Telegram Group Search
.:|[ بصائر ]|:.

* اختلف العلماء في إخراج زكاة الفطر، فأما الحنابلة فحصروا المُخرَج في أصناف خمسة نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وأما المالكية والشافعية فوسعوا دائرة الأصناف المُخرجة من الأقوات، وأما الحنفية ومن وافقهم من الأئمة فزادوا على [بعض] أصناف الطعام إخراج ما يساوي قيمتها من الأطعمة الأخرى أو النقود.

* لا يخلو قولٌ من هذه الأقوال من أدلة معتبرة لها حظ من النظر، ومن مآخذ متينة لا يمكن للفقيه الحق إغفالها، ولا يوجد قول منها إلا قال به أئمةٌ في العلم والزهد والورع ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم.

* اتفق جماهير الفقهاء من عامة المذاهب على أن هذا الخلاف سائغ معتبر، وأن من تقلد واحدًا من هذه الأقوال تقلدًا صحيحًا معتبرًا فإن ذلك يجزئه، وبنوا على ذلك إجزاء الزكاة لو أخذها الإمام من الناس قيمة، قال الإمام النووي: "لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مِنْ السَّاعِي فِيمَا [يَسُوغُ فيه الاجتهاد] فوجب امضاؤه"، وقال الشيخ منصور البهوتي: "لِأَنَّ السَّاعِيَ نَائِبُ الْإِمَامِ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يُنْقَض، [لِكَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ]، كَمَا فِي الْحَاكِمِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ: وَجَبَ دَفْعُهُ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ وَقَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّ فِعْلَهُ [فِي مَحِلِّ الِاجْتِهَادِ] سَائِغٌ نَافِذٌ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِمُسَوِّغَاتِهِ".

* من قال إن خلاف الأئمة في الباب هو اختلاف زمان ومكان، لا حجة وبرهان = فقد أخطأ وغفل، وأئمة الإسلام الكبار من جمهور الفقهاء تكلموا في هذه المسألة ونحوها بعد سك الدنانير والدراهم، ومع تنوع حوائج الفقراء من المسكن والملبس والتطبب وغير ذلك، ورأوا أن ذلك غير موجب للعدول عن أقوالهم، وقد قيل للإمام أحمد: "قوم يقولون: الخبز خير؟"، فكرهه، وقال: "توضع السنن على مواضعها، قال اللَّه تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}، ولم يأمرنا بالقيمة ولا الشيء، نعطي ما أمرنا به ..." إلى آخر كلامه رضي الله عنه وأعلى مناره.

* إحياء فعل النبي صلى الله عليه وسلم والتأسّي بظاهر حاله - ولو مع اعتقاد أنه لم يكن مقصودًا لذاته - حسنٌ جميل، ومقصد نبيل.

* الورع والخروج من الخلاف = حسنٌ جميل، ومسلك أصيل.

* الجمع بين محاسن الأقوال للمستطيع = حسنٌ جميل، وأجر جزيل، وأنا والله أتعجّب ممن يجالدون من أجل دفع هذا المبلغ الضئيل في الثياب ونحوها تذرعًا بحاجة الفقراء إليها، ولسان حال بعضهم: "إذا كنتُ مضطرًا لإخراج هذا المبلغ الضئيل ولا بد = فأريد أن أسد به جميع حوائج الفقراء لأشعر براحة الضمير!" ..
مقدار زكاة الفطر الضئيل لن يسد - على أي حال - ولو جزء يسير من حوائج القوت السنوية للفقراء!
المشفق على الفقراء حقًا يفتي بالأخذ بالأحظ في نصاب زكاة المال (نصاب الفضة) أو يقلد ذلك القول ويجعل للفقراء حظًا ثابتًا واجبًا في ماله ..
وإن لم تكف أموال الزكاة فللفقراء علينا (وجوبًا كفائيًا) أن نسد جميع حوائجهم الأساسية بغض النظر عن الزكوات، وكلنا آثمون إن لم يحدث هذا، كلٌ بحسب قدرته.

* الحنفية إنما يعتبرون قيمة أصناف محددة دون غيرها (نصف صاع من البُر [القمح] أو دقيقه، أو صاع من شعير أو تمر أو زبيب) ، فمن أخرج شيئًا دون قيمة هذه الأصناف بناءً على جدول قيم أو نحو ذلك = فإن زكاته غير مجزئة على الصحيح من أي مذهب، ولا يصح ذلك إلا بفتوى فقيه معتبر، وذلك مع اعتبار مخالفة الحنفية في قدر الصاع، ومع اعتبار اختلاف مسالك التحويل إلى الوحدات المعاصرة، فالأمر ليس بهذه البساطة.
والأبرأ لذمة مخرج الفطرة نقودًا أن يكون بقيمة أحد الأصناف في منافذ البيع التي يمكن لمستحقي الزكاة من خلالها تحصيل القدر المجزئ من الصنف لا أقل منه!

* لا ينبغي - خاصةً لمُخْرِج القيمة - الغفلة عن المساكين الذين يجدون معظم الكفاية لا جميعها، ويحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، وقد تجب عليهم زكاة الفطر مع ذلك، فمن تطييب خواطرهم وقطع سبل الشياطين إليهم أن يجدوا عِوَض ذلك من إخوانهم الأغنياء، وألّا يغفلوا عنهم في هذه الأيام العصيبة!

* يحرم الإنكار في مسائل الخلاف السائغ (التي يحكم العلماء بسواغها)، وتجوز النصيحة الطيبة بما يراه الفقيه ونحوه أكمل وأفضل، وليس على المفتى سوى بيان ما يجزئ - في مذهبه واعتقاده - وما لا يجزئ، أما العامي فلا يتكلم، وإنما يوجّه الناس إلى سؤال أهل العلم وترك المراء والإنكار فيما لم يحط بعلمه، لا يزيد على ذلك.

* يحرم الكلام في دين الله تصحيحًا أو تضعيفًا أو استدلالًا أو إنكارًا لغير فقيه فطن. 👇🏼
👆🏼 * لأنّا ننكر هذا، فبعض الناس يتصور أن مبدأ وصم قولٍ ما بأنه مخالف للسنة أو أنه قول فقيه أو تابعي مقابل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم = خطأٌ مطلقًا ومردودٌ أبدًا، وهذا هو الخطأ والغفلة، وإنما محل إنكار ذلك صدوره عن غير مجتهد متأهل، أما المجتهد المتأهل الذي أداه نظره المعتبر إلى هذا الإطلاق فهو مقبول منه، ومن ذلك أنه قيل للإمام رضي الله عنه: "قوم يقولون: عمر بن عبد العزيز كان يأخُذ بالقيمة"، فقال رضي الله عنه وأعلى مناره: "يَدَعُون قَوْلَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويقولون قال فلان!"، ومقلد الإمام قد يقلده في هذا أيضًا في نفسه، لكن ليس له أن ينكر أو يخوض في هذا الشأن، وليس له كذلك أن يثير الفتنة أو يلبّس على الناس ويشوّش، أو يقضي قضاءً عامًا في زكواتهم ونحو ذلك، والإمام نفسه لم يفعل ذلك.

* فتح باب الكلام في دين الله وفي أحكام الشريعة على منصات التواصل الاجتماعي والسماح لكل أحد بالكلام في ذلك برأيه وهواه = حرام عظيم، ومنكر مبين، وسوء أدب، وتعدٍ على حرمات الله، ويستحق صاحبه التعزير والتأديب لو كان ثَمّ من يُعزر ويُؤدّب.

* تحويل الخلاف الفقهي - ولو بنية حسنة - إلى مادة للمزاح وإلقاء النكات وصناعة الكوميكات وقصف الجبهات = سوء أدب مع الشريعة، وإنقاص من هيبتها، وفتح باب للتجرّي عليها، خاصة مع انتشاره جدًا.
[إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ]

#2020

[أخيرًا .. البحث الفقهي عموما غاية في الصعوبة والدقة والتعقيد، لكن هذا لا يدركه الجاهل بمسالك النظر، لا يختلف كثيرا عن بعض طلبة الثانوية العامة الذين يظهرون من آن لآخر ليحطموا النظرية النسبية بمنتهى الثقة، أو عمن اخترع جهازا ليعالج فيروس سي ويخرجه أصبع كفتة يتغذى عليه المريض، ومن الناس من كان يرى وجاهة ذلك، ويرى منكريه متنطعين حسدة ..
كذلك حال الجاهل الغافل مع مسائل الشريعة ..
شيء مؤسف!
تجد فريقا من الجهلة يأتي بكلام خايب ساذج يظن أنه به قد بلغ المنتهى وألجم كل متكلم، ثم تجد الفريق المقابل يأتي بكلام خايب ساذج كالأول!
وتتحول الشريعة بين الطرفين إلى كلام قعدات قهاوي، وإنا لله وإنا راجعون! .. عبث!
وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم!]
عن اغتنام العشر الأواخر من رمضان، بلغنا الله وأعاننا وتجاوز عنّا وتقبل!
https://www.youtube.com/watch?v=Er2Uu2QqiEs
[وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ]
فوعد الله حقٌ قطعًا، لكنّ أكثر الناس جهلة لا يعلمون ..
فمنهم من لا يعلم وعد الله أصلًا ولا يفهمه، فينتظر غيرَ ما وعد الله به ثم يظن أنه قد تخلّف، ولم يتخلف سوى أمانيه! .. والأمر كله [لَيْسَ بِأمانِيِّكم]!
ومنهم لا يعلم كثيرًا من أمارات وعده سبحانه ولا يراها لتعلق نفسه بغير ذلك أيضًا!
فكل ذلك مرجعه لظن الناس أنهم يعلمون مع كونهم جُهالًا لا يعلمون، ومرجع ذلك لما ذكره الله سبحانه تاليًا: [يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ]، فغاية ما عندهم ويغترون به ظاهر من الحياة الدنيا ورسوم وصور، أما الآخرة فهم عنها غافلون، وكذلك حقائق الحياة الدنيا هم بها جهلة!
فحتى علمهم بالحياة الدنيا ناقص كمًا وكيفًا، أما كمًا فلأن ما يجهلون من الماضي والحاضر والمستقبل أكثر مما يعلمون، وأما كيفًا فلأن ما يعلمونه - مع نقصانه كمًا - مشوبٌ بما طُبع عليه الناس من الهلع والجزع والشُح والبخل والعجلة والهوى وغير ذلك مما يعلمه الناس من أنفسهم أصلًا، ويعلمون نقصان عقولهم به!
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله"، وفي رواية لمسلم عنها، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره".

العشر الأواخر محطة جديدة يبدل السائر إلى الله على عتبتها أثوابه بعدما يغتسل من أكدار الدنيا ما استطاع.

أتدري ما أعظم الهبات التي تحملها إليها المحطات الجديدة في الحياة؟!
هو ما ذكرتُ لك منذ قليل .. إنها تجدد لنا الفرصة لكي نبدل ثيابنا ..
نخلع عندها ثياب المحطة السابقة بكل ما فيها من تقصير وتفريط وتجنٍّ، ونلبس ثيابًا بيضًا لا دنس فيها ..
نقطع أوراق العهود التي نُكثت، ونبرم عهودًا جديدًا نبث فيها آمال التدارك والتعويض ..

المحطات الجديدة تحتاج إلى قرارات جديدة، وروح مختلفة، ووقفات صادقة ..
دعك من كل ما سبق ..
اغتسل الآن من التقصير والغفلة واللامبالاة ومن كل شيء فات، وابدأ من هذه اللحظة ..
فرصة أخيرة لتبديل الثياب قبل انفضاض السوق ..
[خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يُغفر له]

- أغلق السوشيال ميديا وأوصد كل أبواب الملهيات ما استطعت، ساعات قصيرة بقت والأجر كبير، والمفرط مغبون.

- اجتهد في الاعتكاف في المسجد إن تيسر لك ذلك، فإن لم تستطع فاجتهد في تحقيق مقاصد الاعتكاف ما استطعت ..
الاعتكاف الشرعي لا يكون إلا في المساجد، لكن يمكنك أن تتعلق بطرف من مقاصده، ومقصوده الأعظم هو عكوف القلب على الرب سبحانه، فاختل بنفسك قدر الإمكان، وتخفف من أبهة المطاعم والمشارب، واجعل حائلًا بينك وبين معكرات الصفو ومشوشات الفؤاد، وأقبل على الله بكليتك.

- اجتهد في إحياء الليل ما استطعت، من أوله إلى آخره، تقلّب بين أفانين العبادة، اجتهد في أن تصلي الليل كله إن قويت على ذلك، ولتقرأ من مصحفك في الصلاة، سواء كنت تتنفل أو تقضي، لا بأس ..
وإن كنت تتنفل فاجعل قراءتك صلاة قدر الوسع، ولو صليت جالسًا، لا بأس ..
فإن لم تفعل فاقرأ من كتاب الله على أي حال ..
وامزج قراءتك بالدعاء والمناجاة والتعوذ والسؤال ..
فإن لم تفعل فانشغل بالدعاء والمناجاة، فإنهما من أمات العبادة في هذا الزمن الشريف، ولتكثر منهما في سجودك على أي حال.
فإن لم تفعل فانشغل بالذكر، فإن لم تفعل فانشغل بالفكر والتدبر ..
لا تفرط في لحظة من الليل قدر وسعك ..
ولا تترك ثغرة يتسلل إليك منها الكسل والغفلة.

- خذ زينتك في الليل ما استطعت، اغتسل بين المغرب والعشاء، والبس ثوبا حسنا، وتعطر وتسوك وتهيأ.

- أغلق السوشيال ميديا وأوصد كل أبواب الملهيات ما استطعت، وتذكر المرات العديدة التي قلت لنفسك فيها إنك ستضبط نفسك ثم فرّطت في خير أزمان عمرك.

- تحفّظ في النهار قدر الإمكان، فإن الليل مرآة النهار، حافظ على قلبك من المشتتات والملهيات وأسباب الغفلة والكسل والضعف.

- إن كنت مضطرًا إلى عمل أو نحو ذلك فلا يجعلنك ذلك ترخي عزمك، فحافظ على [نفسية] العبادة قدر المستطاع، ولتكن دائمًا في ذكر لله أو مناجاة أو دعاء أو تفكر فيه، وتعلّق بكل باب للخير من صدقة أو بر أو معونة على الخير وأخلص النية في ذلك، لا شيء يحول بين قلبك والسماء إن صدقت، ولا يدري المرء بما يُغفر له.

تقبل الله منّا جميعًا، وأعاننا على طاعته، وكل عام وأنتم بخير وعافية.
كان الحسن البصري يقول: "من عجز بالليل كان له من أول النهار مُستعتب، ومن عجز بالنهار كان له من الليل مستعتب".
ومُستعتب: أي محل للاسترضاء والاستسماح وإصلاح الخلل والتعويض!

فمن عجز طوال العام كان له من رمضان مُستعتب، ومن عجز في أول رمضان كان له من العَشر الأواخر مُستعتب ..

فمن عجز الآن فقد خاب وخسر!
أليس النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يُغفر له"؟!

فإن ضيّعت الآن فمتى تستدرك؟!
أرِ الله منك خيرًا .. حبًا .. رجاءً .. خوفًا .. إقبالًا .. محاولةً ومجاهدة مهما كانت كسيرة عرجاء!
تقرب إلى الله الآن - ولو شبرًا - يأتك سبحانه ذراعًا وباعًا بقراب الأرض مغفرة ورضى وشكرًا!
هذه ليال عتق واتقاء للنار .. فاتق النار ولو بشق تمرة!
من استقبل القبلة ثم غفل عن إخوانه المكلومين الذين يستقبلونها = فما أراه قد أحسن استقبالها ..
ومن قال "اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم" من عبادك المؤمنين، ثم لم ينشغل قلبه بالتفكر في كل مستطاع يُدفع به الضر عن أهل الإيمان ويُرفع به العجز عن أمة الإسلام ويَفْتَكّ المرء به رقبته من جُرم الخذلان = فما أراه قد أحسن الاستهداء!
|[ الحائض ونحوها في العشر الأواخر ]|

عن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع النبي ﷺ في غزاة، فقال: "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَّ كانُوا مَعكُم، حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ"، وفي رواية: "حبسهم العذر"، وَفِي روايَةِ: "إِلاَّ شَركُوكُمْ في الأَجْر".

ويدخل في معنى هذا الحديث وأشباهه المرأة الحائض التي حبسها العذر عن الصلاة وقراءة القرآن، وتأخذ أجرها كاملًا إن شاء الله ما دامت صادقة في العزم، ولم يمنعها سوى العذر، ومن يصدق الله يصدقه.

والصدق له علامات، ومن أجلّ هذه العلامات تعويض المفقود ببذل المجهود في تحصيل الموجود، والله سبحانه يقول: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ".

وبين يدي الحائض من فنون العبادات وألوان الطاعات التي تنال بها أعلى المقامات = ما لا حد له ولا حصر.
وقد قال إمام الدنيا في العلم والزهد والعبادة، سفيان الثوري رضي الله عنه: "الدعاء في تلك الليلة - أي ليلة القدر - أحب إلي من الصلاة"!
وعن الحسن البصري وغيره: "تَفَكُّر ساعة خير من قيام ليلة".

فما يحجبك عن سكينة الدعاء، وحلاوة المناجاة، وجمال الذكر، وأنس التفكر في جلال الله وجماله، ولذة الاستماع إلى القرآن مع إمرار معانيه على القلب ومع التفكر والتدبر والتفاعل معه بالسؤال والتعوذ والمناجاة؟! .. هذا والله النعيم!

بل والله، هذه فرصة لتذوقي حلاوة غائبة عن أكثر الناس في هذه العبادات - التي لا نفعلها إلا لمامًا، ولدقائق معدودة فقط - بأن تقضي الليل كله تتقلبين فيها ما استطعت!

فلا شيء يحجزك عن الله، ولا شيء يحجبك عن أبواب السماء، ولا يدري المرء بم يكون فكاكه، ولستِ استثناءً من سباق المشتاقين إلى جوار رب العالمين!
وعند الصباح يحمد القوم السرى!

قيل للضحّاك: أرأيت النفساء والحائض والمسافر والنّائم لهم في ليلة القدر نصيب؟ فقال: نعم، كل من تقبّل الله عمله سيعطيه نصيبه من ليلة القدر.

[ملاحظة: الذي أتبعه وأعتقده وأفتي به هو عدم جواز قراءة القرآن للحائض، وبنيت الكلام على ذلك، والقول بالجواز قول سائغ مقبول، فكلٌ تعمل بما تتقلده وتتبعه بسؤال مفتٍ أو نحو ذلك]
"اللهم إنك عفو .."
أسألك لأنك العفوّ، لا لكوني مستحقًا لعفوك ..
أسألك لأنك العفوّ، وعافية الدنيا والآخرة فرعٌ عن عفوك ..
أسألك لأنك العفوّ، وأبواب الأنس والسكينة مفتاحها عفوك ..
أسألك لأنك العفوّ، ولا معنى لصلاتي ودعائي وابتهالي إن لم تعف وتغفر ..
أسألك لأنك العفوّ، وقد خاب وخسر من سُطر قدره في ليلة لم تعف عنه فيها ..

"تحب العفو .."
وحياتي كلها - يا مولاي - دليلٌ على حبك للعفو ..
رأيت حبك للعفو في عودتي إليك بعد كل انقطاع ..
رأيت حبك للعفو في وقوفي الآن بين يديك على كثرة ذنوبي ..
رأيت حبك للعفو في كل نبضة حب أو ومضة رجاء أو رعدة خشية بلغت فؤادي على ما يحوطه من حُجب الغفلة والجهل بك ..
رأيت حبك للعفو في سؤالي العفو منك ..

"فاعف عني"!

من أدمن طرق الباب يوشك أن يُفتح له!
وما أوسع باب الليلة إلى العفو والعتق والمغفرة!
إنه رب العالمين الذي يدعوك إليه!
إنها الجنة! .. إنها النار!
أمر عظيم والله!
يا فلان! .. يا فلانة! .. أنقذوا أنفسكم!
ألا يستحق العتق أن تترك الآن كل ما في يديك وتجأر إلى الله تطلب النجاة؟!
ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟!
"اللهم ارزقني غداً رجلاً شديداً بأسه شديداً حرده أقاتله فيك ويقاتلني فيقتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني فإذا لقيتك قلت: يا عبد الله فيم جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت"
[عبد الله بن جحش رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم]

لا بأس على من فُعل به ذلك أو أشد فيأتي الله سبحانه فيقول: "فيك وفي رسولك!"، وقد رُوي أن أهل العافية يودون يوم القيامة أن جلودهم قُرِضت بالمقاريض مما يرون من ثواب أهل البلاء، وإنما البأس كل البأس على من تسلّط على أهل البلاء أو خذلهم وأعان عليهم أو تغافل عنهم وتَلَهّى ونسي، فصاحب البلاء يقول: "فيك يا رب"، أما الآخر فماذا يقول لله سبحانه؟! .. والله المستعان!
إني لأرجو في هذه الليالي المباركة أن الماهر (بالعبادة) يكون مع السفرة الكرام البررة ..
وأن الذي يجاهد نفسه، يتتعتع في (العبادة)، وهي عليه شاقة = يكون له أجران!
فهنيئا للمتتعتعين!
قناة كريم حلمي
إني لأرجو في هذه الليالي المباركة أن الماهر (بالعبادة) يكون مع السفرة الكرام البررة .. وأن الذي يجاهد نفسه، يتتعتع في (العبادة)، وهي عليه شاقة = يكون له أجران! فهنيئا للمتتعتعين!
والتتعتع هنا أصله التتعتع في الكلام، أي النطق بصعوبة ومشقة ولجلجة، وذلك كناية عن ثقل العبادة وتكلُّفها والمجاهدة فيها والتردد، وأصل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ"!
هذه الليلة هي أرجى الليالي عند جماهير المسلمين!
الله سبحانه يدعو عباده إليه، ويُقبل عليهم، ويدنو منهم، ويفاخر بهم، ويعتق رقابهم، وها هم عبيده من مشارق الأرض ومغاربها قد أقبلوا عليه واقفين على بابه يتضرعون، يُوشَك أن يُفتح لهم! .. وفيهم الطائع والعاصي، والمحسن والمسيء، والكبير والصغير .. الآن الآن!
ألا تستحي من ألّا يجدك الله فيهم؟!
أما تحب أن يرى الله تقلّب صُلْبِك في الساجدين وتردد لسانك مع الذاكرين؟!
ماذا تفعل هنا الآن والناس قد سبقوك إلى لقائه؟!
ألا تغار منهم وتود أن تقول كما قال موسى: "وعجلت إليك ربّ لترضى"؟!
ما أخلفك عن قومك يا فلان؟! .. بم شُغلت عنه؟! .. ساعات وينفض السوق!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد ..
فبرنامج د. علي جمعة هذه السنة - ككل سنة، بلا حرفٍ جديد، لكنّ المغيّبين لا يعلمون - يمثل صورة بسيطة وهزلية نوعًا ما من حالة التأويل السوسيوسياسي (الاجتماعي / السياسي) للشريعة والتراث، فهو ليس خاصًا بالتراث، بل يتعداه إلى مقررات الشرع نفسه، وليس تأويلًا حداثيًا بالضرورة، لكن على حسب المزاج السوسيوسياسي، إذ هذه الحالة لها جذورها وتمثّلاتها التاريخية السابقة على الحداثة وما بعدها، وكنت تكلّمت في دروس سابقة عن قضية التحسين والتقبيح الاجتماعيَيْن والسياسيَيْن.

جانبٌ ما من هذه الحالة يرى المزاج الاجتماعي / السياسي جزءًا من إكراهات حركة تاريخ قسرية لا يكاد يملك الدين والشرع معها سوى الانفعال المحض ومسايرة تيار طوفانها قبل أن يتهشّم، وقد يجتمع إلى ذلك مسايرة أهواء النفس أيضًا، وإن كان لا يخلو ذلك العجز والهوى من إلباسه جُبّة الحكمة، وتوشيتها بشعارات المقاصد أو المصالح والمفاسد أو الاشتباك مع الواقع ومنابذة التقوقع في كهوف التاريخ أو التمدّن أو التجديد والاجتهاد أو غير ذلك، مع تقديم هذا النموذج بديلًا حتميًا لحالة الجمود والانعزال والتقوقع والظاهرية والتقليد المحض (الموجودة بالفعل بلا ريب!)، وهذا كله يؤول إلى حالةٍ من التاريخانية الاجتماعية لكل شيء! .. العقيدة والشريعة والنصوص والتراث!

لا ينبغي أن يتشاغل عاقل بتطويل الكلام في بيان ما يفهمه كل عاقل قطعًا من الكلام المذكور في البرنامج وغيره، إذ البرهنة على الجليّات يُغمِضها، ومن يسفسط في قطعيات الشريعة وغيرها سيسفسط فيما سواها، والمُلتَفَت إليه أصالةً في هذا المقام هو الإضلال لا الضلال، وحَمل السامع الظاهر للمتكلم، لا مراد المتكلم نفسه أو اعتقاده، ولذلك قد اتفق الفقهاء على كفر أو زيغ من أشار على مسلم بالكفر أو لقّنه إياه أو زيّنه له أو أبقاه عليه وإن كان ذلك المُشير لا يعتقد هذا الكُفر، ولو كان ذلك على وجه اللعب كما قاله بعض الحنفية وغيرهم.

ومن تجليات هذا التحسين الاجتماعي فيما جاء في البرنامج:

• تحكيم المزاج الاجتماعي في المساحات التي يتسلّط عليها في باب العلاقة بين الجنسين، فيُقال لشباب في سن ما دون الجامعة إن المرجع في الأقوال والأفعال العاطفية - لا مجرد الانفعال القلبي - أو الصداقات المقربة المتضمنة للخروج والمزاح = هو التقبُّل الاجتماعي ومعرفة الوالدين ورضاهم! .. هذا مع ما هو معلوم من وجود بيئات متفسّخة (تُوصَف بأنها منفتحة) في مصر وغيرها، ومما يقطع الطريق على السفسطة في تحريف المراد توظيف علي جمعة المتكرر لحديث مغيث وبريرة في هذا السياق وبعض عبارات شُرّاحه كابن بطّال، وهذا التوظيف - مع كونه خاطئًا فاسدًا في نفسه - يدل على اتساع مساحة التواصل العاطفي بين الجنسين التي يرفع عنها سلطان الشريعة ويُخضعها للتحسين الاجتماعي.
ثم هو يُعَدِّي الحاكمية الاجتماعية للحالة المحافظة أيضًا، فيُشير إلى أن الفصل بين الجنسين في التعليم الأزهري لا علاقة له بالدين، ولكن كان مجرد استجابة لطلبات الأهالي والثقافة الاجتماعية الموروثة، هكذا بهذه البساطة! (نفس بساطة - أو صفاقة - إطلاق إن ستر الوجه مجرد عادة اجتماعية لا علاقة لها بالدين)، فيؤول الأمر إلى إخضاع هذه الباب من أصوله - بنصوصه الشرعية والتراثية - إلى تاريخانية اجتماعية نسبية لا سلطان لها. 👇🏼
👆🏼 • قضية الحكم على غير المسلمين - خاصة النصارى - راجعة للتحسين السوسيوسياسي كذلك، لأن هؤلاء جزء من المجتمع الصغير (الدولة)، ولأن مفهوم التآلف مع المخالف العقدي جزء من المجتمع الكبير (العالم وسياساته وخريطة مصالحه)، وهو أيضًا اصطباغٌ - إلى حدٍ ما - بالأنثوية الحداثية في هذا السياق خصوصًا، وعلي جمعة يُنظّر للأمر فعلًا بطريقة "بلاش خناقات / العيش مع الجيران في سلام / كلنا واحد لهم ما لنا وعليهم ما علينا / التآلف والحب بين أهل الوطن الواحد"، وهو أيضًا تغليب للمصلحة السوسيوسياسية (منع الفتن والاضطرابات والتناحر الداخلي والخارجي) على المصلحة العقدية والشرعية، وهذا مسلك عتيق، فكم من ذي سلطان توسّل ببدعة ومذهب للاستقرار السياسي والضبط الاجتماعي (دفعًا للتذاكي: ليست المشكلة في تقليل الصدام أو درء الفتن وإنما في الضريبة المسموحة لذلك والأدوات المقبولة والمسالك المطروقة!)
كالعادة، سيؤول الأمر إلى التصريح بتحريف تاريخاني سوسيوسياسي لكل شيء، فمثلًا (من كلام علي جمعة في البرنامج): كثير من أحكام الفقهاء في هذا الباب كانت مجرد تفاعل مع الحروب الصليبية والاعتداء السياسي على المسلمين، ونحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس ..." خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وبظرفه الاجتماعي والسياسي (وهناك بالفعل كلام قديم لبعض الزنادقة في تسييس قضية الإيمان والكفر من أصلها، والوصول لهذا ليس بعيدًا كما يُتصور)، حتى آيات [لقد كفر الذين قالوا ..] معلّق الكفر فيها بمقالات لا علاقة لها بمسيحية ظرفنا الاجتماعي، وأنها نزلت في فِرَق تاريخية بائدة لم يعد لها وجود (هذا بخصوصه لا أذكر أنه قاله في البرنامج، لكن كرره غير مرة في سياقات أخرى، آخرها في برنامج مملكة الدراويش هذا العام، الذي يظهر فيه رؤوس التصوف - زعموا - ليتكلموا عنه بين يدي امرأة متبرجة بزينة [معلوم طبعًا أن هذا من التفاعل الإيجابي مع إكراهات الطبيعة الاجتماعية، والاشتباك مع متغيرات العصر، والمنابذة للتقوقع والرجعية والعيش في كهوف الماضي!])، ثم في المقابل هذا التأويل التاريخاني للقرآن يُحمَّل النص القرآني انضواء جميع الأديان تحت مسمى الإسلام الذي هو الدين عند الله!
ومن جملة التاريخانية العقدية التترس باللاأدرية التاريخية لمّا نَهَر علي جمعة أحد الأطفال لمّا أشار إلى تحريف غير الإسلام من الأديان، فأخبره علي جمعة بأنه يتكلم فيما لا علم له به، وأنه افترض من عنده هو أن الديانات غير الإسلام محرفة أو غير ذلك، ومن جملة ما يتعلق أيضا بالتوظيف التاريخاني = التعلق اليائس برواية تاريخية معزولة عن الدواوين الفقهية (من كتاب الولاة لأبي عمر الكندي) لا سند لها أصلًا عن الليث وابن لهيعة بأنهما أشارا بإعادة بناء ما هُدم من كنائس مصر وقالا إن بناءها في ديار الإسلام من عمارة البلاد! .. ثم يُتوسَّل بمثل هذا لإسقاط كلام الفقهاء من جميع المذاهب في مختلف الطبقات! (ولا أنسى تحابيش شوقي علّام عليها وكيف أن الليث هذا أعلم من مالك وأفقه وهكذا، وعلي جمعة نفسه وظّف هذه القصة كثيرًا بنفس السذاجة!)
لا أريد أن أطيل كثيرًا ههنا، وأُحيل على بعض ما ذكرته في إحدى حلقات سلسلة نفثات، بعنوان (عُرى منقوضة). 👇🏼
👆🏼 • مما يتعلق بما سبق - وإن كان أعم منه - قضية سلامة المجتمع ما دام متمسكًا بعقده الاجتماعي (المتمثل في التعايش والسلام والتقبل والأخلاقيّة والفردانية الشعائرية ونحو ذلك)، مع استدعاءٍ لدعائم صوفية قديمة، مثل التصوّر المشوّه عن الجمال المطلق لله والدين، وكذلك عن الرحمة والحب الإلهيين، ومن ذلك مفهوم التلازم بين الخلق والحب، وأن الله ما دام قد خلقك فهو يحبك ضرورة، وهذا سيؤول ضرورة إلى قدرٍ من الإنسانوية، ثم يُثمر هذا نحو ما أشار إليه علي جمعة من الإمكان الوقوعي الحصولي (لا العقلي) لكون العقاب الأخروي بكل تفاصيله القرآنية والنبوية أشبه بأسطورة رمزية تخويفية لا تحقق لها وأن الجنة مصير جميع الناس (الذين هم أبناء الله وأحباؤه بطبيعة الحال)، ولا شك أن هذا الذي قاله لا علاقة له بمسألة فناء النار ولا بقول ابن عربي نفسه، فبينهما بون شاسع، وهذا القول ليس من مخترعات علي جمعة، بل له جذوره، ثم لو افترضنا أنه ذكر فناء النار يبقى النظر في قضية طرح ما أعتقده باطلًا قطعًا أو ظنًا عسى أن يكون سبيلًا لرضى إنسان ما عن الله وأفعاله فيؤمن به ولا يكفر! .. هذا نفسه درجة من درجات تسليط النظرة الاجتماعية على الله نفسه وأفعاله سبحانه! .. بل إن التترس بأحد الأقوال الخلافية في رد الشبهات في المسائل العملية = مسلك غاية في الفساد، لأن التترس بهذا دون غيره يقتضي التسليم بأن ما سوى هذا من الأقوال ظلم أو فساد أو منافاة للحكمة والرحمة وغير ذلك، ثم إن التسليم بسواغ الخلاف يقتضي إمكان كون القول الآخر هو الحق عند الله، وهذا يقتضي التسليم بإمكان كونه سبحانه وتعالى ليس بعدل أو رحيم أو حكيم! .. جل وعلا وتقدس .. ثم إن سلّمنا حُسن التترس بنحو ذلك في دفع شبهة مهلِكَةٍ عن إنسان على وجه الاستثناء الفردي = فمتى صار نحو ذلك يُبَث في المقامات العامة ابتداءً حيث تُلقَّن الأصول لا الاستثناءات .. وهل تندرس الشرائع وتُحرَّف الأديان إلا بذلك؟! .. يُتعلق باستثناءات ومخارج على وجه الضرورة، ثم تصبح أصولًا ومبادئ شيئًا فشيئًا، ثم تُطلب استثناءات ومخارج أخرى مع تزايد ضغط الأهواء والتبدّلات الاجتماعية، ثم تصبح أصولًا ومبادئ شيئًا فشيئًا، وهكذا حتى يصير الدين ليس بينه والدين الأول سوى رسوم وأطلال!
وكذلك الحال فيما يتعلق ببعض الأحكام الشرعية النسائية، نفس التأويل الاسترضائي المنهزم بين يدي سلطان المزاج السوسيوسياسي النسوي، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيتكن أكثر أهل النار" حكم تاريخاني مرده لعدم تعليم المرأة سابقًا، مع إشارة (مُصرَّح بمضمونها في سياقات أخرى) إلى تاريخانية أحكام فقهية متعلقة بالمرأة (مثل الولاية) لنفس الأسباب والظروف، مع التأكيد على أن مثل هذا الأمر لا مدخل لحُكم الدين فيه، بل بلغ الأمر إلى أن يقول إن اختصاص الذكور بالإمامة في الصلاة هو مجرد أمر ترتيبي، غاية ما هنالك أن المرأة قد يأتيها الحيض أثناء صلاة الجماعة فتُضطر للخروج!

• لعله ليس هناك أظهر في الارتباط بالمزاج الاجتماعي من مفهوم توطين / تمصير الشريعة، والإشارة المتكررة من علي جمعة وغيره لـ (التجربة المصرية في التعامل مع الشريعة)، وقد يمتد هذا أحيانًا عند فريق من الناس إلى حالة من (الشوفينية الشرعية)، والأمر فيها أعقد مما قد يُظَن وأفسد، لكن لعل مقامًا آخر يتسع لذلك إن شاء الله، ولا أملك أن أغفل ههنا الإشارة إلى نمط ظاهر جدًا وصريح كذلك من حالة التحسين السوسيوسياسي، وهو إلباس المتصدرين بذلة السياسي فوق جُبة المتشرع، والإشارة المتكررة إلى الأدوار السياسية الضرورية للرؤوس العُلمائية، لا من حيث ضرورة الفاعلية السياسية والاجتماعية في الإصلاح المستند إلى أصول الشريعة والصباغة بصبغتها (لا سمح الله!)، بل من حيث تجويز المسالك والألاعيب السياسية ولو في المساحات الشرعية العلمية والعملية!

ثم إن كلام الرجل لا ينحصر في تقرير البواطل، بل يتعدى إلى تشويه الشريعة والتراث والاستخفاف بهما، فمن ذلك:

• التسفيه من أقوال هي محل إجماع أو اختيار جماهير فقهاء الأمة عبر القرون، فتقترن بها عبارات إنكارية مثل: "من قال لكم هذا؟! .. من أين تأتون بهذا الكلام؟! .. كأن أحدًا قد فهّمكم خطأ مثل هذا!" .. وهكذا!

• بل يصل الأمر إلى رمي هذه المقالات وأهلها بالبدعة والضلال، فيقول الرجل إن البدعة والضلال هي أن تقول بمقتضى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أُمرت أن أقاتل الناس ..."، وألا تجعل الحديث خاصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن تفسّر "الناس" بغير قريش خصوصًا! .. وهذا يقتضي أن الأمة كلها ضُلّال مبتدعة، بدءًا من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما! 👇🏼
👆🏼 • ثم إن هذا كله مع ما سبق وغيره يؤول لإسقاط كل حرمة وثبات لأي شيء في الشريعة، ويؤول إلى صناعة الحرج منها، وشعور هؤلاء الفتيان أنهم في حاجة إلى كل هذه الالتفافات والألاعيب لكي ينفوا عن صدورهم وصدور الناس الحرج من كتاب ربهم وسنة نبيهم وكلام سلفهم، لا كما قال ربنا جل وعلا: [كتابٌ أُنزل إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ منه لتُنذرَ به وذكرى للمؤمنين]

هذا بغض النظر عمّا تضمنه البرنامج - كغيره - من مجازفات كثيرة في كل شيء، بدءًا من نسبة الأقوال للمذاهب (ولم يسلم واحدٌ منها، بلا مبالغة) وتفسير النصوص وسياقات الآثار، إلى التاريخ والإدارة والاقتصاد والفيزياء والطب وعلم النفس وغيرها!
العجيب أن علي جمعة شجع الشباب الصغير على قراءة الكتب المتضمنة للإلحاد والطعن في الدين من غير خوف! .. فليت شعري أيظن حقًا أن أدران الشُبهات ستُدفَع - أو تُغسَل - عن قلوب هذه الأجيالبمثل هذه الالتفافات الساذجة والتأويلات الساقطة، فضلًا عن الهروب الظاهر من المضائق الذي تكرر منه كثيرًا؟!

لا شك في أن الواقع المعاصر غاية في التعقيد والتشابك والتسارع والصعوبة، وأن الاشتباك معه من ضروريات الإصلاح ومسؤوليات الوظائف الدينية، وأن تغيّر طبائع الأزمان يلقي بظلاله على مساحة من الأحكام الشرعية، ولا شك في أن هذا كله يحتاج إلى اجتهاد واسع، وأدوات معرفية ثقيلة، ولحاظ عوامل كثيرة مركبة ومستويات متباينة، وسياسة في التحليل والتنزيل، والتسهيل في أمور مع الحزم في غيرها، ولا شك أيضًا في أنّا نعاني - في الجملة - من ضعف شديد وتآكل ظاهر في الأروقة العلمية الشرعية يحتاج إلى تجديد وإصلاح، لكن هذا كله لا علاقة له بما نحن فيه، بل إن أكثر من ينجرفون إلى ما ذكرنا - مهما كان مستواهم العلمي في نفس الأمر - لا يتكلمون فيه بلسان علمي مبين أصلًا، وأكثر ما يقولونه خطابة وحشو، أو التفافات وألاعيب، أو محاولات تشبث بائسة بكلمة في حاشيةٍ هنا أو هناك، أو سفسطات عجيبة وأحوال كثيرة من المُضحكات، لكنه ضحك كالبُكا!

وبعد، فهذه مجرد إشارات وصفية جملية لا نقدية تفصيلية، إذ ليس هذا مقامها، وقد يُقال إن الكلام في البرنامج أكثر بساطة وهزلية من كل ذلك، وهذا حق، لكن - كما ذكرت أولًا - الغاية التنبيه على الفلسفة الكلية لا جزئيات المسائل، واستواء هذه وتلك في عدم الاختصاص بالبرنامج وصاحبه، بل هو مسلك له جذوره وامتداداته وتجلياته، وهو مع ذلك تزيّنه الضغوط والتعقيدات والأهواء، وقد يحض عليه الضعف العلمي والتكلّس الفكري والتأرجح بين الجمود والعَبَث، فيحتاج إلى انتباه من العقلاء، وربنا يبصّرنا وينجّي عباده من مهالك الضياع!
إنه بكل جميلٍ كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل!
من طلب ليلة القدر ليتخفف بعدها من ثياب العبودية فلم يتضلع قلبه من حلاوة هذه الليلة ..
وكان السلف رضي الله عنهم يعكفون على الطاعة ليلة العيد بعد انتهاء ليالي رمضان، وتأبى قلوبهم مفارقة المحاريب حتى صلاة العيد، لا تطاوعهم، إذ كيف يترك المشتاق حبيبه بعد لقياه أم كيف يترك الأعمى النور بعد إبصاره؟!
تقبل الله منّا ومنكم، وكل عام وأنتم بخير وعافية وطاعة ورضى وسعادة!

هذا زمان تكبير الله على ما هدانا!
هذا زمان الفرح بفضل الله وبرحمته! .. أي بالقرآن والإسلام كما العلماء رضي الله عنهم!
فمن كان ثابتًا على الإسلام، يحب الإسلام، ويحب الله ورسوله = فليفرح!
من استمع إلى القرآن أو تلاه = فليفرح!
من عظّم رمضان وصام رمضان وترك لله = فليفرح!
من جاهد نفسه في ترك معصية أو استحداث طاعة على الرغم من ضعفه وتقصيره = فليفرح!
من تذكر إخوانه بدعاء أو معونة، وأحب أهل الإسلام ووالاهم، وأبغض أعداء الإسلام وأهله وعاداهم = فليفرح!

كل هذه نعم عظيمة جدًا تستحق أن تفرح لأجلها مهما كان عندك من أسباب الهم، هذه بالدنيا وما فيها!

يا رب!
عُرج ومكاسير وضعفاء لكن نحاول مجاهدة أنفسنا ومغالبتها، نحاول أن نكون على عهدك ووعدك ما استطعنا!
رضينا بتوسعتك ورحمتك ولطفك ورخصتك فنفرح الآن على الرغم من تقصيرنا، ففرّحنا يا رب يوم نلقاك!
كل عام وأنتم بخير وعافية وزيادة في الدنيا والآخرة ..
- صلاة العيد عندنا فرض كفاية، لكن ينبغي للمسلم أن يحرص عليها، فهي من شعائر الإسلام الظاهرة، ولها أثر في قلب العبد، والاستهانة بها أمر قبيح.

- يستحب لصلاة العيد ما يستحب للجمعة، من الغسل والتبكير والدنو من الإمام وحسن الهيئة والتطيب.

- يسن التوسعة على الأهل وإدخال السرور على الفقراء بالصدقة، والفرح في هذا اليوم عبادة، فجاهد نفسك ألا تضيّق على أهلك أو تحزنهم.

- الأمر في صيغ التكبير واسع، وكلها حسنة، وأفضل ما يفعله المسلم أن يوافق أهل بلده في تكبيرهم إذا كبر معهم، ومن الحسن كذلك أن يوافق المسلم عرف أهل بلده في التهنئة بالعيد والدعاء بالخير.

- من أحكام صلاة العيد أن من شاء ألا يحضر الخطبة بعد الصلاة فله أن (ينصرف) من المصلى، أما إذا حضر الخطبة - سواء كان في المصلى أو بجواره يسمع الخطيب - فتلزمه أحكام الخطبة، كخطبة الجمعة سواء بسواء، ومن ذلك وجوب الإنصات وتحريم الكلام، وأكثر الناس يتهاونون في ذلك، مع ما فيه من إيذاء المستمعين للخطبة وتضييع هيبتها وإجلال ما فيها من ذكر الله وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنا لله!
[وهذا المذكور هو مذهب الحنابلة والحنفية وأحد قولي المالكية والشافعية، وحكم الكلام ونحوه يدور في المذاهب كلها بين الحرمة والكراهة، خاصة مع التمادي الشديد الذي يقع في أحوال كثيرة]
2024/05/16 01:55:54
Back to Top
HTML Embed Code: