنطقة، حتى حاربته قبيلة زناتة السُّنِّيَّة، وبمرور الأيام بدأ الناس يَتَعَلَّمُون منه الإسلام، ويدخلون في جماعته المجاهدة[13].

وبعد رجوع الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني في سنة (468هـ=1076م) وبعد خمس عشرة سنة من الدعوة - كما ذكرنا - في جنوب السنغال وأدغال إفريقيا، يرى يوسفَ بن تاشفين -رحمه الله- الذي كان قد تركه على شمال السنغال وجنوب موريتانيا فقط في سنة (453هـ=1061م) يراه أميرًا على السنغال بكاملها، وموريتانيا بكاملها، والمغرب بكاملها، والجزائر بكاملها، وتونس بكاملها، وعلى جيش يصل إلى مائة ألف فارسٍ غير الرجَّالة، يرفعون راية واحدة ويحملون اسم المرابطين.

وجد أبو بكر بن عمر اللمتوني كذلك أن هناك مدينة قد أُسست على التقوى لم تكن على الأرض مطلقًا قبل أن يغادر، وتلك هي مدينة مَرَّاكُش، والتي أسسها الأمير يوسف بن تاشفين، وكان أول بناء له فيها هو المسجد الذي بناه بالطين والطوب اللبن، تمامًا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحمل بنفسه الطين مع الناس تشبُّهًا -أيضًا- بالرسول[14]، وهو الأمير على مائة ألف فارسٍ[15].

*وكذلك وجد الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني رجلاً قد أسس دولة لم تُعرف في المنطقة منذ سنوات وسنوات، ثم هو بعد ذلك يراه زاهدًا متقشِّفًا ورعًا تقيًّا، عالمًا بدينه، طائعًا لربه، فقام الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني بعملٍ لم يحدث إلاَّ في تاريخ المسلمين فقط، حيث قال ليوسف بن تاشفين: أنت أحقُّ بالحكم مني؛ أنت الأمير، فإذا كنتُ قد استخلفتُك لأجلٍ حتى أعود، فإنك تستحقُّ الآن أن تكون أميرًا على هذه البلاد، أنت تستطيع أن تجمع الناس، وتستطيع أن تملك البلاد وتنشر الإسلام أكثر من ذلك، أمَّا أنا فقد ذقت حلاوة دخول الناس في الإسلام، فسأعود مرَّة أخرى إلى أدغال إفريقيا أدعو إلى الله هناك*.

*أبو بكر بن عمر اللمتوني رجل الجهاد والدعوة*
نزل الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني –رحمه الله- مرَّة أخرى إلى أدغال إفريقيا يدعو من جديد، فأدخل الإسلام في غينيا بيساو جنوب السنغال، وفي سيراليون، وفي ساحل العاج، وفي مالي، وفي بوركينا فاسو، وفي النيجر، وفي غانا، وفي داهومي، وفي توجو، وفي نيجيريا وكان هذا هو الدخول الثاني للإسلام في نيجيريا؛ حيث دخلها قبل ذلك بقرون، وفي الكاميرون، وفي إفريقيا الوسطى، وفي الجابون.

*يوسف بن تاشفين أمير المسلمين وقائد المرابطين*
فكانت أكثر من خمس عشرة دولة إفريقية قد دخلها الإسلام على يدِ هذا المجاهد البطل الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني رحمه الله، هذا الرجل الذي كان إذا دعا إلى الجهاد في سبيل الله - كما يذكر ابن كثير في البداية والنهاية - كان يقوم له خمسمائة ألف مقاتل؛ أي: نصف مليون من المقاتلين الأشداء، غير مَنْ لا يقومون من النساء والأطفال، وغير بقية
الشعوب في هذه البلاد من أعداد لا تُحْصَى قد هداها الله على يديه.

وما من شَكٍّ أنه كلما صَلَّى رجل صلاة في النيجر أو في مالي أو في نيجيريا أو في غانا، وكلما فعل أحد منهم من الخير شيئًا أُضيف إلى حسنات الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني ومَنْ معه رحمهم الله.

*استشهاد أبي بكر بن عمر اللمتوني*
ويذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية، فيقول: «أبو بكر بن عمر أمير الملثَّمِينَ، كان في أرض فرغانة، اتَّفَقَ له من الناموس[16] ما لم يَتَّفق لغيره من الملوك، كان يركب معه إذا سار لقتال عدوٍّ خمسمائة ألف مقاتل، كلٌّ يعتقد طاعته، وكان يُقيمُ الحدود ويحفظ محارم الإسلام، ويحوط الدين، ويسير في الناس سيرة شرعية، مع صحَّة اعتقاده ودينه، وموالاة الدولة العباسية، أصابَتْه نُشَّابَةٌ في بعض غزواته في حلقه فقتلتْه...» [17]. ثم ها هو ذا –رحمه الله- وبعد حياة طويلة متجرِّدة لله تعالى يستشهد في إحدى فتوحاته في سنة 480هـ=1087م.

*يوسف بن تاشفين أمير المسلمين وناصر الدين*
كانت بداية حديثنا عن تاريخ المرابطين هي سنة (440هـ=1048م) وكانت البداية برجل واحد فقط هو الشيخ عبد الله بن ياسين، والآن بعد ثمانٍ وثلاثين سنة فقط، وتحديدًا في سنة (478هـ=1085م) يُصبح يوسف بن تاشفين -رحمه الله- زعيم هذه الدولة العظيمة، ويُسَمِّي نفسه: أمير المسلمين وناصر الدين، وحين سُئِل لماذا لا تتسَمَّى بأمير المؤمنين؟ أجاب: «حاشا لله أن نتسمَّى بهذا الاسم، إنما يتسمى به خلفاء بني العباس؛ لكونهم من تلك السلالة الكريمة؛ لأنهم ملوك الحرمين: مكة، والمدينة، وأنا رجلهم، والقائم بدعوتهم»[18].

كان العباسيون في هذه الفترة لا يملكون سوى بغداد فقط، وكان يوسف بن تاشفين يُريد للمسلمين أن يكونوا تحت راية واحدة، ولم يُرِد –رحمه الله- أن يشقَّ عصا الخلافة العباسية، ولا أن ينقلب على خليفة المسلمين، وكان يتمنَّى أن لو استطاع أن يضمَّ قوَّته إلى قوَّة الخليفة العباسي هناك، ويُصبح رجلاً من رجاله في هذه البلاد؛ فقال مجمِّعًا مؤمِّلاً: وأنا رجلهم في هذا المكان. وهذا هو الفقه الصحيح، والفهم الشامل للإسلام.
#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
______
د.راغب السرجاني
[1] الصلابي: دولة المرابطين، ص63.
[2] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 19/253.
[3] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 9/99.
[4] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص134، وابن الخطيب: أعمال الأعلام القسم الثالث، ص232، والسلاوي: الاستقصا، 2/22.
[5] ظهر هذا الرجل- وكان اسمه حاميم- سنة 313هـ، وأرسل إليه عبد الرحمن الناصر رحمه الله مَنْ قتله سنة 315هـ، ويذكر المؤرخون أن أتباعه عادوا إلى الإسلام بعد قتله، على أن ابن خلدون يذكر أن قد تنبَّأ بعده رجل آخر من غمارة، ولم يذكر تاريخ ذلك، وأنهم حتى أيام ابن خلدون كانوا يمارسون السحر، وقد ذكروا الكثير من بدع حاميم هذا.
[6] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص99.
[7] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص98، 99، وتاريخ ابن خلدون، 6/216، والسلاوي: الاستقصا، 1/148، 249.
[8] ظهر صالح بن طريف هذا في أيام هشام بن عبد الملك وادعى النبوة كأبيه، وشمعون هذا ليس هو جده الأدنى، وإنما يقولون: إن أباه كان يهوديًّا من حصن برباط بالأندلس، وأنه من ولد شمعون بن يعقوب u.
[9] انظر: ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص132، وتاريخ ابن خلدون، 6/207، والسلاوي: الاستقصا، 2/18.
[10] السلاوي: الاستقصا، 2/12.
[11] العبادي: دراسات في تاريخ المغرب والأندلس، ص291، نقلاً عن الصلابي: دولة المرابطين، ص59.
[12] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص138
[13] ابن الخطيب: أعمال الأعلام، القسم الثالث، ص234، والسلاوي: الاستقصا، 2/23.
[14] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص138، والسلاوي: الاستقصا، 2/25.
[15] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص139، والسلاوي: الاستقصا، 2/27.
[16] الناموس: صاحب سرِّ الخير، وصاحب سر الملِك، أو الرجل الذي يطلعه على سِرِّه وباطن أمره ويخصه بما يستره عن غيره، ابن منظور: لسان العرب، مادة نمس 6/243.
[17] ابن كثير: البداية والنهاية، 12/165.
[18] مجهول: الحلل الموشية ص29. وبعض المصادر -كابن أبي زرع في روض القرطاس ولسان الدين بن الخطيب في أعمال الأعلام والإحاطة- تذكر أنه اتخذ هذا اللقب بعد نصر الزلاقة في سنة 479هـ.
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
للاطلاع على الأجزاء السابقة:
*https://www.tg-me.com/اقرأ التاريخ/com.iqra_history*
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
#التاريخ_الإسلامي
#قصة_الأندلس
#التاريخ_الأندلسي
#الفردوس_المفقود
#تاريخ_سِيَر_تراجم_أخبار
#اقرأ_التاريخ
*قصة الأندلس من الفتح حتى السقوط*
الحلقة (95)
*عصر المرابطين*

*يوسف بن تاشفين والعبور إلى الأندلس*

*سقوط طليطلة والاستعانة بالمرابطين*

في سنة (478هـ=1085م) كانت قد سقطت طليطلة، ومنذ سقوطها في ذلك التاريخ لم تَعُدْ إلى المسلمين، ثم حوصرت إشبيلية؛ مع أنها كانت تقع في الجنوب الغربي للأندلس وبعيدة عن مملكة قشتالة النصرانية التي تقع في الشمال، ثم كاد المعتمد بن عباد أن يحدث معه مثلما حدث مع بربشتر أو بلنسية لولا أن مَنَّ الله عليه بفكرة الاستعانة أو التلويح بالاستعانة بالمرابطين.

ويبدو أن فكرة الاستعانة بالمرابطين كانت فكرة شعبية خرجت أول ما خرجت من العلماء والمشايخ، وتلقاها العامة بالقبول والتأييد، ثم صارت مطلبًا عامًّا، ونداء متكررًا يجد الدعم الشعبي، ويوحى به عند الأمراء، ومن الواضح -أيضًا- أنها بدأت من قبل سقوط طليطلة بأعوام، ولو أن ملوك الطوائف امتلكوا مثل هذا الوعي الشعبي لكانوا قد منعوا سقوط طليطلة، وما لحقهم من الذل قبلها وبعدها.

يُورد النويري أنه قد «بلغ مشايخ قرطبة ما جرى، فاجتمعوا بالفقهاء وقالوا: هذه مدائن الأندلس قد غلب عليها الفرنج، ولم يبقَ منها إلاَّ القليل، وإن استمرَّت الأحوال على ما نرى عادت نصرانيةً كما كانت. ثم ساروا إلى القاضي عبد الله بن محمد بن أدهم، فقالوا له: ألا تنظر إلى ما فيه المسلمون من الصَّغَار والذلة، وإعطائهم الجزية إلى الفرنج بعد أن كانوا يأخذونها منهم، وابن عباد هو الذي حمل الفرنج على المسلمين، حتى جرى ما جرى وطلب منه ما طلب، وقد دبَّرنا رأيًا نعرضه عليك. قال: وما هو؟ قالوا: نكتب إلى عرب إفريقية، ونُعلمهم أنهم إن وصلوا إلينا قاسمناهم في أموالنا، وخرجنا معهم مجاهدين في سبيل الله تعالى. قال: أخاف أن يُخَرِّبُوا الأندلس كما فعلوا بإفريقية ويتركوا الفرنج ويبدءوا بكم، والمرابطون أقرب إلينا وأصلح حالاً. قالوا: فكاتب يوسف بن تاشفين ورغِّب إليه أن يدخل إلينا بنفسه، أو يرسل إلينا قائدًا من قوَّاده. قال: أمَّا الآن فقد أشرتم برأي فيه السَّداد. وقَدِمَ المعتمد إلى قُرْطُبَة في أثر ذلك، فدخل عليه القاضي وأعلمه بما دار بينه وبين أهل قُرْطُبَة وما اتفقوا عليه، فقال المعتمد: نِعْمَ ما أشاروا به، وأنت رسولي إليه. فامتنع القاضي واستعفاه، وإنما أراد أن يُقَوِّيَ عزمه على إرساله، فقال: لا أجد لها غيرك.

*فسار القاضي وصحبه أبو بكر ابن القصيرة الكاتب إلى أمير المسلمين، فوجداه بسبتة، فأبلغاه الرسالة، وأعلماه بحال المسلمين وما هم عليه من الخوف والجزع من الأذفونش، وأنهم يستنصرون بالله ثم به؛ وأن المعتمد يستنجد به*...» [1].

بل نستطيع أن نقول: إن حركة المشايخ والفقهاء قد وصلت إلى يوسف بن تاشفين من قبل هذا، ففي سنة 474هـ، وفد جماعة من أهل الأندلس على يوسف بن تاشفين، وشَكَوْا إليه ما حلَّ بهم من أعدائهم، فوعدهم بإمدادهم، وإعانتهم، وصرفهم إلى أوطانهم[2].

*كما وردت عليه -أيضًا- الرسائل والكتب من أهل «الأندلس، يبثُّون حالهم، ويُحَرِّكونه إلى نصرهم. وفي سنة اثنتين بعدها ورد عليه عبد الرحمن بن أسباط من ألمرية؛ يشرح حال الأندلس*»[3].

وكان ممن كتب إليه –قبل ذلك- المتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس يستصرخه حين هاجم العدوُّ بلاده، ولما بلغ خطابه هذا أمير المسلمين يوسف بن تاشفين كتب إليه يَعِدُه بالجواز، والإمداد على العدو[4].

*يوسف بن تاشفين يمهد للعبور*

إلاَّ أن يوسف بن تاشفين كانت لديه مشكلتان رئيستان؛ الأولى: أنه لم يُسيطر على سبتة، وهو الميناء المهم الذي يُعَدُّ منفذًا لدخول الأندلس، فقد كان ما يزال تسيطر عليه قبيلة برغواطة وعليهم زعيمهم سقوت البرغواطي. والثانية: أنه ما كان يمكنه العبور إلى الأندلس من دون النزول في أراضي غرناطة أو إشبيلية، فهي أقرب المناطق إلى المغرب؛ لذا فما كان أمام ابن تاشفين إلا أن ينتظر رسالة من المعتمد بن عباد لكي يستطيع أن ينزل إلى الأندلس بأمان ولا يُعتبر محاربًا مهاجمًا لأراضي إشبيلية أو غرناطة.

*إلا أن ابن تاشفين –بعد أن وصلته استغاثات الأندلس- وجَّه جهوده إلى فتح سبتة، ففتحها بالفعل، ثم بدأ يستكثر من الأعداد وتجهيز الإمدادات منتظرًا أن تأتيه الرسل من ابن عباد ملك إشبيلية*.

ولا شكَّ أن ابن عباد كان يفهم كل هذا ويعلمه؛ ولذلك فإنه لما راسل ابن تاشفين خاطبه خطاب مَنْ يعرف وعوده السابقة للعامة وللمتوكل ابن الأفطس، «منتجزًا وعده في صريخ الإسلام بالعدوة وجهاد الطاغية»[5].

*المعتمد بن عباد يرد على ألفونسو*

انتشر في الأندلس الرد الذي كتبه المعتمد إلى ألفونسو والذي يُهَدِّده فيه بالجيوش المرابطية، وما أظهر من العزيمة على جواز يوسف بن تاشفين، والاستظهار به على العدوِّ، فاستبشر الناس، وفرحوا بذلك، وفُتحت لهم أبواب الآمال، وأما ملوك طوائف الأندلس فلمَّا تحقَّقوا عزم ابن عباد وانفراده برأيه في ذلك، اهتمُّوا منه -أي: صاروا مهمومين مما عزم عليه- ومنهم مَنْ كاتبه، ومنهم مَنْ كَلَّمَه مواجهة، وحَذَّرُوه
عاقبة ذلك، وقالوا له: المُلْكُ عَقِيمٌ، والسيفان لا يجتمعان في غمد واحد. فأجابهم ابن عباد بكلمته السائرة مثلاً: رعي الجمال خير من رعي الخنازير. ومعناه: أن كونه مأكولاً ليوسف بن تاشفين أسيرًا له يرعى جماله في الصحراء، خير من كونه ممزَّقًا للأذفونش أسيرًا له يرعى خنازيره في قشتالة. وقال لعذَّاله ولُوَّامه: يا قوم؛ إني من أمري على حالتين: حالة يقين، وحالة شكٍّ، ولا بُدَّ لي من إحداهما؛ أما حالة الشكِّ فإني إن استندت إلى ابن تاشفين أو إلى الأذفونش ففي الممكن أن يفي لي ويبقى على وفائه، ويمكن أن لا يفعل، فهذه حالة الشكِّ، وأمَّا حالة اليقين فإني إن استندت إلى ابن تاشفين فأنا أُرضي الله، وإن استندت إلى الأذفونش أسخطتُ الله تعالى، فإذا كانت حالة الشك فيها عارضة، فلأي شيء أدعُ ما يُرضي الله وآتي ما يُسخطه. فحينئذٍ قصر أصحابه عن لومه[6].

*وكان ممن وافق ابن عباد على رأيه المتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس، وكذلك عبد الله بن بلقين صاحب غرناطة، فأصبحت (غرناطة وإشبيلية وبطليوس) الحواضر الإسلامية الضخمة متَّفِقَة على الاستعانة بالمرابطين*.

*ملوك الطوائف سنة* (478هـ=1085م)
وفور موافقة الأمراء الثلاثة جعلوا منهم سفارة كانت مكونة من قضاة المدن الثلاث: قاضي الجماعة بقرطبة أبو بكر بن أدهم، وقاضي غرناطة أبو جعفر القليعي، وقاضي بطليوس أبو إسحاق بن مُقانا، ثم أضاف المعتمد إليهم وزيره أبا بكر بن زيدون، وأسند إلى القضاة ما يليق بهم من وعظ يوسف بن تاشفين، وترغيبه في الجهاد، وأسند إلى وزيره ما لا بُدَّ منه في تلك السفارة من إبرام العقود السلطانية، وعلى هذا، فقد كان الوفد مكوَّنًا من هؤلاء الأربعة فقط[7].

وكان يوسف بن تاشفين لا يزال يَفِدُ عليه وفود ثغور الأندلس مستعطفين مجهشين بالبكاء، ناشدين الله والإسلام، مستنجدين بفقهاء حضرته ووزراء دولته، فيستمع إليهم ويُصغي إلى قولهم، وترقُّ نفسه لهم([8]).

وفي سنة (478هـ=1085م) يستقبل يوسف بن تاشفين الوفد الذي جاء من قِبَل بعض ملوك الطوائف -كما ذكرنا- يطلبون العون والمساعدة في وقف وصدِّ هجمات النصارى عليهم[9]، فأَعَدَّ العُدَّة –رحمه الله- وجهَّز السفن، وبينما يعبر مضيق جبل طارق وفي وسطه يهيج البحر، وترتفع الأمواج، وتكاد السفن أن تغرق، وكما كان قائدًا يقف هنا قدوة وإمامًا، خاشعًا ذليلاً، يرفع يديه إلى السماء ويقول:

«اللهم إن كنت تعلم أن في جوازي هذا خيرًا وصلاحًا للمسلمين فسهِّل علينا جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعِّبْه عليَّ حتى لا أجوزه». فتسكن الريح، ويَعْبُر هو ومَنْ معه[10]، وعند أول وصول له -والوفود تنتظره ليستقبلوه استقبال الفاتحين- يسجدُ لله شكرًا أنْ مكَّنَهُ من العبور، وأن اختاره ليكون جنديًّا من جنوده ومجاهدًا في سبيله[11].

#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
______
د.راغب السرجاني
[1] النويري: نهاية الأرب، 23/266، 267، وابن الأثير: الكامل 8/445، 446.
[2] مجهول: الحلل الموشية، ص33.
[3] ابن الخطيب: الإحاطة، 4/350.
[4] مجهول: الحلل الموشية، ص33.
[5] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 6/186.
[6] المقري: نفح الطيب، 4/359.
[7] الحميري: الروض المعطار، ص288، والمقري: نفح الطيب، 4/359، والسلاوي: الاستقصا، 2/39.
[8] الحميري: الروض المعطار، ص289.
[9] انظر: ابن الأثير: الكامل، 8/446.
[10] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص145، والسلاوي: الاستقصا، 2/34، وانظر رسالته إلى تميم بن باديس، نقلاً عن محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 3/447.
[11] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/320.
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
للاطلاع على الأجزاء السابقة:
*https://www.tg-me.com/اقرأ التاريخ/com.iqra_history*
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
#التاريخ_الإسلامي
#قصة_الأندلس
#التاريخ_الأندلسي
#الفردوس_المفقود
#تاريخ_سِيَر_تراجم_أخبار
#اقرأ_التاريخ
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
*قصة الأندلس من الفتح حتى السقوط*
الحلقة (96)
*عصر المرابطين*

*معركة الزلاقة*

*دخول المرابطين الأندلس*
يدخل يوسف بن تاشفين والمرابطون أرض الأندلس، ويدخل إلى إشبيلية والناس يستقبلونه استقبال الفاتحين، ثم يقصد إلى بطليوس حيث كانت على مقربة من الزلاقة التي كان قد نزلها ألفونسو السادس، فتوجَّه إليه أمير المسلمين بجيوشه[1]. واجتمع بالمعتمد بن عباد بإشبيلية، وكان المعتمد قد جمع عساكره أيضًا، وخرج من أهل قرطبة عسكر كثير، وقصده المطوِّعة من سائر بلاد الأندلس، ووصلت الأخبار إلى ألفونسو فجمع عساكره، وحشد جنوده، وسار من طليطلة[2].

وبدأ يلحق بركب يوسف بن تاشفين المجاهدون المتطوعة من قرطبة وإشبيلية وبطليوس، وهكذا حتى وصل الجيش إلى الزلاقة في شمال البلاد الإسلامية، وعدده يربو على الثلاثين ألف رجل.

ولا نعجب فهذه هي أهمية القدوة وفِعْلِها في المسلمين، وصورتها كما يجب أن تكون، تحرَّكت مكامن الفطرة الطيبة، وعواطف الأُخُوَّة الصادقة، والغَيْرَة على الدين الخاتِم، تلك الأمور التي تُوجَد لدى عموم المسلمين بلا استثناء، وتحتاج فقط إلى مَنْ يُحَرِّكها من سُباتها.

*التحرك نحو الزلاقة*
تحرَّك الثلاثون ألف رجل بقيادة يوسف بن تاشفين ليصلوا إلى الزلاقة، وهو ذلك المكان الذي دارت فيه موقعة هي من أشهر المواقع الإسلامية في التاريخ.

كان النصارى قد استعدُّوا لقدوم يوسف بن تاشفين فجمعوا عددًا ضخمًا من المقاتلين، بلغ في بعض التقديرات أكثر من ثلاثمائة ألف مقاتل[3]، على رأسهم ألفونسو السادس بعد أن جاءه العون من الممالك النصرانية فرنسا وإيطاليا وغيرها، وقَدِمَ ألفونسو السادس يحمل الصلبان وصور المسيح، وهو يقول: بهذا الجيش أقاتل الجنَّ والإنس، وأقاتل ملائكة السماء. فهو يعرف تمامًا أنها حرب صليبية ضد الإسلام[4].

*الرسائل والحرب الإعلامية*
*رسالة ألفونسو إلى يوسف بن تاشفين*

كان ألفونسو السادس من قبل هذا أرسل إلى يوسف بن تاشفين رسالة كلها غرور واستعلاء، وهذا نصها:
باسمك اللهمَّ فاطر السموات والأرض، وصلى الله على السيد المسيح روح الله وكلمته، الرسول الفصيح، أما بعدُ: فإنه لا يخفى على ذي ذهنٍ ثاقب، ولا ذي عقل لازب، أنك أمير الملة الحنيفية كما أني أمير الملة النصرانية، وقد علمتَ الآن ما عليه رؤساء أهل الأندلس من التخاذل والتواكل وإهمال الرعية، وإخلادهم إلى الراحة، وأنا أسومهم بحُكم القهر وجلاء الديار، وأسبي الذراري وأُمَثِّل بالرجال، ولا عذر لك في التخلُّف عن نصرهم إذا أمكنتك يد القدرة، وأنتم تزعمون أن الله تعالى فرض عليكم قتال عشرة منَّا بواحد منكم، فالآن خَفَّف الله عنكم، وعلم أن فيكم ضعفًا، ونحن الآن نقاتل عشرة منكم بواحد منا، لا تستطيعون دفاعًا ولا تملكون امتناعًا، وقد حُكِيَ لي عنك أنك أخذتَ في الاحتفال، وأشرفت على ربوة القتال، وتماطل نفسك عامًا بعد عام، تُقَدِّم رِجْلاً وتؤخِّر أخرى، فلا أدري أكان الجُبن أبطأ بك أم التكذيب بما وعد ربُّك، ثم قيل لي: إنك لا تجد إلى جواز البحر سبيلاً لعلَّةٍ لا يسوغ لك التقحُّم معها، وها أنا أقول لك ما فيه الراحة لك، وأعتذر لك وعنك، على أن تفي بالعهود والمواثيق والاستكثار من الرهان، وتُرسل إليَّ جملة من عبيدك بالمراكب والشواني والطرائد والمسطحات، وأجوز بجملتي إليك، وأقاتلك في أعزِّ الأماكن لديك، فإن كانت لك فغنيمة كبيرة جُلبت إليك، وهدية عظيمة مَثَلَتْ بين يديك، وإن كانت لي كانت يدي العليا عليك، واستحقيت إمارة الملَّتَيْنِ والحُكم على البرَّيْنِ، والله تعالى يُوَفِّقُ للسعادة ويُسَهِّل الإرادة، لا ربَّ غيره، ولا خير إلاَّ خيره، إن شاء الله تعالى[5].

*رسالة يوسف بن تاشفين إلى ألفونسو*
فلما تمَّ عبور جيش المرابطين إلى الأندلس أرسل يوسف بن تاشفين برسالة إلى ألفونسو السادس يقول له فيها: بلغنا يا أذفونش أنك دعوت إلى الاجتماع بنا، وتمنيت أن تكون لك سفن تعبر بها البحر إلينا، فقد عبرنا إليك، وقد جمع الله تعالى في هذه الساحة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [الرعد: 14، غافر: 50] وخيَّره يوسف بن تاشفين بين الإسلام والجزية والحرب[6].

تَسَلَّم ألفونسو السادس الرسالة وما أن قرأها حتى استشاط غضبًا و«جاش بحر غيظه، وزاد في طغيانه وكفره، وقال: أبمثل هذه المخاطبة يخاطبني، وأنا وأبي نغرم الجزية لأهل مِلَّته منذ ثمانين سنة؟!» ثم أرسل ليوسف بن تاشفين متوعِّدًا ومُهَدِّدًا: فإني اخترت الحرب، فما ردُّك على ذلك؟ وعلى الفور أخذ يوسف بن تاشفين الرسالة، وقلبها وكتب على ظهرها: الجواب ما تراه بعينك لا ما تسمعه بأُذنك، والسلام على مَنِ اتَّبع الهدى. فلما وقف ألفونسو على هذا الجواب ارتاع له، وعلم أنه بُلي برجل لا طاقة له به[7].
قال صاحب (الروض المعطار): «ولما تحقق ابن فرذلند[8] -ألفونسو السادس- جواز يوسف استنفر جميع أهل بلاده وما يليها وما وراءها، ورفع القسيسون والرهبان والأساقفة صلبانهم، ونشروا أناجيلهم، فاجتمع له من الجلالقة والإفرنجة وما يليهم ما لا يُحصى عدده، وجعل يُصغي إلى أنباء المسلمين متغيِّظًا على ابن عباد، حانقًا ذلك عليه، متوعِّدًا له، وجواسيس كل فريق تتردَّد بين الجميع، وبعث -ألفونسو السادس- إلى ابن عباد أن صاحبكم يوسف قد تعنى من بلاد بعيدة وخاض البحور، وأنا أكفيه العناء فيما بقي، ولا أُكَلِّفكم تعبًا، أنا أمضي إليه وألقاكم في بلادكم؛ رفقًا بكم وتوفيرًا عليكم. وقال لأهل ودِّه ووزرائه: إني رأيت إن أمكنتهم من الدخول إلى بلادي فناجزوني[9] بين جدرها ربما كانت الدائرة عليَّ؛ فيكتسحون البلاد، ويحصدون مَنْ فيها في غداة واحدة، لكن أجعل يومهم معي في حوز بلادهم، فإن كانت عليَّ اكتفوا بما نالوه، ولم يجعلوا الدروب وراءهم إلاَّ بعد أهبة أخرى، فيكون في ذلك صونٌ لبلادي، وجبرٌ لمكاسري، وإن كانت الدائرة عليهم كان مني فيهم وفي بلادهم ما خِفْتُ أنا أن يكون منهم فيَّ وفي بلادي إذا ناجزوني في وسطها[10].

*محاولة ماكرة من ألفونسو السادس*
وفي محاولة ماكرة لخديعة المسلمين أرسل ألفونسو السادس يُحَدِّدُ يوم المعركة، فأرسل أن: غدًا الجمعة، ولا نُحِبُّ مقاتلتكم فيه؛ لأنه عيدكم، وبعده السبت يوم عيد اليهود، وهم كثيرون في محلَّتنا، ونحن نفتقر إليهم، وبعده الأحد عيدنا، فلنحترم هذه الأعياد، ويكون اللقاء يوم الاثنين[11].

تَسَلَّم يوسف بن تاشفين الرسالة، وكاد ينخدع بها لأنه كان يعتقد أن الملوك لا تغدر[12]، ولقد كانت هذه أولى جولاته مع النصارى، إلاَّ أن المعتمد بن عباد فهم الخديعة ونبَّه يوسف بن تاشفين إلى ما قد يكون فيها من الغدر[13].

*رؤيا ابن رميلة*
بحذر تامٍّ لم يلتفت يوسف بن تاشفين إلى ما جاء في رسالة ألفونسو السادس، وقام بتعبئة الجيش وتجهيزه يوم الخميس، ووضعه على أتمِّ الاستعداد.

إنها لحظة لم يتذوَّقها الأندلسيون منذ سنوات وسنوات في أرض الأندلس، يقوم جيش مسلم ويستعد لحرب النصارى من بعد سنوات الذل والهزيمة والجزية، ولا شكَّ أنها لحظات تتلقاها قلوب المؤمنين باشتياق، كاشتياقها إلى الشهادة، ويأمر يوسف بن تاشفين بقراءة سورة الأنفال، ويأمر الخطباء بتحفيز الناس على الجهاد، ويمرُّ هو بنفسه –رحمه الله- على الفصائل ينادي ويقول: طوبى لمن أحرز الشهادة، ومَنْ بقي فله الأجر والغنيمة. وجاء في الروض المعطار: ووعظ يوسف وابن عباد أصحابهما، وقام الفقهاء والعُبَّاد يعظون الناس ويحضُّونهم على الصبر، ويُحَذِّرُونهم الفرار[14].

وفي ليلة الجمعة كان ينام مع الجيش شيخ كبير من شيوخ المالكية في قرطبة، وهو الفقيه الناسك أبو العباس أحمد ابن رميلة القرطبي، والذي قال عنه ابن بشكوال في الصلة: كان معتنيًا بالعلم، وصُحبة الشيوخ، وله شعر حسن في الزهد، وكان كثير الصدقة وفعل المعروف، وكان أبو العباس هذا من أهل العلم والورع والفضل والدين[15].

لم تكن مهمَّة الشيخ يومها هي مجرَّد الجلوس في المسجد، أو إلقاء الدروس، أو تعليم القرآن فقط، فقد كان هذا الشيخ يَفْقَه أمور دينه، ويعلم أن هذا الجهاد هو ذروة سنام هذا الدين، وفي هذه الليلة يرى ابن رُمَيْلَة هذا رسولَ الله ,صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: «يَا ابْنَ رُمَيْلَةَ، إِنَّكُمْ مَنْصُورُونَ، وَإِنَّكَ مُلاقِينَا».

يستيقظ ابنُ رُمَيْلَة من نومه وهو الذي يعلم أن رؤية الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام حقٌّ؛ لأن الشيطان لا يتمثَّل به ؛ ففي البخاري بسنده عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَخَيَّلُ بِي، وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»[16].

يقوم الشيخ فرحًا مسرورًا، لا يستطيع أن يملك نفسه، فقد بشَّره الرسول صلى الله عليه وسلم وسيموت في سبيل الله، فالْحُسْنَيَيْن أمام عينيه، نصر للمؤمنين وشهادة تناله، فيا لها من فرحة! ويا له من أجر!

وعلى الفور يذهب ابن رميلة –رحمه الله- في جنح الليل فيُوقظ قادة المسلمين حتى أيقظ المعتمد بن عباد، وقصَّ عليهم رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أن هذه الرؤيا قد هزَّت ابن عباد فأرسل بخبرها إلى يوسف بن تاشفين وكلِّ قوَّاد الجيش، وقاموا من شدَّة فرحهم وفي منتصف الليل وأيقظوا الجيش كله على صوت: رأى ابن رُمَيْلَة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: «إِنَّكُمْ مَنْصُورُونَ، وَإِنَّكَ مُلاقِينَا»[17].
ولما دخل ابن عباد إشبيلية جلس للناس وهُنِّئ بالفتح، وقَرَأت القرَّاء، وقامت على رأسه الشعراء فأنشدوه، يقول عبد الجليل بن وهبون: حضرتُ ذلك اليوم وأعددتُ قصيدة أُنشده إياها، فقرأ القارئ: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ} [التوبة: 40]. فقلتُ: بُعْدًا لي ولشعري، واللهِ! ما أبقت لي هذه الآية معنى أحضره وأقوم به، وطار ذكر ابن عباد بهذه الوقيعة وشهر مجده، ومالت إليه القلوب، وسالمته ملوك الطوائف، وخاطبوه جميعًا بالتهنئة، ولم يزل ملحوظًا معظَّمًا إلى أن كان من أمره مع يوسف ما كان[47].

#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
______
د.راغب السرجاني
[1] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 8/447، وابن الأبار: الحلة السيراء، 2/100، وابن خلكان: وفيات الأعيان، 7/116، وتاريخ ابن خلدون، 6/186، والحميري: الروض المعطار، ص92، والمقري: نفح الطيب، 4/364، والسلاوي: الاستقصا، 2/43، وابن أبي زرع: روض القرطاس، ص146.
[2] المقري: نفح الطيب، 4/361.
[3] تُعَبِّر المصادر التاريخية عن عدد الروم بالعبارات التي تفيد الكثرة والضخامة، وأما مَنْ ذكروا العدد فمنهم من قال: إنهم كانوا ثمانين ألف فارس، ومائتي ألف راجل. ومنهم من قال: إنهم كانوا ثمانين ألف فارس لابسين الدروع دون غيرهم. وهذه هي رواية صاحب الحلل الموشية الذي يعود ويقول بعد ذلك: إنه قُتل في هذه الغزوة من النصارى ثلاثمائة ألف. ومنهم من يقول: إنهم كانوا خمسين ألف مقاتل. ومنهم من يقول: إن أقل تقدير لهم أنهم كانوا أربعين ألف دارع، ولكل دارع أتباع.
[4] الحميري: الروض المعطار، ص289، والمقري: نفح الطيب، 4/363، والسلاوي: الاستقصا، 2/42.
[5] ذكرت بعض المصادر أن هذه الرسالة إنما أرسلها ألفونسو الثامن إلى يعقوب المنصور الموحدي بعد هذا بحوالي قرن من الزمان، إلا أن التحقيق يؤدي إلى أنها مرسلة من ألفونسو السادس إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين. انظر: ابن الأثير: الكامل 10/237، وابن خلكان: وفيات الأعيان 7/6، 7، ومحمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 5/198.
[6] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص146، والحميري: الروض المعطار، ص290، والحلل الموشية، ص53، والمقري: نفح الطيب، 4/363، والسلاوي: الاستقصا، 2/42.
[7] ابن الأثير: الكامل، 8/446، ومجهول: الحلل الموشية، ص53.
[8] فرذلند: هو التعريب لاسم فرناندو، أول من بدأ بحرب الاسترداد وأخذ الجزية من المسلمين، وابنه هو ألفونسو السادس، والذي يعرب اسمه إلى: ألفُنش ألفونش وأذفونش.
[9] ناجزه: نازله وقاتله. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة نجز 5/413، والمعجم الوسيط 2/903.
[10] الحميري: الروض المعطار، ص298، وما بعدها.
[11] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص146، والحلل الموشية، ص57.
[12] عبد الواحد المراكشي: المعجب 194، 195.
[13] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص147.
[14] الحميري: الروض المعطار، ص290.
[15] ابن بشكوال: الصلة، 1/118 144.
[16] البخاري: كتاب التعبير، باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، 6593 واللفظ له، ومسلم: كتاب الرؤيا، باب قول النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي» 2266.
[17] الحميري: الروض المعطار، ص290، والمقري: نفح الطيب، 4/365، والسلاوي: الاستقصا، 2/45.
[18] ابن أبي زرع: روض القرطاس ص147، والحميري: الروض المعطار، ص290.
[19] الحميري: الروض المعطار، ص290، والمقري: نفح الطيب، 2/365، والسلاوي: الاستقصا، 2/45.
[20] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص146، والسلاوي: الاستقصا، 2/44، 45.
[21] مجهول: الحلل الموشية ص59.
[22] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 7/117.
[23] ابن الأثير: الكامل، 8/447.
[24] ابن الأثير: الكامل 8/447، وابن أبي زرع: روض القرطاس، ص146، وابن الخطيب: أعمال الأعلام القسم الثالث، ص242، 243.
[25] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 7/118.
[26] الأوار: شدَّة الشيء وقوته. ابن منظور: لسان العرب، مادة أور 4/35.
[27] العجاج: الغبار. الجوهري: الصحاح، باب الجيم فصل العين 1/327، وابن منظور: لسان العرب، مادة عجج 2/318.
[28] انظر: ابن الأثير: الكامل 8/477، وعبد الواحد المراكشي: المعجب ص194، 195، والحميري: الروض المعطار، ص291، والمقري: نفح الطيب، 4/366، والسلاوي: الاستقصا، 2/46.
[29] ابن أبي زرع: روض القرطاس ص147.
[30] ابن الأثير: الكامل 8/477، وابن أبي زرع: روض القرطاس ص147 وما بعدها.
[31] مجهول: الحلل الموشية ص59.
[32] الحميري: الروض المعطار ص290 وما بعدها.
[33] ابن خلكان في وفيات الأعيان، 7/118، والسلاوي: الاستقصا، 2/47، ومحمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 5/325.
[34] مجهول: الحلل الموشية ص61.
[35] ابن الخطيب: أعمال الأعلام، القسم الثالث، ص243.
[36] الحميري: الروض المعطار، ص290.
[37] المصدر السابق، ص290 وما بعدها.
[38] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 7/117.
[39] ابن الأثير: الكامل 8/477، وابن خلكان: وفيات الأعيان 7/117.
[40] ابن أبي زرع: روض القرطاس ص148.
[41] الحميري: الروض المعطار ص290 وما بعدها، ومجهول: الحلل الموشية ص59.
[42] الحميري: الروض المعطار، ص292، والمقري: نفح الطيب، 4/369، والسلاوي: الاستقصا، 2/48.
[43] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص152، والحلل الموشية، ص66، والحميري: الروض المعطار، ص292، والمقري: نفح الطيب، 4/370، والسلاوي: الاستقصا، 2/49.
[44] المقري: نفح الطيب، 4/369.
[45] انظر: عبد الله بن بلقين: التبيان، ص339، نقلاً عن حسن أحمد محمود: قيام دولة المرابطين، ص282، وسعدون عباس نصر الله: دولة المرابطين، ص97.
[46] ديوان المتنبي، ص195.
[47] الحميري: الروض المعطار، ص292، والمقري: نفح الطيب، 4/370، والسلاوي: الاستقصا، 2/50.
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
للاطلاع على الأجزاء السابقة:
*https://www.tg-me.com/اقرأ التاريخ/com.iqra_history*
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
#التاريخ_الإسلامي
#قصة_الأندلس
#التاريخ_الأندلسي
#الفردوس_المفقود
#تاريخ_سِيَر_تراجم_أخبار
#اقرأ_التاريخ
*قصة الأندلس من الفتح حتى السقوط*
الحلقة (97)

*عصر المرابطين*

*يوسف بن تاشفين يحكي معركة الزلاقة*

*وثيقة ليوسف بن تاشفين*
تم العثور على وثيقة مهمة عن معركة الزلاقة، كتبها بطل الزلاقة نفسه، أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وقد نقلها الأستاذ محمد عبد الله عنان في كتابه (دولة الإسلام في الأندلس)[1]، ووصفها بقول: «رسالة كتب بها الأمير أبو يعقوب يوسف بن تاشفين إلى الناصر بدين الله تميم بن المعز بن باديس بالمهدية؛ يصف فيها بلاد الغرب، وجوازه للأندلس للجهاد بها، وهزيمته للأذفنش أمير النصارى في رجب سنة 479هـ).

وفيها مما يهمنا في هذه الوثيقة، هو شرح أمير المسلمين يوسف بن تاشفين لأدوار المعركة.

*رواية يوسف بن تاشفين لمعركة الزلاقة*
«فجمعنا عساكرنا وسرنا إليه (ألفونسو السادس)، وصرنا إلى قفل قورية من بلاد المسلمين صرفها الله، فسمع بنا، وقصد قصدنا، وورد وردنا، واحتلَّ بفنائها منتظرًا لنا، فبعثنا إليه نحضه على الإسلام، ودخوله في ملة محمد، أو ضرب الجزية عليه، وإسلام ما كان من المال والبيوت لديه، كما أمرنا الله تعالى وبيَّن لنا في كتابه؛ من إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون، فأبى وتمرَّد، وكفر ونخر، وعَمِل على الإقبال علينا، وحثَّ في الورود علينا، فلحِقَنَا وبيننا وبينه فراسخ، فلمَّا كان بعد ذلك، برزنا عليه أيامًا، فلم يُجِبْنَا، فبقينا وبقوا، ونحن نخرج الطلائع إليه، ونُتابع الوثوب عليه، وبنينا على لقائه يوم الخميس لإحدى عشر ليلة خلت لرجب سنة تسع وسبعين وأربعمائة.

فلما كان يوم الجمعة ثانيه، ورد علينا بكتائب قد ملأت الآفاق؛ وتقلَّبَتْ تَقَلُّب الحتوف للأحداق؛ قد استلموا الدروع للكفاح، وربطوا في سوقهم الألواح، وبطونهم ملأى من الخمر، يُقَدِّرون أن الدائرة علينا تدور، ونحن في أخبيتنا صبيحة اليوم المذكور، كلٌّ مِنَّا سَاهٍ، وجميعنا لاهٍ، فقصد أشدُّهم شوكة، وأصلبُهم عودًا، وأنجدُهم عديدًا، محلةَ المعتمد على الله المؤيد بنصر الله -وَفَّقَهُ الله- عماد رؤساء الأندلس وقطبهم، لا يقدرون عسكرًا إلا عسكره، ولا رجالاً إلا رجاله، ولا عديدًا إلاَّ عديده، وداود من أصحابنا منا إلى إزائه، فهبطوا إليه لفيفًا واحدًا، كهبوط السيل، بسوابق الخيل، فلما كان معه من جنده ومن جميع الطبقات، الذين كانوا يدخرون من قبله الأموال والضياع، استكَّت آذانهم[2]، واضطربت أضلاعهم، ودهشت أيديهم، وزلزلت أقدامهم، وطارت قلوبهم، وصاروا كركب الحمير، فَرُّوا يطلبون معقلاً يعصمهم، ولا عاصم إلاَّ الله، ولا هاربًا منه إلاَّ إليه، فلحقوا من بطليوس بالكرامات، لما عاينوا من الأمور المعضلات، وأسلموه (المعتمد) -أيده الله- وحده في طرف الأخبية، مع عدد كثير من الرجالة والرماة، قد استسلموا للقضاء، فوثبوا (الروم) عليه وثب الأسد على الفرائس، يعظمون الكنايس، فحبسهم حينًا وحده مع مَنْ إليه ممن ذكرناه، وبسطوا منهم الأرض، ولم يبقَ من الكل إلاَّ البعض، ولجأ في الأخبية بعد أن عاين المنية، وتَخَلَّصَه اللهُ بنِيَّتِه في المسلمين وبلغه أمنيته، بعد أن وقف وقفة بطل مثله، لا أحد يَرُدُّ عليه، ولا فارس من فرسانه وعبيده يرجع إليه، لا يروعه أحد منهم فيهزم، ولا يهابهم فيسأم.

ثم قَصَدَتْ كتيبَتَهُ (كتيبة ألفونسو) سودًا كالجبل العظيم أو الليل البهيم، عسكر داود وأخبيته، فجالوا فيها جولانًا، وقتلوا من الخلق ألوانًا، واستشهد الكل بحمد الله، وصاروا إلى رضوان الله، ونحن في ذلك كله غافلون، حتى ورد علينا وارد، وقصد إلينا قاصد، فخرجنا من رواء الشعب، كقطع اللهب، بجميع مَنْ معنا، على الخيل المسومة العراب، يتسابقن الطعن والضراب، فلما رأونا، ووقعت أعينهم علينا، ظَنُّوا أن الدائرة فينا ولدينا، وأَنَّا طُعْم أسيافهم، ولقاء رماحهم، فكَبَّرْنَا وكَبَّر الكل معنا، مبتهلين لله وحده لا شريك له، ونهضنا للمنون الذي لا بُدَّ منه، ولا محيص لأحد عنه، وقلنا: هذا آخر يومنا من الدنيا، فلتموتوا شهداء.

فحملوا علينا كالسهام، فثَبَّتَ الله أقدامنا، وقوَّى أفئدتنا، والملائكة معنا، والله تعالى وليُّ النصر لنا، فَوَلَّوْا هاربين، وفَرُّوا ذاهبين، وتساقط أكثرهم بقدر الله تعالى دون طعنة تلحقه، ولا ضربة تُثخنه، وأضعف الرعب أيديهم، فطعَنَّاهم بالسمهرية[3] دون الوخز بالإبر، وضاقت بهم الأرض بما رحبت، حتى إن هاربهم لا يرى غير شيء إلا ظنه رجلاً، وفتكت فيهم السيوف على رغم الأنوف، فوالله! لقد كانت تقع على الدروع فتفريها، وعلى البيضات فتبريها، وزرقوا الرجالة منا على خيلهم الرماحَ، فشَكُّوهم بها فرمحت بهم.

فما كنت ترى منهم فارسًا إلاَّ وفرسه واقف على رأسه لا يستطيع الفرار، الكلُّ يجرُّ عنانه، كأنه مُعْقَل بعقاله، ونحن راكبون على الجواد الميمون، العربي المصون، السابق اللاحق، المعدُّ للحقائق، وما منا إلاَّ مَنْ له جرناز[4] فيه سيفان، وبيدنا الثالث، عسى أن يحدث من حادث، فصاروا في الأرض مجدلين[5]، موتى معفَّرين[6]، وقد تراجع الناس بعد الفرار، وأمنوا من
العثار، وتضافروا مع عسكرنا وغيرهم؛ يقطعون رءوسهم، وينقلون بإزاء المحلات، حتى علت كالجبال الراسيات، عدد لا يُقَدَّر، ومدد لا يُحْزَر، والتجريد فيهم، والأيدي متعاودة لبطونهم، واستأصلنا أكابرهم، وحللنا دون أماطيهم وأمانيهم، وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون.

وانقطع من عسكرهم نحو ألفي رجل أو أقل، والأذفونش فيهم على ما أخبرنا، قد أُثخنوا جراحًا بإزاء محلاتهم، يرتادون الظلام للهروب في المقام، واللهِ! لقد كان الفرسان والرجَّالة يدخلون محلَّتهم، ويعثرون في أخبيتهم، وينتهبون أزودتهم، وهم ينظرون شزرًا نظر التيوس إلى شفار الجازرين، إلى أن جنَّ الليل وأرخى سدوله، وَلَّوْا هاربين، وأسلموا رحائلهم صاغرين، فكم من دلاص[7] على البقاع ساقطة، وخيول على البقاع رابضة، ولقد ارتبط كل فارس منا الخمسة الأفراس أو أزيد.

وأمَّا البغال والحمير فأكثر من ذلك، وأما الثياب والمتاع فناهيك، والأسرَّة بأوطية الحرير، والثياب والأوبار عدد ليلهم، ولا يكلُّون في الانتقال، ولا يسأمون من تشريط الأموال، ولحقوا قورية، ومنها إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم[8]، فصححنا ضمائرنا، وأخلصنا للمعتمد على الله نياتنا وسرائرنا، ورجعنا بحمد الله غانمين منصورين.

لم يستشهد منا إلاَّ الفرقة التي قَدَّر الله عليها بذلك، وقَدَّرنا أن الكل منهم هلك لقلَّة معرفتهم وجهالتهم بقتال النصارى، وتراميهم للشهادة، قدَّس الله أرواحهم، وكرَّم مثواهم وضريحهم، وجعل الجنة ميعادًا بيننا وبينهم، وفقدنا من أكابرنا نحو عشرين رجلاً ممن شُهدت نجدته في المغرب، وانقلبت خير منقلب. ولحقنا إشبيلية حضرته (المعتمد) عمرت ببقايه، وأقمنا عنده أيامًا، ورفعنا عنه مُوَدِّعين، لا تَوَدُّع قاطع...»[9].

#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
______
د.راغب السرجاني
[1] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/446. منقولة من المخطوط رقم 448 الغزيري بمكتبة الإسكوريال Fol. 49R. -53V. وهو مخطوط ناقص من أوله ولا عنوان له.
[2] استكَّت آذانهم: أي صُمَّت. ابن منظور: لسان العرب، مادة سكك 10/439.
[3] السمهرية: الرماح الصُّلبة. ابن منظور: لسان العرب، مادة سمهر 4/381.
[4] هكذا في المصدر.
[5] المجدَّل: الصريع، أو الملقى بالأرض. ابن منظور: لسان العرب، مادة جدل 11/103.
[6] معفَّر: أي تقلَّب في التراب.
[7] الدِّرع الدِلاص: البرَّاقة، الملساء، اللينة. ابن منظور: لسان العرب، مادة دلص 7/37.
[8] أم قشعم: الحرب، أو المنية. ابن منظور: لسان العرب، مادة قشعم 12/484.
[9] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/448، وما بعدها.
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
للاطلاع على الأجزاء السابقة:
*https://www.tg-me.com/اقرأ التاريخ/com.iqra_history*
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
#التاريخ_الإسلامي
#قصة_الأندلس
#التاريخ_الأندلسي
#الفردوس_المفقود
#تاريخ_سِيَر_تراجم_أخبار
#اقرأ_التاريخ
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
*قصة الأندلس من الفتح حتى السقوط*
الحلقة (98)

*عصر المرابطين*

*دولة المرابطين في الأندلس*



*الصراع في الأندلس*

ظلَّ الصراع بين المسلمين والنصارى قائمًا بعد الزلاقة، بل لقد كثر عبث النصارى في بلاد المسلمين، وتخريبهم لها، ولم يستطع حكام الطوائف فعل شيء، بل وصلت الأحوال إلى أن سقطت بلنسية –وهي حاضرة الشرق الأندلسي، ومن أبرز حواضر الأندلس كلها- في يد النصارى.

*العبور الثاني ليوسف بن تاشفين*

لم تنته الصراعات بين ملوك الطوائف وما نفَّذوا وصية يوسف بن تاشفين لهم بالاتحاد؛ فاستغاث الناس بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين للمرة الثانية، وكذلك فعل المعتمد بن عباد-أيضًا- فمن أجل ذلك كان الجواز الثاني ليوسف بن تاشفين إلى أرض الأندلس.

*العبور الثالث ليوسف بن تاشفين*

ويتكرر ما حدث في العبور الأول إذ يقوم المرابطون بنصرة الأندلسيين وهزيمة النصارى في أكثر من موقعة، إلا أنه وفي أثناء حصار حصن لبيط (Aledo) في سنة (481هـ=1088م)، رأى من خداع أمراء الطوائف وشهد عندئذٍ من تمردهم ونفاقهم، وجنوحهم إلى ممالأة النصارى ما أغضبه وأحفظه عليهم، ثم تكررت هذه الأحوال للمرة الثالثة، فعبر ابن تاشفين مرة ثالثة إلى الأندلس في عام (483هـ=1090م)، فجهز جيوشه ودخل إلى الأندلس.

والواقع يقول أن يوسف بن تاشفين لم يطمع في الأندلس، وتردَّد كثيرًا قبل العبور، وعفَّ عن الغنائم بعد ذلك وتركها للمعتمد ولأمراء الأندلس ولم يأخذ منها شيئًا، ثم يعود في الجواز الثاني بسبب اختلافات ملوك الطوائف، وتحالف بعضهم مع عدوِّ الإسلام، وكان الجواز الثالث لوضع حدٍّ لمهزلة ملوك الطوائف، لقد آن -وباسم الإسلام- لهذه الدويلات الضعيفة المتناحرة المتحالف بعضها مع الأعداء أن تنتهي[1].
منذ أن انتهى يوسف بن تاشفين من الجهاد في المرة الثانية، ثبت له بقاء حال أمراء الطوائف على ما هم عليه من تفرُّق وتخاذل، واستعداء للنصارى، وكيف تخلَّف بعضهم عن مشاركته في الجهاد مجاملة للمشركين، بل لَمَّا قام بحصار النصارى -عَقِبَ جوازه الثاني في حصن لبيط- تخلَّف بعض رؤساء الشرق عن معاونته، وقالوا: إنَّ طاعته ليست بواجبة؛ لأنه ليس إمامًا شرعيًّا من قريش. وأبشع من ذلك وأشنع أن رسالة قد وقعت في يد يوسف وُجِّهت من بعض ملوك الطوائف إلى العدو، يُشَجِّعه على المقاومة والصمود، وكان جواب يوسف لأولئك الزعماء المتمرِّدِينَ، أنه خادم أمير المؤمنين المستظهر، وأن الخطبة تجري باسمه على أكثر من ألفي منبر، وتُضْرَب السكة باسمه[2].

*فتوى الفقهاء لابن تاشفين*

ورغم دلائل الولاء هذه للخليفة في بغداد، إلا أن مَنْ لا ولاء لهم ولا انتماء من ملوك الطوائف تمسَّحوا الآن في الشرع، الذي ينتهكونه منذ حكموا حتى أذلوا المسلمين وبلادهم، ووضعوها في يد النصارى، وبذلوا لهم الأموال والهدايا، وتحالفوا معهم على إخوانهم المسلمين.

عندئذٍ اعتزم يوسف بن تاشفين أمره في افتتاح ممالك الطوائف، وأخذ يستولي عليها تباعًا، وأرسل إلى بغداد طلبًا للخليفة ليحصل على كتاب منه بتوليته المغرب والأندلس، وكان يهمه -إلى جانب الحصول على المرسوم الخلافي- أن يحصل على سند شرعي يُبَرِّر تصرُّفه نحو أولئك الأمراء، فلما وصل الفقيه أبو محمد العربي وولده أبو بكر بن العربي إلى بغداد، لقي الإمام أبا حامد الغزالي قطب فقهاء المشرق يومئذٍ، وشرح له أحوال الأندلس، وخلال أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وما اضطلع به من أعمال الجهاد وإعزاز الدين، وما كان عليه أمراء الطوائف من تفرُّق وتخاذل، واستعداء للنصارى، وكيف تخلَّف بعضهم عن مشاركته في الجهاد مجاملة للمشركين. وشرحا له الحال، ثم طلب الفقيه ابن العربي إلى الإمام الغزالي أن يُزَوِّدَه فيما تقدَّم بفتوى تُبَيِّنُ حكم الشرع فيه، وأن يُزَوِّده بكتاب إلى أمير المسلمين، فأفتى الإمام الغزالي بحكم الشرع في موقف ملوك الطوائف، حسبما شرحه ابن العربي للإمام، وعن حقِّ يوسف في الحصول على المرسوم الخلافي بولايته على ما فتحه من الأقطار بسيفه، وقد عاد الإمام الغزالي بعد ذلك، فكتب إلى يوسف كتابًا يعرض فيه بالتفصيل إلى قصة ملوك الطوائف، حسبما رواها له ابن العربي، وإلى ما كانت عليه الأندلس في ظلِّ حكمهم، من التخاذل والذل... ثم يُشير بعد ذلك إلى ما أصدره من فتوى في شأن ملوك الطوائف، وإلى ما كان ابن العربي بصدده من السعي إلى استصدار المرسوم الخلافي بولاية يوسف على جميع بلاد المغرب، وتمكين طاعته، وإلى ما كان يبثُّه ابن العربي من دعاية واسعة للإشادة بحكم يوسف وخلاله؛ سواء في العراق أو في المشاهد الكريمة بأرض الحجاز.
وكذلك حصل ابن العربي من العلامة أبي بكر الطرطوشي -حين مروره على ثغر الإسكندرية، وهو في طريق العودة- على خطاب آخر برسم يوسف، ويُسدي الطرطوشي في كتابه النصح إلى يوسف بأن يحكم بالحق وفقًا لكتاب الله.
وقد توفي الفقيه ابن العربي بثغر الإسكندرية في فاتحة سنة (493هـ)، وعاد ابنه أبو بكر إلى الأندلس في العام نفسه، وهو يحمل الرسالتين- رسالة الغزالي ورسالة الطرطوشي- وكذلك مرسوم الخليفة المستظهر إلى عاهل المرابطين[3].
*دولة المرابطين على المغرب والأندلس*

لم يكن دخول يوسف بن تاشفين الأندلس أمرًا سهلاً، فقد حاربه الأمراء هناك بما فيهم المعتمد بن عباد، ذلك الرجل الذي لم يجد العزَّة إلاَّ تحت راية يوسف بن تاشفين –رحمه الله- قبل وبعد الزلاقة، قام المعتمد على الله بمحاربته وأنَّى له أن يحارب مثله!
استعرت نار الحرب بين المرابطين وملوك الطوائف، وانتهت بضمِّ كل ممالك الأندلس إلى دولة المرابطين، واستطاع أن يضمَّها إلى بلاد المسلمين، وقد أصبح يوسف بن تاشفين الآن أميرًا على دولة تملك من شمال الأندلس وبالقرب من فرنسا وحتى وسط إفريقيا، دولة واحدة اسمها دولة المرابطين.

*وفاة يوسف بن تاشفين*

ولقد ظلَّ هذا الشيخ الكبير يحكم حتى سنة (500هـ=1106م)، وكان قد بلغ من الكبر عتيًّا، وتوفي –رحمه الله- بعد حياة حافلة بالجهاد، وقد وفَّى تمام المائة[4]؛ منها سبع وأربعون سنة في الحكم، وكان تمام ستين سنة على ميلاد دولة المرابطين، تلك التي أصبحت من أقوى دول العالم في ذلك الزمان.
___
د.راغب السرجاني
[1] شوقي أبو خليل: الزلاقة، ص64، 65.
[2] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 4/41-44.
[3] انظر: ابن الأثير: الكامل، 8/447، وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 6/187، 188، والمقري: نفح الطيب، 4/373، ومحمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 4/41-44.
[4] انظر: ابن عذاري: البيان المغرب، 4/45، وابن أبي زرع: روض القرطاس، ص156.
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
للاطلاع على الأجزاء السابقة:
*https://www.tg-me.com/اقرأ التاريخ/com.iqra_history*
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
#التاريخ_الإسلامي
#قصة_الأندلس
#التاريخ_الأندلسي
#الفردوس_المفقود
#تاريخ_سِيَر_تراجم_أخبار
#اقرأ_التاريخ
*قصة الأندلس من الفتح حتى السقوط*
الحلقة (99)

*عصر المرابطين*

*جهاد المرابطين في الأندلس*

حاول المرابطون بعد دخولهم الأندلس تحرير الأراضي الأندلسية، التي أُخذت من المسلمين على مدار السنوات السابقة؛ فحاربوا في أكثر من جبهة، حتى اقتربت حدود دولة المرابطين من فرنسا[1]. كما حاولوا كثيرًا تحرير طليطلة، (وكانت كما ذكرنا من قبلُ أنَّها من أكثر وأشدِّ مدن الأندلس حصانة على الإطلاق)؛ لكنهم فشلوا في هذا الأمر، وإن كانوا قد أخذوا معظم القرى والمدن التي حولها.

*معركة أقليش*
بعد موت يوسف بن تاشفين بعام واحد، وفي سنة (501 هـ=1107م) وبعد ما يقرب من اثنتين وعشرين سنة من الزلاقة، تدور واحدة من أضخم المواقع بين المسلمين وبين النصارى، وهي التي سُمِّيَت في التاريخ بموقعة أقليش، وقد تولَّى القيادة فيها على المسلمين تميم بن يوسف بن تاشفين، وكان هذا في عهد علي بن يوسف بن تاشفين الذي تولى دولة المرابطين خلفًا لأبيه، وتولَّى القيادة على الصليبيين سانشو بن ألفونسو السادس، وانتصر المسلمون -أيضًا- انتصارًا ساحقًا في هذه الموقعة، وقُتل من النصارى ثلاثة وعشرون ألفًا من بينهم سانشو بن ألفونسو وقائد جيش النصارى[2]، وقيل عن هذه المعركة بأنها الزلاقة الثانية[3].

وسانشو هذا هو ابن ألفونسو السادس من زوجته التي كانت قبل ذلك جارية –واسمها زائدة- أعجبت المأمون بن المعتمد بن عباد الذي كان واليًا على قرطبة، فلما انهزم المأمون وفتح المرابطون قرطبة فرَّت هي ومعها ولداها –حفيدا المعتمد بن عباد- إلى ألفونسو فتنصرت وتزوجها، وأنجب منها ولده سانشو هذا، فهذه عاقبة الطغاة المستبدين!

كان سانشو في الحادية عشرة من عمره، وأرسله أبوه ألفونسو لإثارة حماسة الجند، بعدما أوهنته الشيخوخة ولم يعد قادرًا على قيادة الجيش بنفسه؛ إذ كان قد بلغ الثمانين في ذلك الوقت.

*فتح جزر البليار*
وتوالت انتصاراتُ المسلمين بعد هذه المعركة؛ ففي عام (509هـ=1115م) استطاع المسلمون أن يفتحوا جزر البليار، تلك التي كانت قد سقطت من جديد في عهد ملوك الطوائف، وقد أصبح المسلمون يُسيطرون على جزء كبير من أراضي الأندلس تحت اسم دولة المرابطين[4].

*سياسة المرابطين في الأندلس*
*ولقد مرَّت سياسة المرابطين في الأندلس بمراحل ثلاث*:

1 - *مرحلة التدخُّل من أجل الجهاد وإنقاذ المسلمين*، وقد انتهت بانسحاب المرابطين بمجرد انتصار الزلاقة.

2 - *مرحلة الحذر من ملوك الطوائف*، بعد أن ظلَّ وضعهم وضع التنافر والتحاسد والتباغض بينهم، ولم يُفَكِّرُوا في الاندماج في دولة واحدة، بل فَضَّل بعضهم التقرُّب إلى الأعداء للكيد بالآخرين.

3 - *مرحلة ضمِّ الأندلس إلى المغرب*؛ فوضعوا حدًّا لمهزلة ملوك الطوائف[5].

*مصير ألفونسو السادس*
حزن ألفونسو على وحيده سانشو حزنًا شديدًا، حتى مات بعدها بعشرين يومًا[6]، وذلك في 29 يونيه سنة 1109م (ذي الحجة من عام اثنين وخمسمائة[7])، فحزن القشتاليون قاطبة لوفاته، وقد أسس ألفونسو خلال أربعة وأربعين عامًا من حكم قوي مستنير مجد قشتالة إلى قرون، وكان يلقب بـ «نور إسبانيا ودرعها»، وبلغت قشتالة في عهده من القوة ما لم توهنه بعدئذٍ حرب أهلية ولا تقسيم[8].

#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
______
د.راغب السرجاني

[1] انظر: ابن عذاري: البيان المغرب، 4/54، وابن أبي زرع: روض القرطاس، ص160.
[2] انظر: ابن عذاري: البيان المغرب، 4/50، وابن أبي زرع: روض القرطاس، ص160.
[3] ابن الخطيب: أعمال الأعلام، القسم الثالث ص253.
[4] انظر: ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص162.
[5] شوقي أبو خليل: الزلاقة، ص72، والصلابي: دولة المرابطين، ص136، 137.
[6] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص159.
[7] ابن عذاري: البيان المغرب، 4/50.
[8] يوسف أشياخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين 1/142.
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
للاطلاع على الأجزاء السابقة:
*https://www.tg-me.com/اقرأ التاريخ/com.iqra_history*
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
#التاريخ_الإسلامي
#قصة_الأندلس
#التاريخ_الأندلسي
#الفردوس_المفقود
#تاريخ_سِيَر_تراجم_أخبار
#اقرأ_التاريخ
اقـرأ 📚 التاريـخ

*نصر بن سيار وقصيدته للخليفة الأموي*

📖┈┈┈┈•✿📚📚✿•┈┈┈┈📖
قناة اقرأ التاريخ على التلجرام:
https://www.tg-me.com/اقرأ التاريخ/com.iqra_history
📖┈┈┈┈•✿📚📚✿•┈┈┈┈📖


كان نصر بن سيار آخر ولاة الأمويين على خراسان في أواخر الفقد الثاني وأوائل العقد الأول من القرن الثاني للهجرة، وكان والياً محنكاً حازماً.
فاستشعر بوادر الانفجار ونذر الخطر وكتب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة والي العراق في تلك الأيام، يعلمه في أبيات من نظمه ما شاع بخراسان من الاضطراب في العامين الماضيين، ويحذره من خطورة الوضع، ويصارحه أنه إذا استمر في التدهور ولم يعالج معالجة حازمة، فأنه سيؤدي لا محالة إلى عاقبة وخيمة وكارثة عظيمة.

ويقول:
ابلغ يزيد وخير القول أصدقه
وقد تبينت ألا خير في الكذبِ

إن خراسان أرض قد رأيت بها
بيضا لو أفرخ قد حُدّثت بالعجبِ

فراخُ عامين إلا أنها كبُرت
لمّا يطرن وقد سربلن بالزغبِ

فإنْ يطرن ولم يُحتلْ لهن بها
يلهبْنَ نيران حرب أيّما لهبِ


فلم يمده بأحد لأنه كان مشغولا بمجالدة الخوارج في العراق فاستغاث بآخر خلفاء بني أمية في الشام مروان بن محمد. وأعلمه حال أبي مسلم، وخروجه، وكثرة من معه، ومن تبعه. وأخبره بغوائل الفتنة القائمة ودواهي الكارثة القادمة، إن لم ينجده بمدد من عنده فكتب ينذره ويحذره شعراً:

أرى خلل الرماد وميض جمر
ويوشك أن يكون له ضرامُ

فإن النار بالعودين تُذكى
وإن الحرب أولها كلامُ

فإن لم يطفها عقلاء قوم
يكون وقودها جثث وهامُ

وقد غفلت أمية عن سنــــاها
ويوشك أن يكون لها اضطرامُ

أقول من التعجب ليت شــعري
أأيقــــاظ أمــــــية أم نـــــيامُ؟!

فإن يقظت فذاك بقاءُ مُلكٍ
وإن رقدت فاني لا أُلامُ

فإن يك أصبحوا وثووا نياماً
فقل قوموا فقد حان القيامُ

ففرّي عن رحالك ثم قولي
على الإسلام والعرب السلامُ

ولكن مروان لم ينجده، لأنه كان مشغولاً في الشام بالاقتتال بين القيسية واليمانية. وعندما قطع الأمل وفقد الرجاء أخذ يبث همومه وشجونه إلى العرب في المدينة، محاولاً أن يستثمر نخوتهم الدينية وعزتهم القومية وناشدهم أن يكفوا عن الاقتتال فيما بينهم وأن يجتمعوا على كلمة سواء، توحد سواعدهم وقلوبهم للوقوف بوجه أبي مسلم وخطره الذي أصبح يهدد وجودهم ومصيرهم فكتب يقول شعراً:

أبلغ ربيعة في مرو وإخوتها
أن يغضبوا قبل أن لا ينفع الغضبُ

ما بالكم تلقمون الحرب بينكم
كأن أهل الحجا عن فعلكم غُيُبُ

وتتركون عدواً قد أظلكم
فيمن تأشبَ لا دين ولا حسبُ

ليسوا إلى عرب منا فنعرفهم
ولا صميم الموالي إن هُمُ نُسبوا

قوم يدينون ديناً ما سمعت به
عن الرسول ولا جاءت به الكتبُ

مَمَنْ يكن سائلي عن أصل دينهم
فإن دينهم أن تُقتلَ العربُ

وكانت قصيدته أول إشارة نذير للأمويين من خطر قيام الدولة العباسية وسقوط الدولة الأموية.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#يوميات_في_التاريخ_الاسلامي
#اعرف_عدوك_أيها_المسلم (6)
#التتار

خرجت جحافل المغول المتوحشة تسفك الدماء، وتقتل الأبرياء، وتهتك الأعراض، وتستولي على الأملاك, في مشاهد بشعة تكاد تنكرها العقول لولا ثبوتها، وربما خيل لبعضهم أن شجرة الإسلام قد اجتثت من أصولها، وأن بذرة المسلمين قد استؤصلت من جذورها، بل بالغ بعضهم فظن في تلك الحوادث المؤلمة نهاية العالم، حتى أن المؤرخ الكبير ابن الأثير -وهو شاهد عيان لبعض أحداثها- استمر عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها وهو يقول: "فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا أو كنت نسياً منسياً, فلو قال قائل: إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم- عليه السلام- وإلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقاً". هذا الوصف من ابن الأثير وهو بعد لم يشهد الفاجعة العظمى والمصيبة الكبرى لسقوط بغداد, ونهاية الخلافة الإسلامية الكبرى, ويقول ذلك وهو لم يعلم بتجاوز التتر بلاد العراق إلى بلاد الشام, وما حصل فيها من المآسي والآثام.


ظهرت دولة التتار في سنة (603هـ=1206م) تقريبًا، وكان ظهورها الأول في "منغوليا" في شمال الصين، وكان أول زعمائها هو "جنكيز خان"، ومعناها: قاهر العالم، أو ملك ملوك العالم, وكان رجلًا سفاكًا للدماء، قائدًا عسكريًّا شديد البأس، وكانت له القدرة على تجميع الناس حوله، وضع جنكيز خان للتتار ديناً, عبارة عن خليط من أديان مختلفة؛ جمع بعض الشرائع من الإسلام، والمسيحية، والبوذية، وأضاف من عنده شرائع أخرى، وأخرج لهم في النهاية كتابًا جعله كالدستور للتتار؛ وسمى هذا الكتاب "الياسق".


على مر العصور لم يتسلط علينا الأعداء إلا في أوقات الضعف والفرقة والاختلاف وفساد ذات البين, فالتتار لما رأوا اختلاف المسلمين وتناحرهم على الملك والسلطة فكروا في الهجوم على العالم الإسلامي, وكانت البداية في الهجوم على الدولة الخوارزمية الكبيرة, وكانت تضم بين طياتها عدَّة أقاليم مثل: أفغانستان وأوزبكستان, وتركمنستان وكازاخستان وطاجكستان وباكستان وأجزاء من إيران, وبالفعل هجم جنكيز خان على الدولة الخوارزمية, ولم يهرع أحد من المسلمين لنجدتها بسبب عداوتها السابقة مع الكثيرين, ورغم بسالة المسلمين في مواجهة التتار إلا إنه في النهاية الكثرة غلبت الشجاعة.



وصل جنكيز خان في تقدُّمه إلى مدينة بخارى المسلمة في سنة (616هـ=1220م)، ثم طلب من أهلها التسليم على أن يُعطيهم الأمان, فوافقوا فدخلها ثم غدر بأهلها غدرة مرعبة, وصفها ابن كثير فقال: "فقتلوا من أهلها خلقًا لا يعلمهم إلاَّ الله عز وجل، وأسروا الذرية والنساء، وفعلوا مع النساء الفواحش في حضرة أهليهن, فمن المسلمين مَنْ قاتل دون حريمه حتى قُتل، ومنهم مَنْ أُسر فعُذِّب بأنواع العذاب، وكثر البكاء والضجيج بالبلد من النساء والأطفال والرجال، ثم أشعلت التتار النار في دور بخارى ومدارسها ومساجدها، فاحترقت المدينة حتى صارت خاوية على عروشها", ثم اجتاح التتار أذربيجان وأرمينيا وجورجيا بلا هوادة أو رحمة.



ثم كانت سنة 617 هـ, وهي من أبشع السنوات التي مرَّت على المسلمين منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى هذه اللحظة؛ فلقد علا فيها نجم التتار، واجتاحوا البلاد الإسلامية اجتياحًا لم يُسْبَق، وأحدثوا فيها من المجازر والفظائع والمنكرات ما لم يُسمع به، وما لا يُتخيَّل أصلاً؛ فقد دمروا مدينة "سمرقند" وقتلوا عشرات الآلاف من أهلها, ثم اجتاحوا معظم أفغانستان, ثم كانت مأساة مدينة "مرو" الرهيبة حيث قتل التتار جميع أهلها بلا استثناء, فقتلوا في ليالي معدودات سبعمائة ألف مسلم!!, ثم كانت مجزرة هراة, ومجزرة نيسابور, ومجزرة خوارزم, كل هذه المجازر والمآسي في عام واحد فقط هو 617 هـ.



وفي وسط ظلمة الهزائم والانكسارات المتتالية لم يصمد في وجه التتار سوى مدينة "تبريز" بسبب إصرار أهلها على الجهاد في سبيل الله والاستبسال أمام جبروت التتار, مما حدا بالتتار لأول مرة بالعدول عن مهاجمة المدينة.

أما كبرى جرائم التتار فكانت في صفر سنة 656هـ عندما اقتحم التتار بغداد عاصمة الخلافة, بعد سلسلة من المؤامرات والدسائس والعمالة الرخيصة والخيانة الشنيعة من الرافضي الخبيث ابن العلقمي, وزير الخليفة الغافل اللاهي المستعصم العباسي, الذي قتله التتار رفساً وركلاً بالأقدام!!، واستباح التتار بغداد وفعلوا بها وبأهلها ما يعجز اللسان عن بيانه, واستبيحت عاصمة الخلافة أربعين يوماً, وقتل من أهلها مليون مسلم, ولم ينجُ منهم سوى النصارى والشيعة, وتم تدمير معالم المدينة بالكامل, وأصبحت عاصمة الخلافة التي كانت درة الإسلام وتاج الأمة, ومعقل الحضارة والرقي قاعاً صفصفاً, ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ملتقي الخطباء


أسعد الله أوقاتكم بطاعته
2024/04/23 11:00:36
Back to Top
HTML Embed Code: