tg-me.com/https3E/629
Last Update:
◉ الجواد إذا عثر! وقفتان مع تواضع الكسائي.
في تراثنا العلمي مشاهد تبقى مصابيح هدى، لا تُقرأ لمجرد المتعة، بل لتُغرس في القلب خلقًا، وتُستعاد في المواقف زادًا.
ومن أبهى هذه المشاهد: ما نُقل عن الإمام الكسائي الذي توفي سنة [١٨٩هـ] أحد أركان الكوفة في النحو والقراءات، وإمام العربية المشهور.
حيثُ روى سلمة، عن الفراء، عن الكسائي، أنه قال: “ربما سبقني لساني باللحن!”.
هنا تتجلى قيمة هذا القول لا في مضمونه فحسب، بل في قائله؛ فهو لسانٌ أقام قواعد العربية، ومع ذلك لم يجد بأسًا أن يُقرّ بأن اللسان قد يزل، وأن الإنسان – مهما علا – يبقى بشرًا.
ثم يروي ابن مسروق، عن سلمة، عن عاصم، عن الكسائي، موقفًا أعجب، يقول: “صليتُ بالرشيد، فأخطأتُ في آيةٍ ما أخطأ فيها صبي، قلت: لعلهم يرجعين! فوالله، ما اجترأ الرشيد أن يقول: أخطأت، ولكن قال: أي لغةٍ هذه؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، قد يعثر الجواد! قال: أما هذا، فنعم!”.
تأمل هذا الموقف: خطأ في آية يتعلمها الصغار، يصدر من إمام القراءات على منبر الصلاة، أمام الخليفة! ومع ذلك لم يُنكر، ولم يُؤوّل، بل واجه الزلة بصدق العارف، وثبات الواثق، وقال: “قد يعثر الجواد”.
وهكذا يكون الكبار: يعرفون قدر أنفسهم فلا يتهيبون من عثرة، ولا يتضعضعون أمام هفوة.
فالعالِم الحق لا تُسقطه الزلّة، بل يرفعه صدقُه في الاعتراف بها، والخطأ لا يُنقص من القدر، وإنما الذي يُنقص هو العناد والمراء، وتكلف العصمة.
لقد وعى الكسائي أن اللسان آلة، وأن السهو سنة بشرية، فكان في منطقه صدق، وفي اعترافه عز.
فيا من طلبت العلم، أو انتسبت لأهله، أو رغبت في التقدُّم في بيانه:
التواضع.. التواضع.. فـ”قد يعثر الجواد”… ولكن الجواد الأصيل لا يكفّ عن الجري!
BY قناة د. عبداللطيف التويجري
Warning: Undefined variable $i in /var/www/tg-me/post.php on line 283
Share with your friend now:
tg-me.com/https3E/629