Telegram Group Search
من فقه مخاطبة العوام

قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله- في جواب عن فتيا تتعلق بصفة الكلام للباري -سبحانه-:

"والواجب أمر العامة بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، ومنعهم من الخوض في التفصيل الذي يوقع بينهم الفرقة والاختلاف؛ فإن الفرقة والاختلاف من أعظم ما نهى الله عنه ورسوله".

الفتاوى ١٢ / ٢٣٧
● التكاثر المذموم ●

قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-:

"والتكاثر تفاعل من الكثرة، أيْ مكاثرة بعضكم لبعض، وأعرض عن ذكر المتكاثَر به إرادةً لإطلاقه وعمومه، وأن كل ما يكاثِر به العبدُ غيرَه -سوى طاعة الله ورسوله وما يعود عليه بنفع معادِه- فهو داخل في هذا التكاثر. والتكاثر في كل شيء من مالٍ أو جاهٍ أو رئاسة أو نسوة أو حديث أو علم ولا سيما إذا لم يحتج إليه، والتكاثر في الكتب والتصانيف وكثرة المسائل وتفريعها وتوليدها، والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره، وهذا مذموم إلا فيما يقرب إلى الله تعالى، فالتكاثر فيه منافسةٌ في الخيرات ومسابقة وإليها".

تفسير سورة التكاثر (من مجموع رسائل ومسائل للإمام ابن القيم).

نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في أقوالنا وأفعالنا، وأن يجعل رضا الله أكبر همِّنا وغاية مقصدنا.
▪️كلام نفيس للإمام ابن تيمية -رحمه الله- في حقيقة النصر، وهل القتل ينافي النصر؟▪️

في اختيارات ابن تيمية لابن عبدالهادي ص70:

"وقال بعد أن ذكر قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢)} قال: وهذا يشكل على بعض الناس، فيقول: الرسل قد قُتل بعضهم، فكيف يكونون منصورين؟
فيقال: القتل إذا كان على وجهٍ فيه عزة الدين وأهله كان هذا من كمال النصر، فإنَّ الموت لا بدَّ منه، فإذا مات ميتةً يكون بها سعيدًا في الآخرة فهذا غاية النصر، كما كان حال نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - فإنَّه استشهد طائفةٌ من أصحابه فصاروا إلى أعظم كرامةٍ، ومن بقي كان عزيزًا منصورًا، وكذلك كان الصحابة يقولون للكفار: أخبرنا نبيُّنا أنَّ من قُتل منَّا دخل الجنة، ومن عاش منَّا ملك رقابكم.

فالمقتول إذا قُتل على هذا الوجه كان ذلك من تمام نصره ونصر أصحابه، ومن هذا الباب حديث الغلام الذي رواه مسلم، لمَّا اتَّبع دين الراهب وترك دين الساحر، وأرادوا قتله مرةً بعد مرةٍ فلم يستطيعوا، حتى أعلمهم بأنَّه يُقتل إذا قال الملك: بسم الله رب الغلام. ثمَّ يرميه، ولمَّا قُتل آمن الناس كلُّهم، فكان هذا نصرًا لدينه.

ولهذا لمَّا قُتل عمر بن الخطاب شهيدًا بين المسلمين قُتل قاتله، وعثمان لمَّا قُتل شهيدًا قُتل قتلتُه وانتصرت طائفته، وكذلك علي لمَّا قتله الخوارج مستحلِّين قتلَه كانوا ممَّن أمر الله ورسوله بقتالهم، وكانوا مقهورين مع أهل السنة والجماعة.

فلم يمنع ذلك عن الإسلام وأهله، لا سيَّما والنبيون الذين قتلوا كان الله ينتقم ممَّن قتلهم، حتَّى يقال إنَّه قتل على دم يحيى بن زكريا سبعون ألفًا".

اللهم أنجِ المسلمين في فلسطين، وفرِّج همهم، واحقن دماءهم، وانصرهم على عدوهم..
اللهم عليك باليهود الظالمين، اللهم اهزمهم وأنزل عليهم عذابك ورجزك..
من القرائن على تأخر تاريخ تصنيف العمدة بالنسبة لسائر مصنفات الموفق ابن قدامة الفقهية

■ في مسألة جهات ذوي الأرحام من باب ذوي الأرحام في كتاب الفرائض قال الموفق ابن قدامة -رحمه الله- في المغني ٩ / ٨٨: "ولم أعلم أحداً من أصحابنا ولا من غيرهم عدَّ الجهات وبيَّنها إلا أبا الخطاب، فإنه عدها خمس جهات..." ثم أوردها، وذكر إشكالاً عليه، ثم قال: "فالصواب إذاً أن تكون الجهات أربعاً: الأبوة، والبنوة، والأخوة، والأمومة".

وجزم بعدِّ هذه الجهات الأربعة كذلك في الكافي ٤/ ١٠٦، والمقنع لكنه في العمدة جزم بخلاف ما قرره في كتبه الثلاثة، فقال ص٢٠٧: "والجهات ثلاث: البنوة، والأمومة، والأبوة".

■ قال الشارح ابن أبي عمر -رحمه الله- ١٨ / ١٩٣ بعد أن ذكر إشكالاً على القول الذي أورده الموفق في المقنع بأن الجهات أربع: "فعلى هذا ينبغي أن تكون الجهات ثلاثة: الأبوة، والأمومة، والبنوة. وهذا الذي اختاره شيخنا أخيراً. ذكره في كتاب العمدة".
وقال المرداوي -رحمه الله- في الإنصاف ١٨/ ١٩٢ عن القول بأن الجهات أربع: "اختاره المصنف أولاً". ثم قال عن القول بأن الجهات ثلاث: "اختاره المصنف أخيراً، والمجد والشارح. وجزم به في العمدة".

■ فالظاهر من هذا -والله أعلم- أن تصنيفه للعمدة متأخر عن المغني والكافي والمقنع -وإن كان الأمر يستدعي مزيد بحث وتحقيق-، لذا ينبغي الاعتناء بكلام الموفق -رحمه الله- في العمدة لا باعتبار سهولته واقتصاره على قول واحد ومناسبته للمبتدئين فقط -كما هو الغالب على المشتغلين بالفقه من المعاصرين-، وإنما ينبغي الاعتناء به كذلك لتأخره واشتماله على تحرير واختيار متأخر مخالف لبعض ما قرره في كتبه المتقدمة، لذا تجد حفاوة المرداوي وعنايته البالغة به في الإنصاف وتصحيح الفروع، فيحرص على نقل ما جزم به في العمدة، كما يحرص على نقل ما في سائر كتبه.

رحم الله الموفق ابن قدامة وسائر فقهائنا، ورفع درجاتهم، وجزاهم عنا وعن المسلمين أعظم الجزاء.
● نتائج الدعاء ●

سردَ جمالُ الدين يوسف بن حسن بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي -المشهور بابن المبرد- عشرَ أدوية شرعية للوباء والطاعون، فذكر التاسع منها: "الدعاء منه، ومن غيره"، ثم ذكر حادثةً عجيبةً وقعت له، فقال: "وقد شاهدتُ منه في طاعون سنة أربع وستين أمراً عجيباً، وذلك أني كنتُ قد أصبتُ فيه في خسفة الترقوة اليسرى في الموضع الذي تقول له العامة: المعلف، وكبرت ونضحت حتى أجمع أكثر الأطباء على بطّها، وقال بعضهم: هذا المكان ليس بموضع بط، لأنه قريب المنفذ إلى الجوف، وفتحها فيه خطر. فبتُّ تلك الليلة أسأل الله -عز وجل- أن يفعل بي الأصلح لأمري والأنسب لحالي، وهم على البط في الغد، فلما أصبحنا جاء الجرائحي ليبطها، فكشف عنها وإذا قد ذهب أكثر من نصفها، وهي قد تحجّرت، وذهب ذلك اللين والرخاوة منها، فانثنوا عن ذلك، ثم لم تزل تتناقص إلى أن ذهبت من غير بط ولا فتح، فرأيتُ ذلك من حلم الله -عز وجل- ولطفه ونتيجة دعائه، وعجبت من ذلك أنا وأكثر الناس، وكان شيخنا الشيخ عمر اللولوي يعجب من ذلك غاية العجب ويذكره ويبكي، ويقول: هذه نتائج الدعاء".

فنون المنون في الوباء والطاعون ٢٧١ - ٢٧٢
ضرورة ترتيب مسائل العلم

قال أبو حامد الغزالي -رحمه الله- في مقدمة خلاصة المختصر:

"مهما لم تُسرد المسائل المتبدِّدَة في سلك النظام استعصت على الحفظ، وزلت عن الذهن، وطال الشغلُ والعناءُ في تحصيلها أولاً، واستصحابِ حفظها ثانياً".
من استعمالات (العلة) عند ابن جرير الطبري

يستعمل الإمام المفسر الفقيه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري -رحمه الله ورفع درجاته- (العلة) بمعنى الدليل من أي نوع كان، فتجده في كتابه (اختلاف علماء الأمصار في أحكام شرائع الإسلام) بعد حكايته لأقوال الأئمة في مسألة يقول:

"وعلة مالك أو الشافعي في قوله بكذا:
-ظاهرُ قوله تعالى ....
-أو ما حدثني به فلان ...، ويسوق حديثاً مرفوعاً.
-أو القياس على كذا".
-وربما أورد استدلالاً بنوع من أنواع الاستصحاب.
●من أسباب الغلط في النظر والحكم●

قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-:

"ومن طرَدَ القياسَ الذي انعقد في نفسه غير ناظر إلى ما يعارض عِلَّتَه من المانع الراجح = أفسد كثيراً من أمر الدين، وضاق عليه عقلُه ودينُه".

الفتاوى ٢٩ / ٥١
قال الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي -رحمه الله- في خاتمة رسالته (تحقيق الرجحان بصوم يوم الشك في رمضان):

" العاقل من ترك الاعتراض على الأئمة؛ لأنهم قد مهدوا مذاهبهم، ونقَّحوا أدلتهم، واستنبطوا الأحكام من الكتاب والسنة، بعد بذل الجهد، مع ذكاء القرائح.
ورُبّ دليل مرجوح عند مجتهد راجح عند آخر، ورب حديث صحيح عند قوم ضعيف عند آخرين.
والموجب لاجتهاد الأئمة ومخالفة بعضهم بعضاً إنما هو تعارض الأدلة وورود الأحاديث من طرق مختلفة بمعانٍ مختلفة، كما مرَّ في هذه المقدمة. فالسعيد من سلَّم وقلَّد من شاء ولم يتكلم
".
مبارك عليكم شهر رمضان،
جعلنا الله وإياكم ممن يصومه ويقومه إيماناً واحتساباً،
وأعاننا جميعاً على ذكره وشكره وحسن عبادته،

ومنَّ علينا وعليكم بالمغفرة والعتق من النار،
من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت النوازل في الفرائض أن يعيِّن ويسمي من يدعو لهم أو عليهم، ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ). وفي حديث خُفَافِ بْنِ إِيمَاءٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةٍ : (اللَّهُمَّ الْعَنْ بَنِي لِحْيَانَ ، وَرِعْلًا ، وَذَكْوَانَ ، وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ) .

قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى 22 / 271 في سياق كلامه عن قنوت النوازل في الفرائض:
"وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسناً".

وأحكام قنوت الوتر في الجملة كأحكام قنوت النوازل، وهو أوسع في مضمونه. لذا ينبغي لأئمة المساجد أن يخصوا أهل فلسطين وغزة بدعائهم في قنوتهم، ويعيّنوهم ويصرحوا بذلك، ويصرحوا بالدعاء على اليهود الظالمين، مع الدعاء العام للمؤمنين وعلى الكافرين، فهذا من حقّهم على إخوانهم المسلمين.

اللهم أنجِ المستضعفين من المسلمين في فلسطين وغزة، وعجِّل بفرجهم، وانصرهم نصراً مؤزراً..
اللهم العن اليهود الظالمين، وأهلكهم، وأنزل عليهم عذابك ورجزك إله الحق..
هل الصوم من باب فعل المأمورات أو من باب ترك المنهيات؟

قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله- في شرح العمدة 3 / 373:
"الصوم وإن كان تركاً لكن يشبه الأفعال من حيث وجوب النية فيه، بخلاف ترك جميع المحرمات، فإنه يكفي في عدم الإِثم عدمُ الفعل، وهنا لا بد من قصد الامتثال، فله شبه بالمأمورات من وجه، وبالمنهيات من وجه. ومن أُمِر بترك الأكل والشرب فلم يقصد ذلك ولم يُرِده لم يمتثل ما أُمِر به البتة".
●مما ينبغي أن يراعيه الإمام في صلاته بالناس -فرضاً أو نفلاً- عدمُ الاستعجال في الصلاة على وجهٍ يفوِّت به على المأموم فعل المسنونات.

●قال في الإقناع وشرحه:
(وتكره) للإمام (سرعة تمنع مأمومًا فعل ما يسن) له، كقراءة السورة، والمرة الثانية والثالثة من تسبيح الركوع والسجود، ورب اغفر لي بين السجدتين، وإتمام ما يسن في التشهد الأخير، لما في ذلك من تفويت المأموم ما يستحب له فعله.

●وهذا يقع في صلاة التراويح من بعض الأئمة، فتجده يستعجل عجلة شديدة ليقضي صلاته في أسرع وقت، فيتعذر على المأموم معه أن يأتي بدعاء الاستفتاح، أو يزيد على تسبيحة في الركوع والسجود، والإمام بسرعته هذه يضيع كثيراً من مقاصد الصلاة.
▪️القراءة في الوتر▪️

⚫️في حديث ابن عباس وحديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يَقْرَأُ فِي الْوَتْرِ بِـ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } ، وَ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } ، وَ { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ }. وفي حديث عائشة زيادةُ المعوذتين مع سورة الإخلاص، وقد تُكلِّم في إسناد حديث عائشة.

⚫️وقراءة هذه السور سنة في الوتر، سواء وصل ركعات الوتر بأن أوتر بثلاث متصلة بدون تسليم بينها، أو فصل بينها بأن سلم من الركعتين ثم أتى بركعة واحدة. هكذا فهم أئمة السلف والمتقدمون مِن أوعية السنة وفقهائها ممن عليهم المعوَّلُ هذه الأحاديث، خلافاً لما قرره بعض الفضلاء من المعاصرين -وصار عليه عمل بعض أئمة المساجد- من أن سنية قراءة هذه السور خاص بما إذا أوتر بثلاث متصلة بدون تسليم بينها، وأما إذا فصل بينها بالتسليم فلا تسن له قراءة هذه السور الثلاثة. ومما يبين خطأ هذا الفهم الأخير، ويشهد لسنية قراءتها حتى لو فصل بين الركعات الثلاثة بالتسليم:

▪️ما جاء في مسائل الإمام أحمد -رحمه الله- لابنه عبدالله ص90: قلت لأبي: مَا يقْرَأ بِهِ من الْقُرْآن فِي الْقُنُوت؟
قَالَ: "أعجب إِلَيّ أَن يقْرَأ إِذا هُوَ أوتر فِي الرَّكْعَة بـ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} وَفِي الثَّانِيَة {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ}، ثمَّ يسلم ثمَّ يُوتر بِرَكْعَة يقْرَأ فِيهَا {الْحَمد لله} و {قل هُوَ الله أحد}.
▪️وقال الإمام الشافعي -رحمه الله- في الأم 8 / 409: "وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: يَقْرَأُ فِيهَا [يعني في الركعة الثالثة بعد أن يقرأ في الأولى بالأعلى وفي الثانية بالكافرون] بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ويَفْصِلُ بَيْنَ الرَكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَةِ بِالتَّسْلِيمِ".
▪️وقال ابن المنذر -رحمه الله- في الإقناع 1 / 133: "فإذا أراد أن يوتر صلى ركعتين يقرأ في الأولى منهما بفاتحة الكتاب و{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، وفي الثانية بفاتحة الكتاب و{قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، ثم يسلم، ثم يقوم فيكبر، ويقرأ في الثالثة بفاتحة الكتاب، و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}".

وحسبك بهؤلاء الأئمة فقهاً للسنن، وحرصاً عليها، ودرايةً بما جرى عليه عمل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم والدين، فلا يُعدل عما فهموه لفهم حادث بعدهم.

⚫️وما أورده بعضهم من أن ظاهر الحديث أنه في قراءة الوتر إذا أوتر بثلاث، ومن فصل بالتسليم فإنما أوتر بواحدة لا بثلاث فلا يشمله الحديث = في غير محله، فإن اسم الوتر يُطلق على الركعات الثلاثة التي تُختَم بها صلاة الليل ولو فُصِل بينها بالتسليم، ومما يدل على ذلك ما جاء في البخاري عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ.

⚫️والوصية لطالب العلم ألا يتعجل بمخالفة ما اشتهر في كلام العلماء وتناقلوه في مصنفاتهم وجروا عليه عملاً بلا نكير ولو بدا له ما بدا له، بل يتأنى ويراجع ويستقري المسألة في كلام أهل العلم خاصةً من تقدم منهم، فما أحوج طالب العلم إلى أن يجمع مع علمه أناةً تعينه على حسن التبصر في العلم وتحفظُه -بعد توفيق الله- من الزلل والخطأ.

اللهم فقهنا في الدين، وارزقنا العلم النافع والعمل الصالح، ووفقنا لاتباع سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم- وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
ينبغي للمسلم أن يحرص على الاعتكاف في هذه العشر، مقتدياً برسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي اعتكف هذه العشر التماساً لليلة القدر،
وقد ذكر الفقهاء أحكاماً تتعلق بالاعتكاف فيها شيء من التوسعة، قد ينتفع بها بعض من يترك الاعتكاف خوفاً من أن يقع في شيء من الحرج والضيق، ومن ذلك:
-قال في الإقناع: (وإن شرط ما له منه بد، وليس بقربة -كالعشاء في منزله والمبيت فيه- = جاز له فعله).

فمن كان يجد حرجاً ومشقة في النوم في المسجد أو الأكل فيه أو الاغتسال = فله أن يشترط عند دخوله معتكفَه أن يخرج لتلك الحاجات، فيبقى في المسجد كل الوقت إلا إذا أراد النوم أو الأكل أو الاغتسال، فيذهب لبيته لهذه الحاجات بقدرها.

-ومن الأحكام التي فيها شيء من التوسعة في الاعتكاف أن الحنابلة نصوا على أن أقل الاعتكاف ساعة -أي لحظة بحيث يتحقق معنى المكث واللبث- ولو قلت المدة، وهو قول الجمهور. فيمكن لمن لا يتيسر له الاعتكاف في العشر كاملة أن يعتكف الليالي مثلاً، ما بين المغرب إلى الفجر، أو ما بين صلاة أول الليل وصلاة آخره، فيمكث في المسجد هذا الوقت، فينال شيئاً من فضل الاعتكاف -وما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه-، ويستعين بذلك على قيام ليلة القدر وإصابتها.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واجعلنا ممن يقوم ليلة القدر إيماناً واحتساباً، ومُنّ علينا بالقبول والعتق من النار، ووالدينا وأحبابنا والمسلمين.
مسألة تخفى في زكاة عروض التجارة

● من أكثر المسائل التي تخفى على كثيرٍ من المسلمين في زكاة عروض التجارة ما يتعلق ببداية حولها، فإن حول عروض التجارة = حولُ ما اشتريت به من نقد، وكثير من الناس يبتدئ حولها من وقت شرائها، وهذا خطأ.

● فالفقهاء يقررون أن من كان عنده نقد (ذهب، فضة، نقود ورقية) فاشترى به عروض تجارة فإن الحول لا ينقطع، ولا يجعل للعروض حولاً جديداً، بل حول العروض هو حول النقد الذي اشتراها به. وكذلك لو كان عنده عروض تجارة فباعها بنقد فإن الحول لا ينقطع، بل يكون حولُ النقد حولَ عروض التجارة.

• قال الموفق ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: "متى أَبْدَلَ نِصَابًا من غيرِ جِنْسِه، انْقَطَعَ حَوْلُ الزَّكاةِ واسْتَأْنَفَ حَوْلًا، إلَّا الذَّهَبَ بالفِضَّةِ، أو عُرُوض التِّجَارَةِ؛ لِكَوْنِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ كالمالِ الوَاحِدِ، إذْ هما أُرُوشُ الجِنَايَاتِ، وقِيَمُ المُتْلَفَاتِ، ويُضَمُّ أحَدُهما إلى الآخَرِ في الزكاةِ. وكذلك إذا اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِنصَابٍ من الأثْمانِ، أو باعَ عَرْضًا بِنِصَابٍ، لم يَنْقَطِع الحَوْلُ؛ لأنَّ الزكاةَ تَجِبُ في قِيمَةِ العُرُوضِ، لا في نَفْسِها، والقِيمَةُ هي الأثْمَانُ، فكانا جِنْسًا وَاحِدًا".

● مثال ذلك:
لو كان عند إنسان خمسون ألف ريال، وحول زكاتها في أول رمضان، فلما جاء أول شهر رجب اشترى بها أرضاً بنية بيعها بربح، أو اشترى أسهماً بنية بيعها بربح، فإن الواجب عليه أن يزكي هذه الأرض أو الأسهم في شهر رمضان -أي بعد شهرين من الشراء-، فحول الأرض أو الأسهم هو نفس حول الخميسن ألفا؛ لأن الحول لا ينقطع إذا استبدلت عروض تجارة بالنقود. وكثير من الناس في مثل هذه الحال لا يزكي الأرض أو الأسهم في شهر رمضان، وإنما يظن أن حول الأرض أو الأسهم يبدأ من جديد من شهر رجب، فلا يزكي إلا في رجب من السنة القادمة، وهذا خطأ.


ولو كانت عنده أسهم أو أرض للتجارة، وحول زكاتها في رمضان، فباعها في رجب بخمسين ألفاً، فإن الواجب عليه أن يزكي هذه الخمسين ألفاً في رمضان القريب -أي بعد شهرين-، إذا دخل رمضان وهي باقية في ملكه، لأن حول هذه النقود هو حول العروض نفسها، ولا يجعل لها حولاً جديداً.

والواجب على المسلم أن يتفقه في أحكام دينه، ويتعلمها، ويسأل عنها، كما أن الواجب على طلبة العلم وأئمة المساجد أن يعلموا الناس دينهم خاصةً ما يتعلق بأمر عباداتهم،

اللهم فقهنا في الدين، وارزقنا العلم النافع والعمل الصالح،،
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتقى الناس لله وأشدهم له خشية. بلغ اجتهاده في العبادة مبلغاً عظيماً لا يطيقه أحد، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يمتثل أمر ربه: (قمِ الليل إلا قليلاً)، فيحيي ليله الطويل صلاةً وتسبيحاً، حتى تتفطر وترِم قدماه، صلاة العبد الشكور، ولربما قرأ في الركعة الواحدة بالبقرة وآل عمران والنساء، ثم ركع ركوعاً طويلاً نحواً من قيامه، ومثل ذلك سجوده، ويبكي في صلاته حتى يُسمع لجوفه أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء، ولم يكن يدع قيام الليل حتى وهو في السفر، فكان يوتر على راحلته. وكان يذكر الله على كل أحواله. يتابع الصوم، فيصوم حتى يُقال: لا يفطر، وربما صام في السفر في اليوم الشديد الحر حتى إن الواحد ليضع رأسه على يده من شدة الحر. أما جوده وكرمه فلا تسأل! فقد كان أجود الناس، كيف لا وقد قال: (لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا، لَسَرَّنِي أَنْ لَا تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ)؟! يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة. أما علو خلُقِه وحسن معاملته للناس فمن مثلُه -صلى الله عليه وسلم-؟! حسبك أنْ كان خُلُقُه القرآن، فلا جرَم أن كان أحسن الناس خُلُقاً، يكسب المعدوم، ويصل الرحم، يحمل الكَل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق. ثِمال اليتامى عصمة للأرامل، كان على هذا من قبل أن يوحى إليه. لا يألو جهداً في القيام بمصالح المسلمين. أفنى عمره الشريف في تبليغ رسالة الله، وتعليم أمته، ناصحاً لهم أتم النصح. أوذي في سبيل الله، فسمع من قومه كل أذى فاحتمله لله، واحتسب ذلك عند الله.
جاهد حق الجهاد، فصبر أعظم الصبر حين البأس والأهوالُ أمامه تلوح، وثبت حين انكشف الناس عنه، جرحه قومه، فشُج رأسه، وكُسرت رباعيته، فما ضعف ولا داهن ولا بدل، بل مضى مستقيماً على أمر الله..

ثم بعد ذلك وغيره انظر -رعاك الله- ما يقول بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم-:

(سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ؛ فَإِنَّهُ لَا يُدْخِلُ أَحَدًا الْجَنَّةَ عَمَلُهُ)، قَالُوا : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ [وتأمل ما يحمله هذا السؤال من كبير تعجبهم] قَالَ : (وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ).

فنسأل الله أن يتغمدنا بواسع رحمته، ويشملنا بمغفرته، ويعاملنا بعفوه وكرمه، ويسبغ علينا إحسانه وفضله، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
ونشكو إليه سيراً ضعيفاً، وزاداً قليلاً، وتفريطاً كبيراً، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تنبيهات تتعلق بالتكبيرات الزوائد في صلاة العيد:

-التكبيرات الزوائد سنة، فإن نسيها كلها أو بعضها حتى بدأ في القراءة فإنه لا يعود إليها، بل هي سنة فات محلها.
-إذا دخل المأموم مع الإمام وقد فرغ من التكبيرات الزوائد فإنه لا يأتي بها، وإنما يقتصر على تكبيرة الإحرام، وإذا دخل مع الإمام وقد فاته بعضها فيتابعه فيما أدرك، والذي فات لا يعود إليه.
-دعاء الاستفتاح يؤتى به بعد تكبيرة الإحرام، وقبل التكبيرات الزوائد، فينبغي أن يراعي ذلك الإمام. أما الاستعاذة فتكون بعد التكبيرات الزوائد.
-يستحب أن يذكر الله بين كل تكبيرتين من التكبيرات الزوائد، وإن قال: (الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً كثيراً) = فحسن.
عيدكم مبارك،
تقبل الله منا ومنكم،
وأعاده علينا وعليكم بالخيرات والمسرات،
قال عبد الله:

ما رأيت أبي [يعني الإمام أحمد -رحمه الله-] يبكي قط إلا في حديث توبة كعب.

الآداب الشرعية ٢/ ١٠٥


وكان الإمام الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- أيضاً يبكي في دروسه كلما قُرِئ عليه هذا الحديث.

رضي الله عنهما ورفع درجاتهما وأسكنهما الفردوس الأعلى،،
2024/04/24 16:37:15
Back to Top
HTML Embed Code: