بسم الله الرحمن الرحيم
بحث الفقه: الدرس ٩٨٢
الأحد ٢٤ ذي القعدة الحرام ١٤٤٥
كتاب الصوم. شرائط الصحة. عدم المرض. تتميم: قول الطبيب الخبير. التعارض بين رأي الطبيبين.

والتعارض كما يمكن أن يحصل بين أمارتين من سنخ واحد كما في فرض التعارض بين أقوال الأطباء الموثوقين أنفسهم فإن التعارض قد يحصل أيضا بين أمارة (قول الطبيب الثقة) ، وأمارة (خوف الضرر) فإن قول الطبيب قد يجتمع مع خوف الضرر، فإنه من أهم أسبابه التكوينية. ولكنه قد يفترق عنه أيضا.

وتفصيل ذلك أنه لا يخلو حال الصائم في هذا الشأن من صور :

الأولى : أن يجتمع عنده قول الطبيب الخبير مع خوف الضرر أو العلم به وهو الغالب والأمر فيه واضح ، إذ يسقط الصيام بلا إشكال.

الثانية : أن يفترقا بأن يتم لديه خوف الضرر دون قول الطبيب ، أو قول الطبيب دون خوف الضرر ، والحكم فيه الاكتفاء بإحدى الأمارتين عن الأخرى والعمل على طبق ما يتم فحسب فإن خاف الضرر كفاه عن مراجعة الطبيب وإن رأى الطبيب الموثوق الضرر المعتد به في الصيام سقط عنه الصيام وإن لم يخف الضرر.

الثالثة : أن يتعارض لديه خوف الضرر مع قول الطبيب الموثوق بأن يخاف الضرر ويرى الطبيب الجامع للشرائط عدم الضرر في الصوم، مع بقاء خوفه حتى بعد اطلاعه على قول الطبيب وتطمينه ، فالظاهر في مثله البناء على خوف الضرر ، وذلك عملا بإطلاق حديث حريز الذي يؤخذ به في المقام لعدم إحراز إمضاء حجية قول الطبيب في مثل هذا المورد ولو بسبب حديث حريز نفسه، هذا إن لم يكن قول الطبيب أمارة على كون الخوف وسواسا ، والا فإن خوف الوسواسي خارج عن دائرة حجية خوف الضرر كما تقدم.

ونقل عن الشهيد الصدر رحمه الله قوله : (وقد يجد الإنسان نفسه متداعياً صحّياً ويخاف أن يضرّه الصوم، ولكنّ‌ الطبيب يخبره بأنّه لا ضرر عليه من الصيام فهل يأخذ بقوله ويصوم، أو يعمل وفقاً لشعوره وتخوّفه الخاصّ؟

والجواب: أنّه يعمل وفقاً لشعوره وتخوّفه الخاصّ‌ ما لم يكن هذا الشعور والتخوّف ناشئاً من شذوذ ووسوسة، كما هو الغالب في من يخشى الضرر مع تأكيد الطبيب الثقة الماهر له على عدم الضرر).

وذكر الشيخ الآملي في مصباح الهدى (إذا حكم الطبيب بان الصوم مضر، و علم المكلف من نفسه عدمه فصام يصح صومه، و إذا حكم بعدمه، و علم المكلف بأنه مضر أو ظن به وجب عليه تركه، و لا يصح منه لما تقدم من الاخبار الدالة على تحديد المرض المسقط للصوم بالوجدان، و ان قول الطبيب و غيره طرق للإحراز، و لا شك انه مع مخالفة الطريق مع ذيه بنظر المكلف يكون المناط على وجدانه و هذا ظاهر).
ولكنه _ كما ترى _ لم يذكر خوف الضرر، وهو الفرض الأهم.

وعلى أي حال فإن قول الطبيب إن كان بنظره مجرد طريق للإحراز الوجداني فالأمر كما ذكره لأنه لم يحصل منه أي إحراز بل قام الظن على خلافه، ولكنه كما تقدم طريق للإحراز التعبدي فكان ينبغي بيان ذلك ثم بيان منشأ التقديم والتأخير بين المحرزين.

والحاصل أن قول الطبيب الجازم حجة ما لم يبق خوف الصائم من المرض، ولم يكن خوفه وسواسيا بنظر العقلاء.

هذا وقد قال السيد قدس سره في العروة بعد الكلام عن سقوط الصوم بالمرض وخوف الضرر(وكذا إذا خاف من الضرر في نفسه ، أو غيره، أو عرضه، أو عرض غيره، أو في مال يجب حفظه وكان وجوبه أهم في نظر الشارع من وجوب الصوم).

وعلق عليه سيدنا المصنف قدس سره بقوله : ( لكن الظاهر حينئذ صحة الصوم وإن أثم بترك الأهم وكذا الحكم في بعض الفروض السابقة مما كان من باب التزاحم).

وخلاصة القول فيه أن أدلة الضرر _ كما تقرر في محله _ ترفع التكليف فيسقط وجوب الصيام معه ، فإن كان الضرر المرض أو التقية فقد تقدم الكلام فيه ، وإن كان ضررا عليه في نفسه أو ماله أو عرضه سقط عنه تطبيقا لقاعدة نفي الضرر ، ومع عدم ثبوته بعلم أو علمي فالمتبع فيه هو خوف الضرر بحسب الموازين المتقدمة في خوف المرض، لما تقرر من كونه أمارة عقلائية ممضاة شرعا.

وإن كان الضرر على الآخرين ممن يجب حفظهم وصيانتهم من الضرر فيندرج تحت باب التزاحم وتُعمَل فيه قواعده وموازينه، ومن أهمها صحة صومه لو عصى الأهم ، للترتب على المبنى المعروف بين بعض المتأخرين وجل المعاصرين ، ولكون التزاحم لا يخدش في مقام الحكم نفسه فلا يقيد إطلاقه بما إذا لم يكن له مزاحم، بل لكون التقييد العقلي بما إذا لم ينشغل بامتثال المزاحم فيصح الصوم إذا ترك المزاحم فيكون القيد عقليا والمقيد به هو الدليل الشرعي، وعليه يكون الصوم امتثالا لأمر فعلي صدر من أهله ووقع في محله وهو ما عليه المحقق النائيني وجمهرة تلامذته ومن تأخر عنه وعنهم. فيصح الصوم خلافا لما يبدو من السيد في العروة.
وقريب من ذلك على المختار _ وفاقا للسيد الخميني _ فإن التقييد بعدم الانشغال بامتثال الأهم ليس متعلقا بدليل الصوم نفسه، بل المقيد هو حكم العقل بوجوب الطاعة، وذلك لأن حكم العقل بوجوب طاعة الأهم مطلق سواء جاء بالمهم أو لا، وحكمه بوجوب إطاعة المهم مقيد بعدم إتيانه بالأهم فلهذا فإن المكلف إن ترك الأهم والمهم يكون عاصيا للأهم والمهم، وإن جاء بالأهم يكون مطيعا للأهم وغير عاصي للمهم لأنه لا تجب طاعته مع الإتيان بالأهم.

وإن جاء بالمهم كما هو محل الكلام فإنه يكون مطيعا للمهم عاصيا للأهم لأنه تركه مع فعليته وخرج على حكم العقل بلزوم طاعته.
Audio
بحث الفقه ٩٨٢ : كتاب الصوم. شرائط الصحة. عدم المرض. تتميم: قول الطبيب الخبير. التعارض بين رأي الطبيبين.
بسم الله الرحمن الرحيم
بحث الفقه: الدرس ٩٨٣
الاثنين ٢٥ ذي القعدة الحرام ١٤٤٥
كتاب الصوم. شرائط الصحة. عدم المرض. تتميم: قول الطبيب الخبير. التعارض بين رأي الطبيبين.

الثالثة : أن يتعارض لديه خوف الضرر مع قول الطبيب الموثوق بأن يخاف الضرر ويرى الطبيب الجامع للشرائط عدم الضرر في الصوم، مع بقاء خوفه حتى بعد اطلاعه على قول الطبيب وتطمينه ، فالظاهر في مثله البناء على خوف الضرر ، وذلك عملا بإطلاق حديث حريز الذي يؤخذ به في المقام لعدم إحراز إمضاء حجية قول الطبيب في مثل هذا المورد ولو بسبب حديث حريز نفسه، هذا إن لم يكن قول الطبيب أمارة على كون الخوف وسواسا ، والا فإن خوف الوسواسي خارج عن دائرة حجية خوف الضرر كما تقدم.

ونقل عن الشهيد الصدر رحمه الله قوله : (وقد يجد الإنسان نفسه متداعياً صحّياً ويخاف أن يضرّه الصوم، ولكنّ‌ الطبيب يخبره بأنّه لا ضرر عليه من الصيام فهل يأخذ بقوله ويصوم، أو يعمل وفقاً لشعوره وتخوّفه الخاصّ؟

والجواب: أنّه يعمل وفقاً لشعوره وتخوّفه الخاصّ‌ ما لم يكن هذا الشعور والتخوّف ناشئاً من شذوذ ووسوسة، كما هو الغالب في من يخشى الضرر مع تأكيد الطبيب الثقة الماهر له على عدم الضرر).

وذكر الشيخ الآملي في مصباح الهدى (إذا حكم الطبيب بان الصوم مضر، و علم المكلف من نفسه عدمه فصام يصح صومه، و إذا حكم بعدمه، و علم المكلف بأنه مضر أو ظن به وجب عليه تركه، و لا يصح منه لما تقدم من الاخبار الدالة على تحديد المرض المسقط للصوم بالوجدان، و ان قول الطبيب و غيره طرق للإحراز، و لا شك انه مع مخالفة الطريق مع ذيه بنظر المكلف يكون المناط على وجدانه و هذا ظاهر). ولكنه _ كما ترى _ لم يذكر خوف الضرر، وهو الفرض الأهم.

وعلى أي حال فإن قول الطبيب إن كان بنظره مجرد طريق للإحراز الوجداني فالأمر كما ذكره لأنه لم يحصل منه أي إحراز بل قام الظن على خلافه، ولكنه كما تقدم طريق للإحراز التعبدي فكان ينبغي بيان ذلك ثم بيان منشأ التقديم والتأخير بين المحرزين.
والحاصل أن قول الطبيب الجازم حجة ما لم يبق خوف الصائم من المرض، ولم يكن خوفه وسواسيا بنظر العقلاء.

هذا وقد قال السيد قدس سره في العروة بعد الكلام عن سقوط الصوم بالمرض وخوف الضرر(وكذا إذا خاف من الضرر في نفسه ، أو غيره، أو عرضه، أو عرض غيره، أو في مال يجب حفظه وكان وجوبه أهم في نظر الشارع من وجوب الصوم).

وعلق عليه سيدنا المصنف قدس سره بقوله : ( لكن الظاهر حينئذ صحة الصوم وإن أثم بترك الأهم وكذا الحكم في بعض الفروض السابقة مما كان من باب التزاحم).

وخلاصة القول فيه أن أدلة الضرر _ كما تقرر في محله _ ترفع التكليف فيسقط وجوب الصيام معه ، فإن كان الضرر المرض أو التقية فقد تقدم الكلام فيه ، وإن كان ضررا عليه في نفسه أو ماله أو عرضه سقط عنه تطبيقا لقاعدة نفي الضرر ، ومع عدم ثبوته بعلم أو علمي فالمتبع فيه هو خوف الضرر بحسب الموازين المتقدمة في خوف المرض، لما تقرر من كونه أمارة عقلائية ممضاة شرعا.

وإن كان الضرر على الآخرين ممن يجب حفظهم وصيانتهم من الضرر فيندرج تحت باب التزاحم وتُعمَل فيه قواعده وموازينه، ومن أهمها صحة صومه لو عصى الأهم ، للترتب على المبنى المعروف بين بعض المتأخرين وجل المعاصرين ، ولكون التزاحم لا يخدش في مقام الحكم نفسه فلا يقيد إطلاقه بما إذا لم يكن له مزاحم، بل لكون التقييد العقلي بما إذا لم ينشغل بامتثال المزاحم فيصح الصوم إذا ترك المزاحم فيكون القيد عقليا والمقيد به هو الدليل الشرعي، وعليه يكون الصوم امتثالا لأمر فعلي صدر من أهله ووقع في محله وهو ما عليه المحقق النائيني وجمهرة تلامذته ومن تأخر عنه وعنهم. فيصح الصوم خلافا لما يبدو من السيد في العروة.

وقريب من ذلك على المختار _ وفاقا للسيد الخميني _ فإن التقييد بعدم الانشغال بامتثال الأهم ليس متعلقا بدليل الصوم نفسه، بل المقيد هو حكم العقل بوجوب الطاعة، وذلك لأن حكم العقل بوجوب طاعة الأهم مطلق سواء جاء بالمهم أو لا، وحكمه بوجوب إطاعة المهم مقيد بعدم إتيانه بالأهم فلهذا فإن المكلف إن ترك الأهم والمهم يكون عاصيا للأهم والمهم، وإن جاء بالأهم يكون مطيعا للأهم وغير عاصي للمهم لأنه لا تجب طاعته مع الإتيان بالأهم. وإن جاء بالمهم كما هو محل الكلام فإنه يكون مطيعا للمهم عاصيا للأهم لأنه تركه مع فعليته وخرج على حكم العقل بلزوم طاعته.
Audio
بحث الفقه ٩٨٣ : كتاب الصوم. شرائط الصحة. عدم المرض. تتميم: قول الطبيب الخبير. التعارض بين رأي الطبيبين.
بسم الله الرحمن الرحيم
بحث الفقه: الدرس ٩٨٤
الثلاثاء ٢٦ ذي القعدة الحرام ١٤٤٥
كتاب الصوم. شرائط الصحة. عدم المرض. تتميم: قول الطبيب الخبير. التعارض بين رأي الطبيبين.

وإن كان الضرر على الآخرين ممن يجب حفظهم وصيانتهم من الضرر فيندرج تحت باب التزاحم وتُعمَل فيه قواعده وموازينه، ومن أهمها صحة صومه لو عصى الأهم ، للترتب على المبنى المعروف بين بعض المتأخرين وجل المعاصرين ، ولكون التزاحم لا يخدش في مقام الحكم نفسه فلا يقيد إطلاقه بما إذا لم يكن له مزاحم، بل لكون التقييد العقلي بما إذا لم ينشغل بامتثال المزاحم فيصح الصوم إذا ترك المزاحم فيكون القيد عقليا والمقيد به هو الدليل الشرعي، وعليه يكون الصوم امتثالا لأمر فعلي صدر من أهله ووقع في محله وهو ما عليه المحقق النائيني وجمهرة تلامذته ومن تأخر عنه وعنهم. فيصح الصوم خلافا لما يبدو من السيد في العروة.

وقريب من ذلك على المختار _ وفاقا للسيد الخميني _ فإن التقييد بعدم الانشغال بامتثال الأهم ليس متعلقا بدليل الصوم نفسه، بل المقيد هو حكم العقل بوجوب الطاعة، وذلك لأن حكم العقل بوجوب طاعة الأهم مطلق سواء جاء بالمهم أو لا، وحكمه بوجوب إطاعة المهم مقيد بعدم إتيانه بالأهم فلهذا فإن المكلف إن ترك الأهم والمهم يكون عاصيا للأهم والمهم، وإن جاء بالأهم يكون مطيعا للأهم وغير عاصي للمهم لأنه لا تجب طاعته مع الإتيان بالأهم.

وإن جاء بالمهم كما هو محل الكلام فإنه يكون مطيعا للمهم عاصيا للأهم لأنه تركه مع فعليته وخرج على حكم العقل بلزوم طاعته.

قال سيدنا المصنف قدس سره : مسألة 6 - لا يكفى الضعف في جواز الإفطار(354) ولو كان مفرطا (355) إلا أن يكون حرجا فيجوز الإفطار (356) ، وكذا إذا أدى الضعف الى العجز عن العمل اللازم للمعاش مع عدم التمكن من غيره فإنه يجوز الإفطار والأحوط فيهما الاقتصار في الأكل والشرب على مقدار الضرورة والإمساك عن الزائد ثم القضاء ، وإذا كان العامل لا يتمكن من الاستمرار على الصوم لغلبة العطش ونحوه تعين عليه الاقتصار على ما تندفع به الضرورة والاستمرار على الإمساك على الأحوط والقضاء بعد ذلك .


(354) قال سيدنا المصنف قدس سره في مستمسكه : بلا خلاف ظاهر. لعموم دليل الوجوب، كيف وهو من اللوازم الغالبية؟!

(355) وهو بحد نفسه ليس مانعا من وجوب الصيام ، ولا شرطا في صحته.

(356) قال سيدنا المصنف قدس سره في مستمسكه : (لعموم دليل نفي الحرج وعليه يحمل إطلاق رواية سماعة: " فإن وجد ضعفا فليفطر " أو على ما يخاف منه المرض. والموجب لهذا التقييد: هو الانصراف الناشئ عن مناسبة الحكم لموضوعه المرتكزة في أذهان العرف، ولا سيما بملاحظة حصوله غالبا. مضافا إلى أن قوله (ع): " وإن وجد قوة فليصم " ظاهر في أن المراد من الضعف الضعف عن الصوم، لا مطلق الضعف ولو ببعض مراتبه، وإلا فهو لا يقابل القوة. مع أن في ثبوت الاطلاق في الرواية تأملا، لورودها في مقام إرجاع الأمر إليه، لا في مقام بيان مرتبة المرض. فتأمل).

ويتضح مراده بما ذكره شيخنا الشهيد البروجردي تقريرا للسيد الخوئي قدس سرهما بأنه(ليس المراد به مطلق الضعف، بل بقرينة المقابلة بقوله (ع) (وان وجد قوة فليصمه) يراد به الضعف عن الصوم الذي هو كناية عن تضرر المريض المفروض في السؤال و انه ممن لا يقوى على الصيام، فمرجع الموثقة إلى تفويض أمر المريض الى نفسه من حيث تشخيص التمكن من الصيام و عدمه لأنه مؤتمن عليه، فان وجد قوة صام و ان وجد ضعفا أي لم ير من نفسه قوة على الصيام فليفطر، فلا دلالة لها على ان كل ضعف و لو من غير المريض موجب للإفطار بل موضوعه المريض فقط كما هو ظاهر.).

والحاصل أن الضعف الحرجي مسقط لوجوب الصوم ، دون غيره ، وإن اشتد فيه ضعف الصائم.

وينبغي أن يعلم أن المراد من الحرج ليس هو ما لا يحتمل عادة من الصبر عند شدة الجوع والعطش على ترك الطعام والشراب مع تيسرهما، فإن عامة الناس لا تصبر على أذى الجوع والعطش بدون أن يكون هناك مبرر يقتضي المصابرة والجلد على البقاء بلا طعام ولا شراب، بل الظاهر من الحرج هو العجز العرفي الذي يجعل المرء يكسر عزمه وقراره على الامساك لمدة معينة لكون ذلك مما لا يطاق عادة بمعنى أن النقص الموجب للأكل والشرب ليس في إرادته، بل في قدرته على الامساك عن المفطرات بالمعنى العرفي العادي للقدرة، نعم لا يراد منه القدرة بالمعنى الدقي العقلي التي جعلت أبا الفضل العباس سلام الله عليه مواساة ً لسيد الشهداء عليه السلام يلقي الماء من كفه، وقلبه كصالية الغضا بحسب الرواية المشهورة.
Audio
بحث الفقه ٩٨٤ : كتاب الصوم. شرائط الصحة. عدم المرض. تتميم: قول الطبيب الخبير. التعارض بين رأي الطبيبين.
بسم الله الرحمن الرحيم
بحث الفقه: الدرس ٩٨٥
الأربعاء ٢٧ ذي القعدة الحرام ١٤٤٥
كتاب الصوم. شرائط الصحة. الضعف المسبب للحرج. الصوم مع اعتقاد الضرر.

(356) قال سيدنا المصنف قدس سره في مستمسكه : (لعموم دليل نفي الحرج وعليه يحمل إطلاق رواية سماعة: " فإن وجد ضعفا فليفطر " أو على ما يخاف منه المرض. والموجب لهذا التقييد: هو الانصراف الناشئ عن مناسبة الحكم لموضوعه المرتكزة في أذهان العرف، ولا سيما بملاحظة حصوله غالبا. مضافا إلى أن قوله (ع): " وإن وجد قوة فليصم " ظاهر في أن المراد من الضعف الضعف عن الصوم، لا مطلق الضعف ولو ببعض مراتبه، وإلا فهو لا يقابل القوة. مع أن في ثبوت الاطلاق في الرواية تأملا، لورودها في مقام إرجاع الأمر إليه، لا في مقام بيان مرتبة المرض. فتأمل).

ويتضح مراده بما ذكره شيخنا الشهيد البروجردي تقريرا للسيد الخوئي قدس سرهما بأنه(ليس المراد به مطلق الضعف، بل بقرينة المقابلة بقوله (ع) (وان وجد قوة فليصمه) يراد به الضعف عن الصوم الذي هو كناية عن تضرر المريض المفروض في السؤال و انه ممن لا يقوى على الصيام، فمرجع الموثقة إلى تفويض أمر المريض الى نفسه من حيث تشخيص التمكن من الصيام و عدمه لأنه مؤتمن عليه، فان وجد قوة صام و ان وجد ضعفا أي لم ير من نفسه قوة على الصيام فليفطر، فلا دلالة لها على ان كل ضعف و لو من غير المريض موجب للإفطار بل موضوعه المريض فقط كما هو ظاهر.).

والحاصل أن الضعف الحرجي مسقط لوجوب الصوم ، دون غيره ، وإن اشتد فيه ضعف الصائم.

وينبغي أن يعلم أن المراد من الحرج ليس هو ما لا يحتمل عادة من الصبر عند شدة الجوع والعطش على ترك الطعام والشراب مع تيسرهما، فإن عامة الناس لا تصبر على أذى الجوع والعطش بدون أن يكون هناك مبرر يقتضي المصابرة والجلد على البقاء بلا طعام ولا شراب، بل الظاهر من الحرج هو العجز العرفي الذي يجعل المرء يكسر عزمه وقراره على الامساك لمدة معينة لكون ذلك مما لا يطاق عادة بمعنى أن النقص الموجب للأكل والشرب ليس في إرادته، بل في قدرته على الامساك عن المفطرات بالمعنى العرفي العادي للقدرة.

وقد فصلنا القول في المطلب في التعليقة 160 في هذا الكتاب وبينّا النصوص الخاصة المرتبطة في المقام واننتهينا الى أن المرتبة العليا من الحرج هي التي تسقط وجوب الصيام .

قال سيدنا المصنف قدس سره : وكذا إذا أدى الضعف الى العجز عن العمل اللازم للمعاش مع عدم التمكن من غيره فإنه يجوز الإفطار والأحوط فيهما الاقتصار في الأكل والشرب على مقدار الضرورة والإمساك عن الزائد ثم القضاء (357)، وإذا كان العامل لا يتمكن من الاستمرار على الصوم لغلبة العطش ونحوه تعين عليه الاقتصار على ما تندفع به الضرورة والاستمرار على الإمساك على الأحوط والقضاء بعد ذلك (358).

(357) بحيث لا يمكن تهيئة المعاش بدونه‌ ولو بالاستدانة أو الاستيهاب أو نحوهما بوجه غير حرجي‌ حيث يكون الصوم حرجيا حينئذ، فيسقط وجوبه بمقتضى القاعدة المذكورة، بعد عدم المخرج عنها في ذلك. كما ذكر السيد الاستاذ.

(358) تقدم الكلام فيه مفصلا في التعليقة 160 _ 163 وانتهينا الى عدم وجوب القضاء تبعا للسيد الاستاذ.

قال سيدنا المصنف قدس سره مسألة 7 - إذا صام لاعتقاد عدم الضرر فبان الخلاف صح (359)، وإذا صام باعتقاد الضرر أو خوفه بطل وإن بان الخلاف.

(359) إذا كان المراد فيه هو التضرر من المرض فهو مشكل جدا لأن المريض كالمسافر ليس مخاطبا بالصيام فكيف يصح منه؟!

وإن كان المراد منه مطلق الضرر الذي استشكل فيه السيد في العروة ، وقرب سيدنا المصنف الاشكال بقوله : ( ينشأ : من كونه مريضاً واقعا. فيكون خارجاً عن موضوع الأمر بالصوم فيبطل، كما لو صام المسافر بزعم الحضر. وفي رواية الزهري : « فإن صام في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء ، فان الله عز وجل يقول : ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ ... ) ».

ومن أن الظاهر من استثناء المريض في الآية والرواية ـ بقرينة مناسبة الحكم والموضوع ـ كونه من باب التزاحم بين وجوب الصوم وحفظ النفس وأهمية الثاني ، لا لعدم الملاك في صوم المريض ، ليكون استثناؤه من باب التخصيص. وحينئذ فلو صام كان صومه واجداً لملاك الأمر ، فيصح.

ولا يرد : أن لازم ذلك الصحة حتى مع زعم ثبوت الضرر ووجوده واقعاً. لأنه مع اعتقاده الضرر ـ أو ظنه الذي هو حجة ـ يتنجز النهي عن الصوم ، لكونه علة الحرام ، فيكون معصية فيبطل، لوقوعه على غير وجه العبادة. وعليه تحمل رواية الزهري الضعيفة.

وهذا هو الأقوى ، كما مال إليه في الجواهر). وبناء عليه يكون ما في المتن من الجزم بالصحة مخالفا للصناعة.

وهو ما يستفاد أيضا من كلام السيد الخوئي قدس سره : (فان الحكم بالصحة يتوقف على احد أمرين: اما إثبات تعلق الأمر بالصوم، أو ان يستكشف بدليل قطعي أو ما في حكمه انه محبوب و واجد للملاك و ان لم يؤمر به لمانع، و شيء منهما لا يمكن إحرازه في المقام.
أما الأمر فواضح ضرورة ان ظاهر الآية المباركة بقرينة المقابلة بين المريض و غيره اختصاص الأمر بالصوم بالصحيح الحاضر، فالمريض أو المسافر غير مأمور بذلك جزما.
و أما الملاك فلا طريق إلى إحرازه- لعدم علمنا بالغيب- إلا من ناحية الأمر والمفروض انتفاؤه، و ليس المقام من باب المزاحمة قطعا ليكون الملاك محرزا، كيف و في ذاك الباب قد تعلق تكليفان كل منهما مطلق، غايته انه لا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال.

و اما في المقام فليس إلا أمر واحد متعلق بالمقيد بغير المريض و المسافر، و معه كيف يمكن استكشاف الملاك في فاقد القيد، و إذ لم يثبت الأمر و لم يحرز الملاك فلا مناص من الحكم بالبطلان لخروج المريض عن حريم موضوع الأمر بالصوم واقعا سواء علم به أم جهل.

نعم لو فرضنا ان عدم تعلق الأمر بالمريض لم يكن لأجل تقيد موضوع الحكم بعدمه، و إنما كان ذلك مستندا إلى قاعدة نفي الضرر اتجه الحكم بالصحة فيما لو صام باعتقاد عدم الضرر.

و من هنا التزمنا في محله بصحة الوضوء أو الغسل الضرريين فيما إذا اعتقد عدم الضرر و ذلك لان هذه القاعدة إنما شرعت بلسان الامتنان و لا امتنان في الحكم بفساد العمل الصادر باعتقاد عدم الضرر بل هو على خلاف الامتنان فلا يكون مشمولا للقاعدة.
و بالجملة الضرر الواقعي ما لم يصل لا يكون رافعا للتكليف لعدم الامتنان، فاذا كان التكليف باقيا على حاله و قد أتى به المكلف على وجهه فلا مناص من الحكم بالصحة، و أما في المقام فقد عرفت أن البطلان لم يكن بدليل نفي الضرر و انما هو لأجل التخصيص في دائرة الموضوع و تقييده بغير المريض إذا لا وجه للحكم بصحة صوم المريض، بمجرد اعتقاد عدم الضرر بل لا بد أما من الحكم بالبطلان جزما، أو لا أقل من الاحتياط اللزومي كما صنعه في المتن.

وملخص الكلام ان الصوم باعتقاد عدم الضرر مع انكشاف الخلاف قد يفرض في موارد التزاحم، و اخرى في مورد الحكومة و ثالثة في مورد التخصيص.

لا إشكال في الصحة في مورد المزاحمة مع الجهل بالأهم، فان المعجز هو التكليف الواصل و لم يصل فيقع المهم على ما هو عليه من المحبوبية و تعلق الأمر به، بل هو كذلك حتى مع الوصول و التنجز غايته انه عصى في ترك الأهم فيصح المهم بناء على الترتب.

و أما في مورد الحكومة أعني ارتفاع الأمر بالصوم بلسان نفي الضرر الحاكم على جميع الأدلة الأولية من الواجبات و المحرمات فحاله- مع عدم الأصول كما هو المفروض- حال التزاحم فان تشريع نفي الضرر إنما هو لأجل الامتنان، فكل تكليف من قبل المولى ينشأ منه الضرر فهو مرفوع.

و أما لو فرضنا جهل المكلف بكون الحكم ضرريا فامتثله ثمَّ انكشف الخلاف فهو غير مشمول لدليل نفي الضرر إذ لا امتنان في رفعه حينئذ ضرورة استناد الوقوع في الضرر الواقعي في مثله الى جهل المكلف نفسه لا إلى إلزام الشارع، فنفي الحكم بعد هذا مخالف للامتنان إذ لازمه البطلان و لا امتنان في الحكم بالفساد، فلا مناص من الالتزام بالصحة.

وأما في مورد التخصيص الراجع الى تضييق منطقة الحكم من لدن جعله و ثبوته في بعض الموارد دون بعض كما في المقام حيث خصت الآية المباركة التكليف بالصيام بالأصحاء دون المرضى فلو أخطأ المكلف و تخيل عدم مرضه أو عدم الإضرار به فصام ثمَّ انكشف الخلاف فمقتضى القاعدة هو البطلان، لأن هذا مأمور واقعا بالإفطار و القضاء و اجزاء غير المأمور به عن المأمور به يحتاج الى دليل و لا دليل).

نعم بقي الكلام في شمول قاعدة ( أي رجل ركب أمرا بجهالة ..) فقد تقدم ذكر خمس صور لها
Audio
بحث الفقه ٩٨٥ : كتاب الصوم. شرائط الصحة. الضعف المسبب للحرج. الصوم مع اعتقاد الضرر.
Audio
أحاديث الأربعاء

٢٧ ذي القعدة الحرام ١٤٤٥ هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
بحث الفقه: الدرس ٩٨٦
السبت غرة ذي الحجة الحرام ١٤٤٥
كتاب الصوم. شرائط الصحة. الضعف المسبب للحرج. الصوم مع اعتقاد الضرر.

قال سيدنا المصنف قدس سره مسألة 7 - إذا صام لاعتقاد عدم الضرر فبان الخلاف صح (359)، وإذا صام باعتقاد الضرر أو خوفه بطل وإن بان الخلاف .

(359) إذا كان المراد فيه هو التضرر من المرض فهو مشكل جدا لأن المريض كالمسافر ليس مخاطبا بالصيام فكيف يصح منه؟

وإن كان المراد منه مطلق الضرر الذي استشكل فيه السيد في العروة ، وقرب سيدنا المصنف الاشكال بقوله : ( ينشأ : من كونه مريضاً واقعا. فيكون خارجاً عن موضوع الأمر بالصوم فيبطل، كما لو صام المسافر بزعم الحضر. وفي رواية الزهري : « فإن صام في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء ، فان الله عز وجل يقول : ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ ... ) ».

ومن أن الظاهر من استثناء المريض في الآية والرواية ـ بقرينة مناسبة الحكم والموضوع ـ كونه من باب التزاحم بين وجوب الصوم وحفظ النفس وأهمية الثاني ، لا لعدم الملاك في صوم المريض ، ليكون استثناؤه من باب التخصيص. وحينئذ فلو صام كان صومه واجداً لملاك الأمر ، فيصح.

ولا يرد : أن لازم ذلك الصحة حتى مع زعم ثبوت الضرر ووجوده واقعاً. لأنه مع اعتقاده الضرر ـ أو ظنه الذي هو حجة ـ يتنجز النهي عن الصوم ، لكونه علة الحرام ، فيكون معصية فيبطل، لوقوعه على غير وجه العبادة. وعليه تحمل رواية الزهري الضعيفة. وهذا هو الأقوى ، كما مال إليه في الجواهر). فإنه بناء عليه يكون ما في المتن من الجزم بالصحة مخالفا للصناعة.

وهو ما يستفاد أيضا من كلام السيد الخوئي قدس سره : (فان الحكم بالصحة يتوقف على احد أمرين: اما إثبات تعلق الأمر بالصوم، أو ان يستكشف بدليل قطعي أو ما في حكمه انه محبوب و واجد للملاك و ان لم يؤمر به لمانع، و شيء منهما لا يمكن إحرازه في المقام.

أما الأمر فواضح ضرورة ان ظاهر الآية المباركة بقرينة المقابلة بين المريض و غيره اختصاص الأمر بالصوم بالصحيح الحاضر، فالمريض أو المسافر غير مأمور بذلك جزما.

و أما الملاك فلا طريق إلى إحرازه- لعدم علمنا بالغيب- إلا من ناحية الأمر والمفروض انتفاؤه، و ليس المقام من باب المزاحمة قطعا ليكون الملاك محرزا، كيف و في ذاك الباب قد تعلق تكليفان كل منهما مطلق، غايته انه لا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال.

و اما في المقام فليس إلا أمر واحد متعلق بالمقيد بغير المريض و المسافر، و معه كيف يمكن استكشاف الملاك في فاقد القيد، و إذ لم يثبت الأمر و لم يحرز الملاك فلا مناص من الحكم بالبطلان لخروج المريض عن حريم موضوع الأمر بالصوم واقعا سواء علم به أم جهل.

نعم لو فرضنا ان عدم تعلق الأمر بالمريض لم يكن لأجل تقيد موضوع الحكم بعدمه، و إنما كان ذلك مستندا إلى قاعدة نفي الضرر اتجه الحكم بالصحة فيما لو صام باعتقاد عدم الضرر.

و من هنا التزمنا في محله بصحة الوضوء أو الغسل الضرريين فيما إذا اعتقد عدم الضرر و ذلك لان هذه القاعدة إنما شرعت بلسان الامتنان و لا امتنان في الحكم بفساد العمل الصادر باعتقاد عدم الضرر بل هو على خلاف الامتنان فلا يكون مشمولا للقاعدة.

و بالجملة الضرر الواقعي ما لم يصل لا يكون رافعا للتكليف لعدم الامتنان، فاذا كان التكليف باقيا على حاله و قد أتى به المكلف على وجهه فلا مناص من الحكم بالصحة، و أما في المقام فقد عرفت أن البطلان لم يكن بدليل نفي الضرر و انما هو لأجل التخصيص في دائرة الموضوع و تقييده بغير المريض إذا لا وجه للحكم بصحة صوم المريض، بمجرد اعتقاد عدم الضرر بل لا بد أما من الحكم بالبطلان جزما، أو لا أقل من الاحتياط اللزومي كما صنعه في المتن.

وملخص الكلام ان الصوم باعتقاد عدم الضرر مع انكشاف الخلاف قد يفرض في موارد التزاحم، واخرى في مورد الحكومة وثالثة في مورد التخصيص.

لا إشكال في الصحة في مورد المزاحمة مع الجهل بالأهم، فان المعجز هو التكليف الواصل ولم يصل فيقع المهم على ما هو عليه من المحبوبية وتعلق الأمر به، بل هو كذلك حتى مع الوصول والتنجز غايته انه عصى في ترك الأهم فيصح المهم بناء على الترتب.

و أما في مورد الحكومة أعني ارتفاع الأمر بالصوم بلسان نفي الضرر الحاكم على جميع الأدلة الأولية من الواجبات و المحرمات فحاله- مع عدم الوصول كما هو المفروض- حال التزاحم فان تشريع نفي الضرر إنما هو لأجل الامتنان، فكل تكليف من قبل المولى ينشأ منه الضرر فهو مرفوع.

وأما لو فرضنا جهل المكلف بكون الحكم ضرريا فامتثله ثمَّ انكشف الخلاف فهو غير مشمول لدليل نفي الضرر إذ لا امتنان في رفعه حينئذ ضرورة استناد الوقوع في الضرر الواقعي في مثله الى جهل المكلف نفسه لا إلى إلزام الشارع، فنفي الحكم بعد هذا مخالف للامتنان إذ لازمه البطلان و لا امتنان في الحكم بالفساد، فلا مناص من الالتزام بالصحة.
و أما في مورد التخصيص الراجع الى تضييق منطقة الحكم من لدن جعله و ثبوته في بعض الموارد دون بعض كما في المقام حيث خصت الآية المباركة التكليف بالصيام بالأصحاء دون المرضى فلو أخطأ المكلف و تخيل عدم مرضه أو عدم الإضرار به فصام ثمَّ انكشف الخلاف فمقتضى القاعدة هو البطلان، لأن هذا مأمور واقعا بالإفطار و القضاء و اجزاء غير المأمور به عن المأمور به يحتاج الى دليل و لا دليل).

نعم بقي الكلام في شمول قاعدة ( أي رجل ركب أمرا بجهالة ..) فقد تقدم ذكر خمس صور لها، وكانت الخامسة وجوب القضاء إذا تسبب الجهل بالإخلال بجزء أو شرط أو ارتكاب مناف للواجب الذي لا يمكن تداركه بالإعادة وكان مما قام الدليل فيه على وجوب قضاء الفائت فيدخل في إطلاق (أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شئ عليه) ويسقط عنه وجوب القضاء ، فهل تصلح القاعدة لتصحيح الصوم وإسقاط القضاء ؟

والذي ينبغي أن يقال هو أن المقام في الحقيقة لا يندرج في الصورة الخامسة لأن الجهالة لم تكن سببا في الإخلال بجزء أو شرط أو ارتكاب أمر مناف للواجب مفسد له بل الجهالة في المقام إنما هي في عدم تحقق موضوع الواجب مما أدى الى الاتيان به دون تحقق موضوع وجوبه ، فتكون من سنخ الجهالة بالسفر والحيض للصائم والصائمة، أو من سنخ الجهالة بعدم دخول وقت الصلاة والصيام لمن قدم صلاته وصيامه على وقتهما، فينبغي أن يكون صورة سادسة في عرض الصور الخمسة الأخرى.

وحكمها بحسب نص الدليل هو البطلان لقصور الدليل موضوعا عن شموله فإن معنى (ركب أمرا بجهالة) أنه فعل أمرا مبغوضا بحد نفسه بسبب كونه جاهلا ، وليس أنه فعل ما لم يكن مطلوبا.

هذا ولكن مناسبات الحكم وهو سقوط التبعات ومنها القضاء ، والموضوع وهو ارتكاب أمر عن جهل به والنكتة العرفية في ذلك وهي الامتنان تقتضي إلغاء خصوصية الموضوع ليشمل ما إذا فعل أمرا كان ساقطا عنه لجهله بسقوطه، لا سيما مع الأخذ بنظر الاعتبار أن سقوط الصيام عن المريض والمسافر امتناني كما ورد في الحديث المعتبر(إن الله عز وجل تصدق على مرضي أمتي ومسافريها بالإفطار في شهر رمضان أيعجب أحدكم لو تصدق بصدقة أن يرد عليه).

مضافا الى أنه (مما يكثر الابتلاء به، فلو كان البناء على بطلان الصوم حينئذ لوقع الهرج و المرج، و كثر السؤال عن ذلك، وعن فروعه، و حيث لا أثر لذلك في النصوص كشف عن إجزاء الصوم المذكور) فتأمل .
Audio
بحث الفقه ٩٨٦ : كتاب الصوم. شرائط الصحة. الضعف المسبب للحرج. الصوم مع اعتقاد الضرر.
بسم الله الرحمن الرحيم
بحث الفقه: الدرس ٩٨٧
الأحد ٢ ذي الحجة الحرام ١٤٤٥
كتاب الصوم. شرائط الصحة. الضعف المسبب للحرج. الصوم مع اعتقاد الضرر.

و ملخص الكلام ان الصوم باعتقاد عدم الضرر مع انكشاف الخلاف قد يفرض في موارد التزاحم، و اخرى في مورد الحكومة و ثالثة في مورد التخصيص.

لا إشكال في الصحة في مورد المزاحمة مع الجهل بالأهم، فان المعجز هو التكليف الواصل و لم يصل فيقع المهم على ما هو عليه من المحبوبية و تعلق الأمر به، بل هو كذلك حتى مع الوصول و التنجز غايته انه عصى في ترك الأهم فيصح المهم بناء على الترتب.

و أما في مورد الحكومة أعني ارتفاع الأمر بالصوم بلسان نفي الضرر الحاكم على جميع الأدلة الأولية من الواجبات و المحرمات فحاله- مع عدم الأصول كما هو المفروض- حال التزاحم فان تشريع نفي الضرر إنما هو لأجل الامتنان، فكل تكليف من قبل المولى ينشأ منه الضرر فهو مرفوع.

و أما لو فرضنا جهل المكلف بكون الحكم ضرريا فامتثله ثمَّ انكشف الخلاف فهو غير مشمول لدليل نفي الضرر إذ لا امتنان في رفعه حينئذ ضرورة استناد الوقوع في الضرر الواقعي في مثله الى جهل المكلف نفسه لا إلى إلزام الشارع، فنفي الحكم بعد هذا مخالف للامتنان إذ لازمه البطلان و لا امتنان في الحكم بالفساد، فلا مناص من الالتزام بالصحة.

و أما في مورد التخصيص الراجع الى تضييق منطقة الحكم من لدن جعله و ثبوته في بعض الموارد دون بعض كما في المقام حيث خصت الآية المباركة التكليف بالصيام بالأصحاء دون المرضى فلو أخطأ المكلف و تخيل عدم مرضه أو عدم الإضرار به فصام ثمَّ انكشف الخلاف فمقتضى القاعدة هو البطلان، لأن هذا مأمور واقعا بالإفطار و القضاء و اجزاء غير المأمور به عن المأمور به يحتاج الى دليل و لا دليل).

نعم بقي الكلام في شمول قاعدة ( أي رجل ركب أمرا بجهالة ..) فقد تقدم ذكر خمس صور لها، وكانت الخامسة وجوب القضاء إذا تسبب الجهل بالإخلال بجزء أو شرط أو ارتكاب مناف للواجب الذي لا يمكن تداركه بالإعادة وكان مما قام الدليل فيه على وجوب قضاء الفائت فيدخل في إطلاق (أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شئ عليه) ويسقط عنه وجوب القضاء ، فهل تصلح القاعدة لتصحيح الصوم وإسقاط القضاء ؟

والذي ينبغي أن يقال هو أن المقام في الحقيقة لا يندرج في الصورة الخامسة لأن الجهالة لم تكن سببا في الإخلال بجزء أو شرط أو ارتكاب أمر مناف للواجب مفسد له بل الجهالة في المقام إنما هي في عدم تحقق موضوع الواجب مما أدى الى الاتيان به دون تحقق موضوع وجوبه ، فتكون من سنخ الجهالة بالسفر والحيض للصائم والصائمة، أو من سنخ الجهالة بعدم دخول وقت الصلاة والصيام لمن قدم صلاته وصيامه على وقتهما، فينبغي أن يكون صورة سادسة في عرض الصور الخمسة الأخرى.

وحكمها بحسب نص الدليل هو البطلان لقصور الدليل موضوعا عن شموله فإن معنى (ركب أمرا بجهالة) أنه فعل أمرا مبغوضا بحد نفسه بسبب كونه جاهلا ، وليس أنه فعل ما لم يكن مطلوبا.

هذا ولكن مناسبات الحكم وهو سقوط التبعات ومنها القضاء ، والموضوع وهو ارتكاب أمر عن جهل به والنكتة العرفية في ذلك وهي الامتنان تقتضي إلغاء خصوصية الموضوع ليشمل ما إذا فعل أمرا كان ساقطا عنه لجهله بسقوطه، لا سيما مع الأخذ بنظر الاعتبار أن سقوط الصيام عن المريض والمسافر امتناني كما ورد في الحديث المعتبر(إن الله عز وجل تصدق على مرضي أمتي ومسافريها بالإفطار في شهر رمضان أيعجب أحدكم لو تصدق بصدقة أن يرد عليه).

مضافا الى أنه (مما يكثر الابتلاء به، فلو كان البناء على بطلان الصوم حينئذ لوقع الهرج و المرج، و كثر السؤال عن ذلك، وعن فروعه، و حيث لا أثر لذلك في النصوص كشف عن إجزاء الصوم المذكور) فتأمل.

ومن ثم فلا يسعنا تسرية الحكم في الصورة السادسة الى كل مصاديقها ، بل نقتصر على ما تمت فيه القرائن على إلغاء الخصوصية كما في المقام.

نعم لا يكفي حجة للاستدلال على ما في المتن بهذه الرواية المعتبرة ، لأنها ليست في مقام بيان حدود الحكم وإنما بيان حكمة الحكم بسقوط الصيام عن المريض والمسافر ، ومنشأ الجمع بين لطف الامتنان في إسقاط الصيام ولزوم الأخذ بعزيمة الإفطار.

ومن هنا تجد سيدنا الاستاذ قد تنبه الى هذا الاستدلال وتوقف عن البناء عليه فقال: (أن ظاهر جملة من النصوص ‌و منها مرسل ابن أبي عمير المتقدم‌ أن تشريع الإفطار مع المرض ليس لعدم تحقق ملاك الصوم فيه، بل هو تفضل منه تعالى هدية لهذه الأمة أو صدقة عليها، و أن عدم مشروعية الصوم حينئذ لكونه ردا لهديته تعالى و صدقته، و ذلك يناسب اختصاص عدم مشروعية الصوم بصورة العلم بالمرض، و قصوره عن صورة الجهل به، لعدم ابتناء الصوم حينئذ على ردّ هديته تعالى و صدقته.
لكن مقتضى ذلك صحة الصوم في كل مورد لا يبتني على الرد عليه تعالى للجهل بالموضوع أو الحكم أو نسيانهما. بل مقتضى ذلك صحة الصوم و الاتمام في السفر إذا كان كذلك، لتضمن النصوص لذلك فيهما أيضا، و منها موثق السكوني المتقدم. و هو و إن دلت عليه النصوص و أفتى به الأصحاب في بعض الموارد، إلا أن البناء عليه عموما لا يخلو عن إشكال. و لا بد من التأمل و النظر).
2024/06/09 00:22:30
Back to Top
HTML Embed Code: